(الصفحة 196)ليس ببعيد1 .
مسألة : لو عيّن الموصي على القيّم تولّي جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً ، اقتصر عليه ، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله ، فلو جعله قيّماً في حفظ ماله وما يتعلّق بإنفاقه مثلاً ليس له الولاية على أمواله بالبيع والإجارة ونحوهما ، وعلى نفسه بالإجارة ونحوها ، وعلى ديونه بالوفاء والاستيفاء . ولو أطلق وقال : «فلان قيّم على أولادي» مثلاً ، كان وليّاً على
1 ـ يشترط في القيّم على الأطفال ما اشترط في الوصيّ على المال ; لأنّ مرجع الأوّل في صورة كون النصب من قبل الأب أو الجدّ للأب مع انتفاء الآخر إلى نوع وصيّة ; لأنّ القيمومة هي الوصاية على الأطفال في مقابل الوصي على المال ، فلا معنى لاحتمال كونه أهون منه ، وإن كان قد نفى البُعد في المتن عن عدم اعتبار العدالة والاكتفاء بالأمانة ووجود المصلحة في القيّم ، كما عرفت أنّه يكفي في الوصيّ الوثاقة(1) .
ولعلّ الوجه في كلتا المسألتين أنّ اعتبار العدالة التي هي مرتبة تالية من العصمة في الوصيّ والقيّم يوجب الوقوع في الحرج الشديد ، وعدم تحقّق الوصيّ والقيّم في كثير من الموارد ; لقلّة من كان واجداً لصفة العدالة ، وكثرة الافتقار إلى الوصيّ أو القيّم ، فاللازم التوسعة بمقدار الوثاقة كما لا يخفى ، مضافاً إلى أنّه لا دليل على اعتبار العدالة في شيء من الموردين ، ولذا نفى البُعد عن الاكتفاء بالوثاقة في الوصيّ والأمانة ووجود المصلحة في القيّم ، فتدبّر جيّداً .
ويؤيّده أنّه ربما لا يكون العادل حاضراً بقبول الوصاية أو القيمومة .
(الصفحة 197)جميع ما يتعلّق بهم ممّا كان للموصي الولاية عليه ، فله الإنفاق عليهم بالمعروف ، والإنفاق على من عليهم نفقة ، وحفظ أموالهم ، واستنماؤها ، واستيفاء ديونهم ، وإيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس ، وكذا إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم ، كالخمس وغير ذلك ، وفي ولايته على تزويجهم كلام يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى1 .
مسألة : يجوز جعل الولاية على الأطفال لاثنين فما زاد بالاستقلال
1 ـ لو عيّن الموصي على القيّم التصدّي لجهة خاصّة وتصرّف مخصوص ، يلزم على القيّم الاقتصار على ما عيّن ، ويكون أمر غيره بيد الحاكم أو المنصوب من قبله ، كالمثال المذكور في المتن ، والمقصود من قوله : وعلى نفسه بالإجارة في المثال هو الإجارة للصغير على العمل في مقابل إجارة الأعيان كالدار ومثلها .
ولو أطلق وقال : «فلان قيّم على أولادي» ولم يعيّن جهة خاصّة وتصرّفاً مخصوصاً ، فظاهره ثبوت الولاية للقيّم في جميع ما كان للموصي الولاية عليه في حال الحياة بالإضافة إلى أولاده الصغار ، فله ماله كالأمثلة المذكورة في المتن التي منها : إيفاء ما عليهم ، كأرش ما أتلفوا من أموال الناس ، نظراً إلى عدم اختصاص الأحكام الوضعيّة التي منها ضمان ما أتلفه من مال الغير بالبالغين ، ومنها : إخراج الحقوق المتعلّقة بأموالهم كالخمس ; لأنّه ليس مجرّد تكليف ، بل أمر وضعي ثابت بنحو الإشاعة أو الكلّي في المعيّن أو غيرهما . نعم ، في ولاية القيّم على تزويج الصغير والصغيرة مع المصلحة كلام مذكور في كتاب النكاح(1) .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب النكاح : 111 ـ 113 .
(الصفحة 198)والاشتراك ، وجعل الناظر على الوصيّ كالوصيّة بالمال1 .
مسألة : يُنفق الوصيّ على الصبيّ من غير إسراف ولا تقتير ، فيطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه ، فإن أسرف ضمن الزيادة ، ولو بلغ فأنكر أصل الإنفاق ، أو ادّعى عليه الإسراف ، فالقول قول الوصيّ بيمينه ، وكذا لو ادّعى عليه أنّه باع ماله من غير حاجة ولا غبطة . نعم ، لو اختلفا في دفع المال إليه بعد البلوغ فادّعاه الوصيّ وأنكره الصبيّ ، قُدّم قول الصبيّ ، والبيّنة على الوصيّ2 .
1 ـ كما يجوز جعل الوصاية لاثنين فما زاد بالاستقلال أو الاشتراك ، كذلك يجوز بالإضافة إلى القيّم على الأطفال ، وكما يجوز جعل الناظر على الوصيّ في الوصيّة بالمال كذلك يجوز جعل الناظر على القيّم ، والأنسب التعبير بالقيّم مكان الوصيّ ، فتدبّر جيّداً .
2 ـ يجب على القيّم سواء كان منصوباً من قبل أحد الوليّين الشرعيّين; وهما الأب والجدّ للأب على ما تقدّم ، أو من قبل الحاكم الشرعيّ أن ينفق على الصبيّ ; سواء كان واحداً أو أكثر ، من دون إسراف وزيادة ولا تقتير ونقيصة ، بل يطعمه ويلبسه عادة أمثاله ونظرائه ورعايةً لشؤونه المرعيّة في العرف ، فإن أسرف ضمن الزيادة ولو لم يدّع الصبيّ بعد البلوغ ذلك ; لما مرّ(1) من أنّ الأمين لا يكون ضامناً ما دام لم يتعدّ ولم يفرط ، فمع وجود أحد العنوانين يصير ضامناً; لما قرّر في محلّه من البحث في القواعد الفقهيّة ، كما قرّرناه في كتابنا في هذا المجال(2) .
- (1) في ص189.
- (2) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 1 / 27 ـ 43 .
(الصفحة 199)
ولو بلغ ووقع الاختلاف بينه وبين القيّم ففيه صور تالية :
الاُولى : أن ينكر الصبيّ البالغ أصل الإنفاق ، أو ادّعى عليه الإسراف ، وفي المتن القول قول الوصيّ ـ أي القيّم ـ مع يمينه ، والسرّ فيه مخالفة الأوّل للظاهر ، حيث إنّه يقتضي تحقّق الإنفاق عليه لتدوم حياته ويصير بالغاً ، ضرورة أنّه بدونه لا يكاد أن يتحقّق البلوغ ، ومخالفة الثاني للأصل ، حيث إنّه يقتضي عدم الزيادة ; سواء كانت من جهة الكمّية أو الكيفيّة . وإن جعل الملاك في تشخيص المدّعي من المنكر العرف دون الظاهر والأصل كما قوّيناه في كتاب القضاء(1) ، فالظاهر أنّ العرف يحكم بكون البالغ مدّعياً عليه البيّنة ، والقيّم منكراً يقبل قوله مع اليمين في صورة عدم البيّنة للمدّعي .
الثانية : أن يدّعي البالغ على القيّم أنّه باع ماله من دون حاجة ولا مصلحة ، وفي المتن أنّها كالصورة الاُولى ; لما عرفت في تشخيص المدّعي ـ الذي عليه البيّنة ـ عن المدّعى عليه الذي يكون عليه اليمين ، مضافاً إلى موافقة قول القيّم للظاهر ، فإنّه يقتضي عدم تحقّق البيع من دون حاجة ولا مصلحة ، كما هو كذلك بالإضافة إلى بيع مال نفسه ، كما لا يخفى .
الثالثة : أن يدّعي القيّم دفع مال اليتيم إليه بعد بلوغه ورشده ، وأنكره البالغ كذلك ، وفي هذه الصورة يكون القول قول الصبيّ مع عدم البيّنة للوليّ القيّم ; لأنّه مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل عدم الدفع إليه يكون مقتضى المناط الذي ذكرناه ذلك أيضاً ; لأنّ القيّم يدّعي الدفع ، والبالغ ينكره كما هو ظاهر .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء والشهادات : 75 ـ 77 .
(الصفحة 200)مسألة : يجوز للقيّم الذي يتولّى اُمور اليتيم أن يأخذ من ماله اُجرة مثل عمله ; سواء كان غنيّاً أو فقيراً وإن كان الأحوط الأولى للأوّل التجنّب . وأمّا الوصيّ على الأموال ، فإن عيّن الموصي مقدار المال الموصى به ، وطبّقه على مصرفه المعيّن بحيث لم يبق شيئاً لاُجرة الوصيّ ، واستلزم أخذها إمّا الزيادة على المال الموصى به ، أو النقصان في مقدار المصرف ، لم يجز له أن يأخذ الاُجرة لنفسه . وإن عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان ، كان حاله حال متولّي الوقف; في أنّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً جاز له أن يأخذ اُجرة مثل عمله ، كما إذا أوصى بأن يصرف ثلثه أو مقداراً معيّناً من المال في بناء القناطر وتسوية المعابر وتعمير المساجد1 .
1 ـ قد وقع التعرّض في هذه المسألة للفرق بين القيّم على اليتيم والوصي على الأموال من بعض الجهات ، وتوضيحه :
أنّه يجوز للقيّم أن يأخذ من مال اليتيم اُجرة مثل عمله ، من دون فرق بين ما إذا كان غنيّاً أو فقيراً ، وذلك لأنّ عمل المسلم محترم وله أجر فيما إذا كان بأمر من له الأمر ، وإن كان الأحوط الأولى للغنيّ غير المحتاج عدم الاستفادة من مال اليتيم الذي جعل أكله ظلماً أكلاً في بطونهم النار في الكتاب العزيز(1) ، وهو يدلّ على كمال مراقبة مال اليتيم ولزوم التحفّظ والاجتناب منه .
وأمّا الوصيّ على الأموال ، ففيه تفصيل مرجعه إلى :
أنّه لو عيّن الموصي مقدار المال الموصى به ، ولازم تطبيقه على المصرف المعيّن عدم بقاء شيء لاُجرة الوصي ، واستلزم أخذ الاُجرة ، إمّا الزيادة على المال الموصى
- (1) سورة النساء : 4 / 10 .