(الصفحة 273)
سدير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل شقّ ثوبه على أبيه ، أو على اُمّه ، أو على أخيه ، أو على قريب له ، فقال : لا بأس بشقّ الجيوب ، قد شقّ موسى بن عمران على أخيه هارون ، ولا يشقّ الوالد على ولده ، ولا زوج على امرأته ، وتشقّ المرأة على زوجها ، وإذا شقّ زوج على امرأته ، أو والد على ولده فكفّارته حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتّى يكفّرا ، أو يتوبا من ذلك ، فإذا خدشت المرأة وجهها ، أو جزّت شعرها ، أو نتفته ، ففي جزّ الشعر عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكيناً ، وفي الخدش إذا دميت ، وفي النتف كفّارة حنث يمين ، ولا شيء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة ، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميّات على الحسين بن علي (عليهما السلام) ، وعلى مثله تلطم الخدود ، وتشقّ الجيوب(1) .
القسم الثالث : ما اجتمع فيه الأمران ; وهي أيضاً ثابتة في موارد :
الأوّل : كفّارة حنث اليمين ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الآية الشريفة(2) التي هي الأصل في ذلك ـ روايات متعدّدة :
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في كفّارة اليمين ، يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ من حنطة ، أو مدّ من دقيق وحفنة ، أو كسوتهم لكلّ إنسان ثوبان، أو عتق رقبة ، وهو في ذلك بالخيار أيّ ذلك (الثلاثة خ ل) شاء صنع ، فإن لم يقدر على واحدة من الثلاث فالصيام عليه ثلاثة أيّام(3) . وبهذا المضمون روايات كثيرة.
- (1) تهذيب الأحكام : 8/325 ح1207 ، وعنه الوسائل : 22 / 402 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب31 ح1 .
- (2) سورة المائدة : 5 / 89 .
- (3) الكافي : 7 / 451 ح1 ، تهذيب الأحكام : 8/295 ح1091 ، الاستبصار : 4 / 51 ح174 ، وعنها الوسائل : 22 / 375 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب12 ح1 .
(الصفحة 274)
الثاني : كفّارة نتف المرأة شعرها في المصاب ، أو خدش وجهها فيه ، ويدلّ عليه خبر خالد بن سدير المتقدّم المنجبر ضعفه بفتوى جماعة من الفقهاء(1) ، بل المشهور(2) على طبقها ، وقد تقرّر في محلّه أنّ الشهرة الفتوائية جابرة للضعف ، كما أنّها قادحة في الاعتبار في صورة المخالفة .
الثالث : شقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته ، ويدلّ عليه الخبر المتقدّم الدالّ على النهي عن شقّ الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته ، وعلى أنّ كفّارته كفّارة حنث اليمين . نعم ، له الدلالة على جواز لطم الخدود وشقّ الجيوب كما فعلت ذلك الفاطميّات بالإضافة إلى سيّد الشهداء الحسين بن علي (عليهما السلام) .
القسم الرابع : كفّارة الجمع ; وهي أيضاً ثابتة في موردين :
الأوّل : كفّارة قتل المؤمن عمداً ظلماً ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى الآية(3) التي هي الأصل في ذلك ـ روايات :
منها : رواية عبدالله بن سنان وابن بكير جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سُئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمِّداً ـ إلى أن قال : ـ فقال : إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية ، وأعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، وأطعم ستّين مسكيناً توبةً إلى الله عزّوجلّ(4) . ولابدّ من حمل الرواية على صورة كون القاتل راضياً بالدية مكان
- (1) المهذّب لابن البرّاج : 2 / 424 ، الوسيلة : 353 ، إصباح الشيعة : 487 ، السرائر : 3/ 78 ، شرائع الإسلام : 3 / 68 ، الجامع للشرائع : 418 .
- (2) رياض المسائل : 11 / 244 ـ 246 ، جواهر الكلام : 33 / 183 ـ 184 .
- (3) سورة النساء : 4 / 92 .
- (4) الكافي : 7 / 276 ح2 ، وعنه الوسائل : 22 / 398 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ب28 ح1 .
(الصفحة 275)مسألة : لا فرق في جزّ المرأة شعرها بين جزّ تمام شعر رأسها ، أو جزّ بعضه بما يصدق عرفاً أنّها جزّت شعرها ، كما لا فرق بين كونه في مصاب زوجها ومصاب غيره ، وبين القريب والبعيد ، والأقوى عدم إلحاق الحلق والإحراق به وإن كان أحوط ، سيّما في الأوّل1 .
المسألة :
لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه ، بل يكفي مسمّاه . نعم ، الظاهر أنّه يعتبر فيه الإدماء ، ولا عبرة بخدش غير الوجه ولو مع الإدماء ، ولا بشقّ ثوبها وإن كان على ولدها أو زوجها ، كما لا عبرة بخدش الرجل وجهه ، ولا بجزّ شعره ، ولا بشقّ ثوبه على غير ولده وزوجته . نعم ، لا فرق في الولد بين الذكر والاُنثى ، وفي شموله لولد الولد تأمّل ، والأحوط ذلك في ولد الابن ،
القصاص ، وإلاّ فقد ذكرنا في كتاب القصاص أنّ له الامتناع عن إعطاء الدية وتسليم النفس للقصاص(1) ، لكنّه على خلاف ما هو الغالب ، كما لايخفى .
الثاني : الإفطار بالمحرّم في شهر رمضان ، كما إذا زنا فيه ، أو شرب المسكر ، أو تعمّد الكذب على الله،وقداحتاط فيه بثبوت كفّارة الجمع، والتفصيل في كتاب الصوم.
1 ـ الملاك في جزّ المرأة شعرها هو الصدق العرفي ، وعليه فلا فرق في ذلك بين جزّ تمام شعر الرأس وبعضه مع الصدق العرفي ، كما أنّ إطلاق «المصاب» لا فرق فيه بين أن يكون مصاب زوجها أو غيره ، قريباً كان كالأب والاُمّ ، أم بعيداً ، وكذلك المناط عنوان الجزّ ، ولذا لا يلحق به الحلق والإحراق وإن احتاط استحباباً فيهما ، خصوصاً بالإضافة إلى الحلق الذي هو أقرب إلى الجزّ .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القصاص : 288 .
(الصفحة 276)والظاهر عدم الشمول لولد البنت وإن كان أحوط ، ولا يبعد شمول الزوجة لغير الدائمة ، سيّما إذا كانت مدّتها طويلة1 .
1 ـ لا يعتبر في خدش الوجه خدش تمامه ، بل يكفي مسمّـاه . نعم ، الظاهر أنّه يعتبر فيه الإدماء ، كما وقع التقييد بها في رواية خالد بن سدير المتقدّمة ، ولا عبرة بخدش غير الوجه مطلقاً ، مع الإدماء وعدمها ، ولا بشقّ المرأة ثوبها وإن كان على ولدها أو زوجها ، كما عرفت في الفاطميّات اللواتي شققن الجيوب ، كما أنّه لا عبرة بخدش الرجل وجهه ، ولا بجزّ شعره ، ولا بشقّ ثوبه على غير ولده وزوجته ، كما مرّ في الرواية أنّه قد شقّ موسى بن عمران الجيب على أخيه هارون ، فالمنع منحصر بشقّ الوالد ثوبه على ولده ، والزوج على زوجته .
نعم ، لا شبهة في أنّ إطلاق الولد يشمل الذكر والاُنثى ، لكن تأمّل في المتن في شموله لولد الولد ، لا لأنّه ليس بولد ، بل هو ولد ، كما نرى التصريح بأنّ الأئمّة (عليهم السلام)أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، بل لانصراف الولد المذكور في الرواية عن ولد الولد وإن احتاط وجوباً بالإضافة إلى ولد الابن ، واستحباباً بالنسبة إلى ولد البنت ، وقد مرّ منّا في كتاب الخمس أنّ ولد البنت أيضاً ولد حقيقة(1) ، ولكن المعتبر في تحقّق عنوان السيادة لا البنوّة الانتساب بالأب ، كما أنّا ذكرنا فيه(2) أنّ سيادة السادة العلويّين إنّما هي بالانتساب بالأب إلى سيّد الموحِّدين أمير المؤمنين (عليه السلام) ، لا بالاُمّ إلى الرسول ولو كانت هي الزهراء المرضيّة سلام الله عليها .
ثمّ إنّه نفى البُعد في ذيل المسألة عن شمول الزوجة للمنقطعة ; لأنّها زوجة حقيقة يترتّب عليها أحكامها إلاّ ما قد خرج ، كالتوارث احتمالاً .
- (1، 2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس : 255 .
(الصفحة 277)القول في أحكام الكفّارات
مسألة : لا يجزئ عتق الكافر في الكفّارة مطلقاً ، فيشترط فيه الإسلام . ويستوي في الإجزاء الذكر والاُنثى ، والكبير والصغير الذي هو بحكم المسلم; بأن كان أحد أبويه مسلماً ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في كفّارة القتل بعتق البالغ . ويشترط أيضاً أن يكون سالماً من العيوب التي توجب الانعتاق قهراً ، كالعمى والجذام والإقعاد والتنكيل ، ولا بأس بسائر العيوب ، فيجزئ عتق الأصمّ والأخرس وغيرهما ، ويجزئ عتق الآبق وإن لم يعلم مكانه ما لم يعلم موته1 .
1 ـ وليعلم قبل الورود في المسألة أنّه حيث لا يكون العتق المأمور به في الكفّارة مقدوراً سيّما في هذه الأزمنة ، وقد مرّ في بعض المباحث المتقدّمة أنّه يمكن الاستنباط من الموارد المختلفة أنّ نظر الشارع إلى قطع اُصول العبوديّة وإعدام موضوع الرقّية ، وعليه فمع عدم الإمكان لأجل هذه الجهة لابدّ أن يقال بسقوط التكليف به ; سواء كان بنحو الترتيب ، أو التخيير ، أو كفّارة الجمع ، كما عرفت مواردها .
ويمكن أن يقال : بأنّه مع عدم إمكان العتق في مورد لزومه تصل النوبة إلى