(الصفحة 19)
يحتج ، افتقر إليه أو استغنى عنه ـ إلى أن قال : ـ وأمّا ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلّمها من قيّم يقوم فيها ويعمّرها ويؤدّي من دخلها خراجها ومؤنتها ، ويجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا ، فإنّ ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيّماً عليها ، إنّما لا يجوز ذلك لغيره(1) .
وما دلّ على أنّه لو مات الواقف قبل القبض يرجع الوقف ميراثاً(2) .
فلا ينبغي الإشكال في أصل الشرطيّة ، والظاهر أنّ مدخليّته في الصحّة إنّما هي على سبيل الإجازة بناءً على كونها ناقلة . ويدلّ عليه الوجه الأخير وإن كان لا دلالة للروايتين على ذلك ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاستصحاب ذلك أيضاً .
الثانية : أنّه لابدّ أن يكون القبض بإذن الواقف كما هو المشهور(3) ، وعن صاحب الكفاية التوقّف(4) ; لعدم الدليل ، ويدلّ على المشهور ظهور الرواية المتقدّمة في ذلك ، حيث إنّه نسب التسليم فيها إلى صاحب الوقف ، ولكن في صحيحة محمّد بن مسلم، وخبر عبيد بن زرارة وقع التعبير بقوله (عليه السلام) : إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث(5) ، وفي صحيحة صفوان المتقدّمة قوله (عليه السلام) : ولم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه . فإنّ ظاهره جواز المخاصمة مع الواقف للقبض ، ومقتضى أصالة عدم ترتّب الأثر هو اعتباره ، وكيف كان ، فالمسألة مشكلة .
- (1) كمال الدّين : 520 ح49 ، الاحتجاج : 2 / 558 رقم 351 ، وعنهما الوسائل : 19 / 182 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح8 .
- (2) مثل رواية عبيد بن زرارة ومحمّد بن مسلم الآتيتين .
- (3) الحدائق الناضرة: 22 / 147، ملحقات العروة الوثقى: 2 / 182.
- (4) كفاية الأحكام : 140 .
- (5) الكافي : 7 / 31 ح7 ، التهذيب : 9 / 135 ح569 وص137 ح577 ، الاستبصار : 4 / 101 ح387 وص102 ح390، الفقيه: 4/182 ح639، وعنها الوسائل: 19/178، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح1 وص180 ح5.
(الصفحة 20)
الثالثة : في المتصدّي للقبض ، وفي المتن أنّه في الوقف الخاصّ يعتبر قبض الموقوف عليهم ، ويكفي قبض الطبقة الاُولى عن بقيّة الطبقات ، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الاُولى عمّن سيوجد ، ووجه الاكتفاء أنّ بقاء الوقف بالنسبة إلى جميع الطبقات لا يلائم مع اعتبار قبض الجميع ، خصوصاً مع أنّ الواقف لا يكون موجوداً نوعاً ، ولو كان في الموجودين صغير أو صغار قام الوليّ مقامه ، كما في سائر الموارد .
ولو تحقّق القبض من بعض الموجودين دون البعض الآخر فالظاهر عدم بطلان الوقف بالإضافة إلى الجميع ، بل يصحّ بالنسبة إلى من قبض دونه ، كما في بيع مال نفسه مع مال غيره في فرض عدم إذنه وإجازته أصلاً .
وأمّا بالنسبة إلى الوقف العامّ; أعمّ من الوقف على المصالح العامّة وعلى العناوين الكلّية ، فإن جعل له متولّياً فالمعتبر هو قبضه ، ولا مجال لاحتمال الاكتفاء بقبض الحاكم في هذه الصورة . نعم ، في صورة عدم جعل المتولّي يتعيّن قبض الحاكم ; لأنّه لا يحتمل اعتبار قبض غيره ، وقد قوّى في المتن في الوقف على العناوين الكلّية كالفقراء مثلاً الاكتفاء بقبض بعض أفراد ذلك العنوان ، كفقير واحد إذا سلّمه إليه لاستيفاء ما يستحقّه ، كدار سلّمها إلى فقير في صورة الوقف لسكونة الفقراء لأن ينتفع بها بهذا العنوان .
الرابعة : أنّه لابدّ في تحقّق القبض من الاستيلاء على العين الموقوفة وكونها تحت يده وباختياره ، فلو وقف بستاناً على الفقراء لا يكفي إعطاء شيء من ثمرته بل جميع الثمر لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده واستيلائه ، بل لابدّ من جعله تحت استيلاء الموقوف عليهم ، كما أنّ الأمر بالنسبة إلى وليّ العامّ أو الخاصّ كذلك ، والسرّ في الجميع عدم صدق القبض بدون الاستيلاء ، كما لا يخفى .
(الصفحة 21)مسألة : لو وقف مسجداً أو مقبرةً كفى في القبض صلاة واحدة فيه ، أو دفن ميّت واحد فيها بإذن الواقف وبعنوان التسليم والقبض1 .
مسألة : لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان تحت يده ـ وكذا كلّ
1 ـ الاكتفاء بذلك هو المشهور ، بل المدّعى عليه الإجماع(1) ، ولعلّ وجهه صدق عنوان القبض بذلك . نعم ، بناءً على اعتبار كون القبض بإذن الواقف يعتبر إذنه بهذا العنوان ، أي بعنوان التسليم والقبض ، وهذا إنّما يلائم بناءً على ما قوّاه سابقاً من كفاية التسليم إلى بعض أفراد الكلّي بعنوان الاستحقاق ، كمسألة الدار المتقدّمة الموقوفة لسكنى الفقراء ، وأمّا بناءً على لزوم قبض المتولّي أوّلاً ، والحاكم الشرعي ثانياً ، وتعيّن الثاني عند عدم الأوّل فلا يستقيم ذلك ، إلاّ أن يقال بكفاية كليهما في القبض ، وهو غير بعيد .
وحكى السيّد في الملحقات أنّه ذكر غير واحد أنّه لا يكفي ; لأنّ الموقوف عليه هو الجنس ، ولا يتحقّق قبضه إلاّ بقبض جميع أفراده ، ولذا لا يكفي في الزكاة قبض بعض المستحقّين عن غيره ، بخلاف الحاكم الشرعي ، فإنّه يكفي قبضه عن الجميع . وأورد عليه بمنع توقّف قبض الجنس على قبض جميع أفراده ، بل يصدق بقبض البعض(2) .
أقول : إلاّ أن يقال بالفرق بين الجنس والعموم ، فإنّ الأوّل يتحقّق بالفرد دون الثاني ، وعليه فيتحقّق الفرق بين الوقف على جنس الفقير أو على عموم الفقراء ، فالأحوط ما ذكرنا من قبض الحاكم مع عدم المتولّي .
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 190 مسألة 7 .
- (2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 190 مسألة 8 .
(الصفحة 22)وليّ إذا وقف على المولّى عليه ما كان تحت يده ـ لم يحتج إلى قبض حادث جديد ، لكن الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه ، بل لا يخلو من وجه1 .
1 ـ لو وقف الأب على أولاده الصغار ما كان في يده ، وكذا كلّ وليّ بالإضافة إلى المولّى عليه إذا وقف هكذا لم يحتج إلى قبض جديد بعدما كان تحت استيلائه وفي يده ، ويدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال في الرجل يتصدّق على ولده وقد أدركوا : إذا لم يقبضوا حتّى يموت فهو ميراث ، فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ; لأنّ والده هو الذي يلي أمره(1) .
ورواية عليّ بن جعفر : إذا كان أب تصدّق بها على ولد صغير فإنّها جائزة(2) بناءً على شمول الصدقة أو اختصاصها بالوقف ، وكون المراد من الجواز هو المضيّ واللزوم . وظاهر الروايتين أنّه يكفي في الجواز والمضيّ مجرّد كون الواقف هو الأب ، والموقوف عليه ولده الصغير أو أولاده كذلك ، لكن في المتن جعل الاحتياط في أن يقصد كون قبضه عنه ، بل نفى خلوّه عن الوجه ، والظاهر أنّ المراد أن يقصد كون بقاء الاستيلاء على العين الموقوفة بعنوان المولّى عليه ، وإلاّ فالقبض والإقباض حقيقة لا يعقل هنا ، لاتّحاد الشخص ، وأمّا نفي خلوّه عن الوجه ، فلما تقدّم من اعتبار القبض في صحّة الوقف ، ولكن يمكن أن يقال بدلالة الروايتين على الاستثناء كما لا يبعد ، بل عن كاشف الغطاء : لو نوى الخلاف فالأقوى الجواز(3) ، فالظاهر عدم تماميّة الوجه .
- (1) الكافي : 7 / 31 ح7 ، التهذيب : 9 / 135 ح569 ، الاستبصار : 4 / 101 ح387 ، وعنها الوسائل : 19/178 ، كتاب الوقوف والصدقات ب4 ح1 .
- (2) مسائل عليّ بن جعفر:195 ح411، وعنه الوسائل: 19/236، كتاب الهبات ب5ح5، وبحارالأنوار: 10/289.
- (3) كشف الغطاء : 4 / 251 .
(الصفحة 23)مسألة : لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية مثلاً لم يحتج إلى قبض جديد; بأن يستردّها ثمّ يقبضها . نعم ، لابدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف ، والأحوط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفيّة1 .
مسألة : فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي ـ كالوقف على الجهات العامّة ـ لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر ، ويكفي ما هو حاصل ، والأحوط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنّه متولّي الوقف2 .
1 ـ لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية ، بل بصورة الغصب غير الجائز لم يحتج إلى قبض جديد ; بأن يستردّها الواقف ثمّ يقبضها . نعم ، لابدّ أن يكون بقاؤها في يده بإذن الواقف ; لما مرّ من اعتبار الإذن في القبض ، وجعل في المتن أنّ الاحتياط بل الأوجه أن يكون بعنوان الوقفية ، والسرّ فيه مدخليّة هذا العنوان في موارد لزوم القبض ، ضرورة أنّ الواقف لو أقبضه بعنوان العارية مثلاً لا يكفي ذلك في القبض الذي هو شرط الوقف ، كما لا يخفى .
2 ـ فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولّي ـ كالوقف على الجهات العامّة ـ لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر ، بل لا يعقل كما عرفت ، وجعل في المتن الاحتياط بل الأوجه أن يقصد قبضه بما أنّه متولّي الوقف ، والظاهر أنّ المراد تغيير النيّة بالإضافة إلى العين الموقوفة ، فإنّه كان مستولياً عليها بما أنّها لنفسه ، والآن يكون استيلاؤه بعنوان التولية ، والموقوف عليهم من الجهات العامّة ، كما إذا صار متولّياً من ناحية واقف غير نفسه ، وإلاّ فلا يعقل القبض كما عرفت ; لأنّه تحصيل الحاصل ، فتدبّر .