(الصفحة 369)المريء ، وربما يطلق على هذه الأربعة: الأوداج الأربعة ، واللازم قطعها وفصلها ، فلا يكفي شقّها من دون القطع والفصل1 .
مسألة : محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان
1 ـ قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بوجوب قطع الأعضاء الأربعة : ولا يجزئ قطع بعضها مع الإمكان ، وهذا في قول مشهور ، وفي الرواية : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس(1) ، والظاهر أنّ المراد بها هي صحيحة زيد الشحّام السابقة ، لكن في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج السابقة الواردة في مورد المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكِّيناً ، قال (عليه السلام) : «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» ومن البعيد اختصاص فري الأوداج بصورة الضرورة ، بحيث يكون مرجعه إلى عدم الاعتبار في صورة عدمها ، كما أنّ احتمال إرادة خصوص الودجين ولو من باب التجوّز خلاف الظاهر ، وعلى فرض التعارض فموافقة الشهرة(2)التي هي أوّل المرجّحات على ما ذكرناه مراراً تقتضي الأخذ بصحيحة ابن الحجّاج والالتزام بفري الأوداج الأربعة ، وإطلاقها على الحلقوم والمريء ـ مع أنّ المحيط بهما هو الودجان فقط ـ إنّما هو لعدم إمكان القطع بدونه .
ثمّ إنّ التعبير بالقطع كما في بعض الروايات المتقدّمة ، أو بالفري كما في البعض الآخر ، يدلّ على أنّ المعتبر هو القطع ، فلا يكفي الشقّ والفصل من دون تحقّق عنوان القطع .
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 205 .
- (2) مسالك الأفهام : 11 / 473 ـ 474، رياض المسائل : 12 / 97ـ 98.
(الصفحة 370)بـ «الجوزة» وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن ، بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها ، ولم يقع الذبح من تحتها ، لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة ، فإن كان الأمر كذلك ، أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته ، كما أنّه يلزم أن يكون شيء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس1 .
1 ـ لا شبهة في اعتبار إحراز فري الأوداج الأربعة في الحكم بالحلّية ، وفي المتن : أنّ اللازم وقوعه تحت العقدة المسمّـاة في لسان أهل هذا الزمان بـ «الجوزة» وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن الخ ، وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعد اعتبار فري الأوداج الأربعة كما ذكرنا ، أنّه بقي شيء كثر السؤال عنه في زماننا هذا ; وهو دعوى تعلّق الأعضاء الأربعة بـ «الخرزة» التي تكون في عنق الحيوان المسمّـاة بـ «الجوزة» على وجه إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع، أو لم يعلم بذلك وإن قطع نصف الجوزة ، ولكن لم أجد لذلك أثراً في كلام الأصحاب ولا في النصوص ، والمدار على صدق قطعها تماماً أجمع ، وربما كان الممارسون لذلك العارفون أولى من غيرهم في معرفة ذلك; وهم الذين اُشير إليهم في بعض النصوص بمن يحسن الذبح ويجيده(1) ، انتهى .
وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار الأمر المذكور عدا لزوم إحراز فري الأوداج الأربعة فقط ، واللازم الرجوع إلى أهل الخبرة ، كما أنّه ذكر في الذيل أنّه يلزم أن يكون مقدار يسير من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت
- (1) جواهر الكلام : 36 / 109 .
(الصفحة 371)مسألة : يشترط أن يكون الذبح من القدّام ، فلو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت . نعم ، لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق; بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، لم تحرم الذبيحة وإن فعل مكروهاً على الأوجه ، والأحوط ترك هذا النحو1 .
وانفصلت عمّا يلي الرأس ، والوجه فيه واضح .
1 ـ أمّا اشتراط أن يكون الذبح من القدّام متفرّعاً عليه، أنّه لو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح ، فالظاهر أنّ الوجه فيه عدم استقرار الحياة مع الذبح كذلك حين فري الأوداج وقطعه ، ولذا يتحقّق منه السرعة إلى قطع الأوداج قبل خروج الروح ، وسيأتي البحث في ذلك مفصّلاً إن شاء الله تعالى موضوعاً وحكماً .
وأمّا لو تحقّق القطع من القدّام لكن لا من الفوق; بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، فقد قال المحقّق في الشرائع : و ـ يعني وكذا يكره ـ أن تقلّب السكين فيذبح إلى الفوق ، وقيل فيهما : يحرم ، والأوّل أشبه(1) ، معلّلاً له في الجواهر بقول الصادق (عليه السلام) في خبر حمران : ولا تقلّب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق(2) (3) ، والقائل بالحرمة بعض القدماء(4) ، لكن الرواية قاصرة عن
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 206 .
- (2) الكافي : 6 / 229 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 55 ح227 ، وعنهما الوسائل : 24 / 10 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب3 ح2 .
- (3) جواهر الكلام : 36 / 136 .
- (4) النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى : 584 ، المهذّب : 2 / 440 .
(الصفحة 372)مسألة : يجب التتابع في الذبح; بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح ، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي حرمت ، بل لا يترك الاحياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد ، ولا يعدّ معه عملاً واحداً عرفاً ، بل يعدّ عملين وإن استوفى التمام قبل خروج الروح منها1 .
مسألة : لو قطع رقبة الذبيحة من القفا وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن بقيت لها الحياة ـ المستكشفة بالحركة ولو يسيرة ـ بعد الذبح وقطع الأوداج
إفادة الحرمة لقرائن دالّة على ذلك ، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي ترك هذا النحو أيضاً .
1 ـ الوجه في وجوب التتابع في الذبح ولزوم استيفاء قطع الأعضاء الأربعة قبل زهوق الروح أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ زهاق الروح لابدّ وأن يكون مستنداً إلى قطع الأوداج الأربعة بتمامها ، بحيث كان قطع كلّ عضو علّة ناقصة لتحقّق الزهوق ، وعليه لو قطع بعض تلك الأعضاء وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي ولم يكن له أثر في الزهوق أصلاً حرمت ، بل في المتن النهي عن ترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف ، بحيث يعدّ عملين وإن كان استيفاء التمام قبل خروج الروح منها ; لأنّ المنساق من الأدلّة والمنصرف منها كون الذبح الذي هو السبب في زهوق الروح عملاً واحداً وفعلاً فارداً ، لا أعمالاً متعدّدة أو عملين كذلك ، فالنهي عن ترك الاحتياط المذكور في محلّه ، كما أنّ مقتضى الاحتياط صدور العمل الواحد من شخص واحد لا من شخصين أو أزيد ، ولعلّه سيجيء الكلام فيه .
(الصفحة 373)حلّت ، وإن كان لها حركة ولو يسيرة قبل الذبح ذبحت ، فإن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت ، وإلاّ فإن لم تتحرّك حتّى يسيراً قبل الذبح حرُمت ، وإن تحرّكت قبله ولم يخرج الدم المعتدل فمحلّ إشكال1 .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : إذا قُطِعت رقبة الذبيحة ، وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن كانت حياتها مستقرّة ذبحت وحلّت بالذبح ، وإلاّ كانت ميتة ، ومعنى المستقرّة ، التي يمكن أن يعيش مثلها اليوم والأيّام. وكذا لو عقرها السبع . ولو كانت الحياة غير مستقرّة; وهي التي يقضى بموتها عاجلاً، لم تحلّ بالذباحة; لأنّ حركتها كحركة المذبوح(1).
أقول : لا إشكال في أنّه إذا قطعت رقبة الذبيحة من القفا مثلاً ، كما مثّل به في الجواهر(2) وبقيت أعضاء الذباحة ، ففيه تفصيل بين صورة بقاء الحياة في الجملة وعدم البقاء ، فيحلّ بالذبح وقطع الأوداج الأربعة في الصورة الاُولى دون الثانية .
إنّما الإشكال والكلام في اعتبار مقدار الحياة ، وقد عرفت اعتبار الحياة المستقرّة وتفسيرها في كلام المحقّق ، ووافقه العلاّمة في محكيّ التحرير والقواعد والإرشاد(3)، واستظهر صاحب الجواهر من أكثر القدماء وجملة من المتأخِّرين حتّى المحقّق في النافع(4) ، وصريح بعضهم الاكتفاء في حلّ الذبيحة بالحركة وحدها ، أو مع خروج الدم المعتدل جمعاً أو تخييراً ، من غير اعتبار
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 207 ، المسألة الثالثة .
- (2) جواهر الكلام : 36 / 141 .
- (3) تحرير الأحكام الشرعية : 4 / 611 ، قواعد الأحكام : 3 / 322 ، إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان : 2/108 .
- (4) المختصر النافع : 358 .