(الصفحة 292)الأفضل إشباعه في يومه وليله غداةً وعشاءً1 .
مسألة : يجزئ في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي والتقوّت به لغالب الناس; من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة ، ومن الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه; من حنطة أو شعير أو ذرّة أو دخن وغيرها ، وإن كان بلا إدام . نعم ، الأحوط في كفّارة اليمين ـ وما كانت كفّارته كفّارتها ـ عدم كون الإطعام بل والتسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم ، وإن كان الاجزاء بما ذكر فيها أيضاً لا يخلو من قوّة . والأفضل أن يكون مع الإدام ، وهو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً وإن كان خلاًّ أو ملحاً أو بصلاً ، وكلّ ما كان أفضل كان أفضل . وفي التسليم بذل ما يسمّى طعاماً من نيّ ومطبوخ; من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأُرز وغير ذلك ، والأحوط الحنطة أو دقيقها ، ويجزئ التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً2 .
1 ـ لا ينبغي الإشكال في أنّ الإطعام المأمور به بعنوان الكفّارة يتحقّق بالإشباع ولو مرّة واحدة ، لكن الأفضل الإشباع في يومه وليلته غداةً وعشاءً ، وفي رواية ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : في كفّارة اليمين يعطى كلّ مسكين مدّاً على قدر ما يقوت إنساناً من أهلك في كلّ يوم، الخ(1) .
2 ـ قد ورد في الآية الشريفة الواردة في كفّارة اليمين قوله تعالى :
{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}(2) . وفي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله
- (1) تفسير العيّاشي : 1 / 337 ح171 ، وعنه الوسائل : 22 / 382 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح8 وبحار الأنوار : 104 / 225 ح46 .
- (2) سورة المائدة : 5 / 89 .
(الصفحة 293)مسألة : التسليم إلى المسكين تمليك له ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل1 .
عزّوجلّ :
{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}قال : هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ ، ومنهم من يأكل أكثر من المدّ ، ومنهم من يأكل أقلّ من المدّ ، فبين ذلك ، وإن شئت جعلت لهم أُدماً والأُدم أدناه الملح ، وأوسطه الخلّ والزيت ، وأرفعه اللحم(1) .
والرواية دالّة على أنّ الآية الشريفة كما تكون ناظرة إلى كيفيّة الطعام ، كذلك تكون ناظرة إلى الكمّية وأنّ الأوسط هو مدّ واحد ، ويدلّ على هذا المضمون طائفة من الروايات(2) .
ثمّ إنّ كلمة «الإطعام» دالّة على طعام مطبوخ وإن كان الطعام مستعملاً بنفسه في الحنطة أو مع الشعير غير المطبوخين ، وإن كان الظاهر أنّه لا إشكال في إجزاء التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً وإن كانا غير مطبوخين ، فيظهر من جميع ذلك أنّ الملاك هو ما يتحقّق به الإشباع وإن كان خبزاً من دون إدام أو تمراً أو زبيباً ، كما هو ظاهر ، ويكفي في الإدام مجرّد الملح أو ما هو مثله .
1 ـ قد عرفت في المسألة الحادية عشر أنّه يتخيّر في الإطعام الواجب بعنوان الكفّارة بين الإشباع وبين التسليم ، فاعلم أنّ التسليم إلى المسكين ليس مجرّد إباحة التصرّف الموجبة لجريان أحكام الإباحة عليها ولو فرض لزومها ، بل هو في
- (1) الكافي : 7 / 453 ح7 ، تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1098 ، الاستبصار : 4 / 53 ح183 ، وعنها الوسائل : 22 / 381 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح3 .
- (2) وسائل الشيعة : 22 / 380 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 .
(الصفحة 294)مسألة : يتساوى الصغير والكبير إن كان التكفير بالتسليم ، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير التسليم إلى وليّه . وكذلك إن كان بنحو الإشباع إذا اختلط الصغار مع الكبار ، فإذا أشبع عائلة أو عائلات مشتملة على كبار وصغار أجزأ مع بلوغهم ستّيناً ، وإن كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد ، بل الأحوط احتسابهم كذلك مطلقاً ، والظاهر أنّه لا يعتبر في إشباعهم إذن الوليّ1 .
الحقيقة تمليك لازم ، فيملك المسكين ما قبضه ويفعل به ما يشاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل كما لو كانت الملكيّة الكذائيّة ثابتة له من غير جهة الكفّارة .
1 ـ إذا كان التكفير بالتسليم الذي أحد فردي الواجب التخييري يتساوى الصغير والكبير في ذلك ، فيعطى الصغير مدّاً من الطعام كالكبير وإن كان اللازم في الصغير هو التسليم إلى وليّه .
فهنا أمران :
أحدهما : التساوي ولزوم إعطاء الصغير مدّاً ; لأنّ الواجب هو إعطاء ستّين مدّاً مكان الإشباع .
ثانيهما : لزوم التسليم إلى الوليّ ; لعدم كون الصغير له القابليّة من هذه الجهة ، كما استدلّ به المحقّق في الشرائع(1) ، وكان قبضه كالعدم وقبوله بمنزلة عدم القبول .
ويدلّ على الأمر الأوّل رواية يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل عليه كفّارة إطعام عشرة مساكين ، أيعطي الصغار والكبار سواء ،
- (1) شرائع الإسلام : 3 / 78 ، المقصد الرابع ، المسألة السادسة .
(الصفحة 295)مسألة : لا إشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو مع الاختيار ; من غير فرق بين الإشباع والتسليم ، فلو أفطر تمام شهر رمضان جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً ، أو تسليم
والنساء والرجال ، أو يفضّل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ فقال : كلّهم سواء(1) .
وموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : من أطعم في كفّارة اليمين صغاراً وكباراً فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير(2) .
هذا إذا كان بنحو الإعطاء والتسليم .
وأمّا إذا كان بنحو الإشباع ، فقد فصّل فيه بين ما إذا اختلط الصغار مع الكبار ، فيكونون مثلهم ، وبين ما إذا كان الصغار منفردين فاللازم احتساب اثنين بواحد ، ولعلّ المنشأ رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يجزئ إطعام الصغير في كفّارة اليمين ، ولكن صغيرين بكبير(3) بعد الحمل على صورة الإعطاء بقرينة الرواية السابقة وإلغاء الخصوصيّة عن اليمين ، واحتاط استحباباً بالاحتساب كذلك مطلقاً ، ثمّ إنّه استظهر أنّه لا يعتبر في إشباع الصغار إذن الوليّ ; لعدم الدليل على ذلك ، مضافاً إلى أنّه ليس تصرّفاً .
- (1) تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1101 ، الاستبصار : 4 / 53 ح181 ، وعنهما الوسائل : 22 / 387 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب17 ح3 .
- (2) تهذيب الأحكام : 8 / 300 ح1113 ، وعنه الوسائل : 22 / 387 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب17 ح2 .
- (3) الكافي : 7 / 454 ح12 ، تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1100 ، الاستبصار : 4 / 53 ح182 ، وعنها الوسائل : 22 / 387 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب17 ح1 .
(الصفحة 296)ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم1 .
مسألة : لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره ، وإن تعذّر انتظر . ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار ، ويقتصر في التكرار على جميع الموجودين ، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ، ولا يجوز التكرار على خمسة اثنتى عشرة مرّة ، والأحوط عند تعذّر العدد الاقتصار على الإشباع دون التسليم ، وأن يكون في أيّام متعدّدة2 .
1 ـ لا ينبغي الإشكال في جواز إعطاء كلّ مسكين أزيد من مدّ من كفّارات متعدّدة ولو في صورة الاختيار ; من غير فرق بين الإشباع والتسليم ; لعدم تبدّل عنوانه بذلك ، وعدم الخروج عن هذا الوصف بإعطاء أزيد من مدّ ، والمفروض كونه من كفّارات متعدّدة ، وفرّع عليه أنّه لو أفطر تمام شهر رمضان وفرض كونه ثلاثين يوماً جاز له إشباع ستّين شخصاً معيّنين في ثلاثين يوماً ، أو تسليم ثلاثين مدّاً من طعام لكلّ واحد منهم وإن وجد غيرهم ، والوجه فيه ما ذكرنا .
2 ـ لو تعذّر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره ، وهل المراد أنّ جواز النقل إلى غير البلد يتوقّف على التعذّر في البلد ، أو أنّ وجوب النقل إلى غيره إنّما هو لأجل كونه أحد فردي الواجب التخييري ، فالتعيّن بسببه كما في سائر الموارد ، وإلاّ فأصل الجواز ثابت ولو مع عدم التعذّر في البلد ، والأوّل كما في زكاة الفطرة ، بل مطلق الزكاة كما ربما يحتمل ، ولكن الظاهر هو الثاني; لعدم الدليل على الأوّل .
ولو وجد بعض العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي المقدار ، ولكن لابدّ من تشريك جميع الموجودين ، فلو تمكّن من عشرة كرّر عليهم ستّ مرّات ليتحقّق