(الصفحة 346)مسألة : إنّما يملك غير الطير بالاصطياد إذا لم يعلم كونه ملكاً للغير ولو من جهة آثار اليد التي هي أمارة على الملك فيه ، كما إذا كان طوق في عنقه ، أو قرط في اُذنه ، أو شدّ حبل في أحد قوائمه ، ولو علم ذلك لم يملكه الصائد ، بل يردّ إلى صاحبه إن عرفه ، وإن لم يعرفه يكون بحكم اللقطة . وأمّا الطير ، فإن كان مقصوص الجناحين كان بحكم ما علم أنّ له مالكاً ، فيردّ إلى صاحبه إن عرف ، وإن لم يعرف كان لقطة . وأمّا إن ملك جناحيه يتملّك بالاصطياد ، إلاّ إذا كان له مالك معلوم ، فيجب ردّه إليه ، والأحوط فيما إذا علم أنّ له مالكاً ـ ولو من جهة وجود آثار اليد فيه ـ ولم يعرفه أن يعامل معه معاملة اللقطة كغير الطير1 .
لصيرورتها ملكاً له بالحيازة ، لكنّه إذا أعرض عنه وقصد زوال ملكه يصير كالأوّل ، فيجوز للغير الحيازة .
وليعلم أنّه بعد اصطياد الغير له في المقام ، وحيازة الغير في سائر المباحات الموجبين لصيرورته ملكاً للصائد الثاني أو المحيز كذلك لا يجوز للأوّل الرجوع ، خصوصاً بعد كون مقتضى الاستصحاب بقاء زوال الملكيّة وعدم تأثير الرجوع في عودها ، كما هو ظاهر .
1 ـ قد تعرّض في المسألة لحكم موردين :
الأوّل : الحيوان الذي يملك بالاصطياد غير الطير ، وقد حكم في المتن بأنّ ملكيّته بالاصطياد إنّما هي فيما لم يعلم كونه ملكاً للغير; إمّا بالعلم الوجداني الذي يلحق به الاطمئنان العقلائي ، وإمّا من جهة آثار اليد التي هي أمارة شرعاً وعرفاً على ثبوت الملك فيه لأحد قبله ، كما في الأمثلة المذكورة فيه . وأمّا في هذه الصورة
(الصفحة 347)
كالعلم أو ما بحكمه فلا يملكه الصائد بوجه ، بل يجب عليه ردّه إلى صاحبه فيما لو كان معلوماً ، وفي صورة الجهل يترتّب عليه حكم اللقطة المذكور في محلّه .
الثاني : ما كان الحيوان الذي يريد تملّكه بالاصطياد طيراً ، وقد فصّل فيه بين ما إذا كان مقصوص الجناحين ، فيكون بحكم ما علم أنّ له مالكاً ، فيردّ إلى صاحبه إن عرف ، وإن لم يعرف كان لقطة ، وبين ما إذا كان الطير مالكاً لجناحيه فيتملّك بالاصطياد ، إلاّ إذا كان له مالك معلوم ، فيجب ردّه إليه ، وقد ورد في هذا المجال روايات متعدّدة :
منها : رواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه(1) .
ومنها : موثّقة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّ الطائر إذا ملك جناحيه فهو صيد ، وهو حلال لمن أخذه(2) .
ومنها : موثّقة إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الطير يقع في الدار فنصيده وحولنا حمام لبعضهم ، فقال : إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه ، قال : قلت : يقع علينا فنأخذه وقد نعلم لمن هو ، قال : إذا عرفته فردّه على صاحبه(3) .
ومنها : غير ذلك من الروايات .
- (1) الكافي : 6 / 222 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 61 ح259 ، وعنهما الوسائل : 23 / 389 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب37 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 223 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 61 ح256 ، وعنهما الوسائل : 23 / 390 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب37 ح3 .
- (3) مستطرفات السرائر : 57 ح16 ، وعنه الوسائل : 23 / 390 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب37 ح6 والبحار : 65 / 292 ح56 وج104 / 251 ح13 .
(الصفحة 348)مسألة : لو صنع برجاً لتعشيش الحمام فعشّش فيه لم يملكه ، خصوصاً لو كان الغرض حيازة زرقه مثلاً ، فيجوز لغيره صيده ويملك ما صاده ، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه ، وكذلك لو عشّش في بئر مملوكة ونحوها ، فإنّه لا يملكه مالكها1 .
مسألة : الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها ، فمن أخذه من الجبال مثلاً واستولى عليه يملكه ويملك كلّ ما تتبعه من النحل ممّا تسير بسيره وتقف بوقوفه ، وتدخل الكنّ وتخرج منه بدخوله وخروجه2 .
ثمّ إنّه احتاط وجوباً في الذيل أن يعامل مع الطير أيضاً معاملة اللقطة إذا كان مالكه مجهولاً ولكن علم بوجوده ولو من جهة آثار اليد ، ولعلّ الوجه فيه أنّه لا خصوصيّة للّقطة في ذلك ، بل هي بمعناها الأعمّ شامل للطير أيضاً ، فتدبّر .
1 ـ لو صنع برجاً لتعشيش الحمام كما هو المتداول المتعارف فعشّش فيه لم يكن مجرّد ذلك موجباً لملكيّة الحمام الذي يعيش فيه ; لأنّ نفس صنع ذلك لا يكون من الأسباب المملّكة ، خصوصاً لو لم يكن الغرض حيازة نفسه ، بل حيازة زرقه وقصد تملكّه ، وعليه فيجوز لغيره صيده ويملك ما صاده ، بل لو أخذ حمامة من البرج ملكها الآخذ وإن أثم من جهة الدخول فيه بغير إذن صاحبه ، وعليه فلو أخذه بأحد الوسائل الجديدة غير المستلزمة للدخول في البرج لم يكن هناك إثم أيضاً ، وكذلك لو عشّش في بئر مملوكة ونحوها ، فإنّ الجميع مشترك في عدم حصول الملكيّة لموجده بمجرّد إيجاده وتعيّش الطير فيه .
2 ـ الظاهر أنّه يكفي في تملّك النحل غير المملوكة أخذ أميرها ، فمن أخذه من الجبال مثلاً يملكه وكلّ ما هو أمير له ويسير بسيره ويقف بوقوفه ويدخل الكنّ
(الصفحة 349)
[القول في ذكاة السمك]
مسألة : ذكاة السمك إمّا بإخراجه من الماء حيّاً ، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته; سواءكان ذلك باليد أو بآلة كالشبكة ونحوها، فلو وثب على الجدّ، أو نبذه البحر إلى الساحل ، أو نضب الماء الذي كان فيه ، حلّ لو أخذه شخص قبل أن يموت، وحرم لو مات قبل أخذه وإن أدركه حيّاً ناظراً إليه على الأقوى1 .
المعبّر عنه في الفارسيّة (بكندو) ويخرج منه بدخوله وخروجه ، ولعلّ الوجه في الكفاية التبعيّة الموجودة فيهم في جميع الحالات ، بخلاف فرخ الطائر الذي يستقلّ إذا قدر على الطيران ، وهذا يكشف عن عدم التبعيّة .
1 ـ ذكاة السمك الموجبة لحلّية أكل لحمه ـ وإن لم تكن الطهارة متوقّفة عليها لعدم ثبوت نفس سائلة له حتّى تكون ميتتها نجسة ـ بأحد أمرين :
الأوّل : إخراجه من الماء حيّاً والموت خارج الماء .
الثاني : أخذه بعد خروجه منه قبل موته ; سواء كان ذلك باليد أو بالآلة ، ولا فرق في الخروج بين الأمثلة المذكورة في المتن . ويدلّ عليه رواية زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ عليه؟ قال : لا بأس به إن كان حيّاً أن تأخذه(1) . والسؤال وإن كان ناظراً إلى اعتبار التسمية في صيد الحيتان وعدمه ، إلاّ أنّ الجواب دالّ على أنّ الملاك في الحلّية أخذه حيّاً ، ومفاده عدم اعتبار التسمية بوجه ، كما سيأتي في المسألة الآتية إن شاء الله تعالى ، إلاّ أنّ الأخذ حيّاً معتبر فيه ، ومقتضى إطلاقه إمّا الإخراج من الماء حيّاً ، أو أخذه بعد خروجه منه
- (1) الكافي : 6 / 216 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 9 ح29 ، الاستبصار : 4 / 63 ح221 ، وعنها الوسائل : 23 / 385 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب33 ح2 وج24 / 73 ، أبواب الذبائح ب31 ح3 .
(الصفحة 350)مسألة : لا يشترط في تذكية السمك عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه التسمية ، كما أنّه لا يعتبر في صائده الإسلام ، فلو أخرجه كافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ; سواء كان كتابيّاً أو غيره . نعم ، لو وجده في يده ميّتاً لم يحلّ أكله ما لم يعلم أنّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه ، أو أخذه بعد خروجه وقبل موته ، ولا يحرز ذلك بكونه في يده ، ولا بقوله لو أخبر به ، بخلاف ما إذا كان في يد المسلم ، فإنّه يحكم بتذكيته حتّى يعلم خلافها1 .
كذلك ، وعليه فلا دليل لأن يكون إدراكه حيّاً ـ ولو كان ناظراً إليه ـ موجباً للحلّية وتحقّق الذكاة ، ويدلّ على هذا المضمون روايات متعدّدة اُخرى ، مثل :
صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) مثل ذلك ; يعني أنّه سُئل عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ عليه؟ قال : لا بأس به إن كان حيّاً أن تأخذه . قال : وسألته عن صيد السمك ولا يسمّي؟ قال : لا بأس(1) .
ورواية الطبرسي في الاحتجاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث إنّ زنديقاً قال له : السمك ميتة ، قال : إنّ السمك ذكاته إخراجه حيّاً من الماء ، ثمّ يترك حتّى يموت من ذات نفسه ، وذلك أنّه ليس له دم ، وكذلك الجراد(2) . وروايات متعدّدة اُخرى .
1 ـ أمّا عدم اعتبار الإسلام في صائد السمك فلدلالة جملة من الروايات المتقدّمة عليه ، وهناك روايات اُخرى ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سألته عن صيد الحيتان وإن لم يسمّ
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 9 ح30 ، وعنه الوسائل : 24 / 73 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب31 ح2 .
- (2) الاحتجاج : 2 / 238 ، قطعة من رقم 223 في سؤال الزنديق عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، وعنه الوسائل : 24 / 75 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب31 ح8 والبحار : 10 / 181 قطعة من ح2 وج65 / 162 ذح1 .