(الصفحة 228)مسألة : لو كان متعلّق اليمين فعلاً ـ كالصلاة والصوم ـ فإن عيّن له وقتاً تعيّن وكان الوفاء بها بالإتيان به في وقته ، وحنثها بعدم الإتيان فيه وإن أتى به في وقت آخر ، وإن أطلق كان الوفاء بها بإيجاده في أيّ وقت كان ولو مرّة واحدة ، وحنثها بتركه بالمرّة ، ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار ، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز أو عروض الموت . وإن كان متعلّقها الترك ، كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان مثلاً ، فإن قيّده بزمان كان حنثها بإيجاده ولو مرّة في ذلك الزمان ، وإن أطلق كان مقتضاه التأبيد مدّة العمر ، فلو أتى به مدّته ولو مرّة تحقّق الحنث1 .
تحقّقت المخالفة استحقّ عقابين لمخالفة الوجوب والحرمة معاً ، بل الظاهر ثبوت التكليف بوجوب الوفاء بها كالوفاء بالنذر . نعم ، لا شبهة في وجوب الكفّارة بحنثها ، كما يدلّ عليه الكتاب العزيز(1) . غاية الأمر أنّ الحنث الموجب للكفّارة عبارة عن المخالفة العمديّة ، فلو كانت جهلاً ، أو نسياناً ، أو اضطراراً ، أو إكراهاً فلا حنث يوجب الحرمة ، ولا يترتّب عليه الكفّارة ; لحديث الرفع المعروف(2) غير المختصّ بالأحكام التكليفيّة كما قرّر في محلّه .
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لصورتين :
إحداهما : ما إذا كان متعلّق اليمين إيجاد فعل مخصوص ، وقد فصّل فيه في المتن بأنّه إن عيّن له وقتاً تعيّن ذلك الوقت للوفاء باليمين ، فإن أتى به فيه فقد وفى ، وإن لم
- (1) سورة المائدة : 5 / 87 .
- (2) الكافي : 2 / 462 ـ 463 ح1 و2 ، التوحيد : 353 ح24 ، الخصال : 417 ح9 ، وعنها الوسائل : 15/369ـ 370 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب65 ح1 ـ 3 .
(الصفحة 229)مسألة : لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل ، كصوم يوم; سواء كان مقيّداً بزمان ، كصوم يوم من شعبان ، أو مطلقاً ، لم يكن له إلاّ حنث واحد بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً . وكذلك إذا كان ترك عمل على الإطلاق ; سواء قيّده بزمان أم لا ، فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً ، وحنثها بإيقاعه ولو مرّة واحدة ، فلو أتى به حنث وانحلّت اليمين ، فلو أتى به مراراً لم يحنث إلاّ مرّة واحدة ، فلا تتكرّر الكفّارة ، والأقوى أنّ الأمر كذلك لو حلف على أن يصوم كلّ خميس ، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة ، فلا يتكرّر الحنث والكفّارة لو ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو شرب الدخّان في أكثر من جمعة ، وتنحلّ اليمين بالمخالفة الاُولى ، والاحتياط حسن1 .
يأت به فيه فقد حنث وإن أتى به في وقت آخر ، فضلاً عمّا إذا لم يأت به فيه أيضاً . وإن لم يعيّن له وقتاً بل أطلق ، فالوفاء بها يتحقّق بإيجاده مرّة في أيّ وقت كان ، كما إذا تعلّق به التكليف كذلك من دون يمين ، كما أنّ حنثها بتركه بالمرّة ، ولا يجب التكرار ، ولا يلزم الفور والبدار ، ويجوز له التأخير ولو بالاختيار إلى أن يحصل ظنّ الفوت لظنّ طروّ العجز بالمرض ومثله ، أو عروض الموت .
ثانيتهما : ما إذا كان متعلّق اليمين الترك ، كما إذا حلف أن لا يشرب الدخان مثلاً ، وقد فصّل فيه أيضاً بين ما إذا كان الترك مقيّداً بزمان معيّن كالسنة في المثال المذكور ، فاللازم الترك في ذلك الزمان ، ويكون الحنث بالإيجاد فيه ولو مرّة ، وإن وقع الإطلاق فمقتضاه التأبيد مدّة العمر ، فلو أتى به وفعل في تلك المدّة ولو مرّة واحدة تحقّق الحنث المحرّم والموجب للكفّارة .
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان أنّ الحنث بماذا يتحقّق ، ويتعدّد أم لا؟ فنقول :
(الصفحة 230)مسألة : كفّارة اليمين : عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام ، وسيجيء تفصيلها في الكفّارات إن شاء الله تعالى1 .
لو كان المحلوف عليه الإتيان بعمل ، كصوم يوم; سواء كان مقيّداً بزمان أو مطلقاً ، فالحنث إنّما يتحقّق بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً . وكذلك إذا كان المحلوف عليه ترك عمل مطلقاً; أي غير مقيّد بالتعدّد والوحدة ، سواء قيّده بزمان أم لا ، فالوفاء بها بتركه في الوقت المضروب أو مطلقاً ، وحنثها بإيجاد العمل الذي حلف على تركه ولو مرّة واحدة ، وعندئذ تنحلّ اليمين ولا يكون الإيجاد الثاني والثالث وهكذا موجباً لتعدّد الحنث وتكرّر الكفّارة .
وقد قوّى في المتن أنّ الأمر كذلك; أي من جهة عدم تعدّد الحنث لو حلف على أن يصوم كلّ خميس ، أو حلف أن لا يشرب الدخان كلّ جمعة لو ترك الصوم في أكثر من يوم ، أو شرب الدخان في أكثر من جمعة ، والسرّ فيه عدم انحلال مثل الحلف المزبور إلى الأيمان المتعدّدة حسب تعدّد أيّام الجمعة ، بل الحلف واحد تعلّق بالتروك المتعدّدة ، وحلّها بتحقّق الفعل في شرب الدخان ولو في يوم واحد ، وبترك الصوم كذلك . نعم ، لو فرض أنّ المقصود هو الانحلال لكان لكلّ يوم جمعة وفاء وحنث ، لكنّه خلاف الظاهر ، فإنّ مقتضاه عدم الانحلال ، ولازمه وحدة الوفاء والحنث .
1 ـ سيأتي في كتاب الكفّارات(1) إن شاء الله تعالى أنّ كفّارة اليمين عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم به الأهل ، أو كسوتهم ، فإن لم يقدر
(الصفحة 231)مسألة : الأيمان الصادقة كلّها مكروهة ; سواء كانت على الماضي أو المستقبل . نعم ، لو قصد بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه جاز بلا كراهة ولو كذباً ، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، والأقوى عدم وجوب التورية وإن أحسنها1 .
فصيام ثلاثة أيّام ، وأنّ كفّارة اليمين مذكورة في الكتاب العزيز ـ كما أشرنا إليه في أوّل البحث(1)ـ فانتظر .
1 ـ الأيمان الصادقة التي سمّيت بالتأكيدية والتحقيقيّة في أقسام اليمين المذكورة في أوّل مباحثه كلّها مكروهة ; سواء كانت على الماضي أو المستقبل ، بل وعلى الحال أيضاً . نعم ، لو كان المقصود بها دفع مظلمة عن نفسه أو غيره من إخوانه يجوز من دون كراهة ولو لم تكن صادقة ، بل ربما تجب اليمين الكاذبة لدفع ظالم عن نفسه أو عرضه ، أو عن نفس مؤمن أو عرضه ، وقد وردت في هذا المجال روايات متعدّدة ، مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة .
كرواية إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : سألته عن رجل أحلفه السلطان بالطلاق أو غير ذلك ، فحلف ، قال : لا جناح عليه ، وعن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه ، قال : لا جناح عليه ، وسألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال : نعم(2) .
- (1) في ص214 .
- (2) الكافي : 7 / 440 ح4 ، تهذيب الأحكام : 8 / 285 ح1048 ، وعنهما الوسائل : 23 /224 ، كتاب الأيمان ب12 ح1 .
(الصفحة 232)مسألة : الأقوى جواز الحلف بغير الله في الماضي والمستقبل وإن لم يترتّب على مخالفته إثم ولا كفّارة ، كما أنّه ليس قسماً فاصلاً في الدعاوي والمرافعات1 .
وغير ذلك من الروايات الكثيرة الدالّة على ذلك .
ثمّ إنّ في لزوم التوسّل إلى التورية خصوصاً لمن كان يحسنها مكان الحلف كاذباً كلاماً مذكوراً في بحث الكذب من المكاسب المحرّمة بالنسبة إلى مطلق الكذب ، والظاهر عدم اللزوم ، والتحقيق في محلّه .
1 ـ قد مرّ(1) أنّ الحلف الذي يترتّب عليه الأثر من حرمة المخالفة وثبوت الكفّارة ـ وهو الذي سمّيناه بالعهدي ـ لابدّ وأن يكون بلفظ الجلالة أو ما يقوم مقامه ، كالرحمان ، أو مقلّب القلوب والأبصار ، ونحوها ، وأمّا اليمين التأكيديّة التي لا يترتّب على مخالفتها إثم ولا كفّارة فيجوز أن تكون بغير الله ، كالقرآن ، والكعبة ، والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وغيرها ; لما عرفت(2) من أنّ المقصود منها مجرّد التأكيد والتحقيق لا العهد والالتزام . نعم ، اليمين في المرافعات والدعاوي إذا حلفها المنكر بعد عدم ثبوت البيّنة للمدّعي ، أو حلفها المدّعي بعد نكول المنكر عن اليمين ـ وبعبارة اُخرى اليمين التي هي فاصلة للخصومة ـ لا تتحقّق بالحلف بغير الله تعالى ، كما هو المذكور في كتاب القضاء(3) ، فراجع .
- (1، 2) في ص216 ـ 218 .
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 221 ـ 231 .