(الصفحة 201)مسألة : الوصيّة جائزة من طرف الموصي ، فله أن يرجع عنها ما دام فيه الروح ، وتبديلها من أصلها ، أو من بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها ، فله تبديل الموصى به كلاًّ أو بعضاً ، وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك ، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحاله ، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعلها لعمرو يبقى أصل الوصيّة بحاله . وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ، ثمّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف إلى اُخرى تبقى الوصاية على يد زيد بحالها ، وهكذا . وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال، كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على الأطفال1 .
به ، أو النقصان في مقدار المصرف ، لم يجز له أن يأخذ الاُجرة ـ ولو اُجرة المثل ـ لنفسه ; لأنّه بقبوله الوصيّة الكذائيّة ، أو بعدم ردّها مع الإمكان كأنّه تبرّع بإجراء الوصيّة وتنفيذها وعدم أخذ الاُجرة أصلاً . نعم ، لو عيّن المال والمصرف على نحو قابل للزيادة والنقصان ، ففي المتن يكون حاله حال متولّي الوقف; في أنّه لو لم يعيّن له جعلاً معيّناً جاز له أن يأخذ اُجرة مثل عمله ; لما ذكرنا من الوجه(1) ، ولا يكون القبول أو عدم الردّ موجباً للعمل بعنوان التبرّع ، كالأمثلة المذكورة في المتن المشتركة في قبول الموصى به للزيادة والنقصان ، فتأمّل .
1 ـ لا شبهة في أنّ الوصيّة جائزة من طرف الموصي ; سواء كانت من العقود أو الإيقاعات ، فله أن يرجع فيها ما دام فيه الروح كلاًّ أو بعضاً من جهة الكمّية أو الكيفيّة ، كما أنّ له تغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك . غاية الأمر أنّه لو رجع عن
(الصفحة 202)مسألة : يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول ، وهو كلّ لفظ دالّ عليه عرفاً بأيّ لغة كان ، نحو : «رجعت عن وصيّتي ، أو أبطلتها ، أو عدلت عنها ، أو نقضتها» ونحوها . وبالفعل ، وهو إمّا بإعدام موضوعها كإتلاف الموصى به ، وكذا نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع ، أو جائز كالهبة مع القبض ، وإمّا بما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه ، كما إذا وكّل شخصاً على بيعه1 .
بعض الجهات يبقى غيرها بحاله ، وفي المثال المذكور في المتن أنّه لو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ، ثمّ عدل بعد ذلك عن وصاية زيد وجعلها لعمرو ، يبقى أصل الوصيّة بحاله ، والوصيّ بعد العدول هو عمرو لا زيد ، وهكذا بالإضافة إلى سائر الجهات ، وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال ، كذلك له الرجوع في القيّم وفي الاُمور التي يتصدّاها ، كما عرفت أنّه لابدّ أن تكون تلك الاُمور مذكورة ومعيّنة من قبل الموصي في صورة إرادة التعيين .
1 ـ يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بأحد اُمور ثلاثة :
الأوّل : القول ، وهو كلّ لفظ دالّ عليه بالظهور العرفيّ المعتمد عليه عندهم ولو لم يكن على سبيل الحقيقة ، من دون فرق بين اللغات .
الثاني : إعدام موضوع الوصيّة وموردها بإتلاف الموصى به أو نقله إلى الغير بعقد لازم كالبيع ونحوه ، أو بعقد جائز كالهبة ، والتقييد بالقبض في الهبة ليس لأجل توهّم اللزوم معه ، لما مرّ من عدم تحقّق اللزوم بمجرّد القبض ، بل لأجل توقّف الصحّة عليه(1) .
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الهبة مسألة 3 .
(الصفحة 203)مسألة : الوصيّة بعدما وقعت تبقى على حالها ، ويعمل بها لو لم يرجع الموصي وإن طالت المدّة ، ولو شكّ في الرجوع ـ ولو للشكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً ـ يحكم ببقائها وعدم الرجوع ، هذا إذا كانت الوصيّة مطلقة; بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى الله عليه . وأمّا لو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا ، أو عن مرض كذا ، ولم يتّفق موته في ذلك السفر ، أو عن ذلك المرض ، بطلت تلك الوصيّة ، ولو أوصى في جناح سفر أو في حال مرض ونحوهما ، وقامت قرائن ـ حاليّة أو مقاليّة ـ على عدم الإطلاق; وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال لا يجوز العمل بها ، وإلاّ فالأقرب الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة ، إلاّ إذا نسخها ، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة ، كما إذا شوهد منه المحافظة على ورقة الوصيّة مثلاً1 .
الثالث : ما يعدّ عند العرف رجوعاً وإن بقي الموصى به بحاله وفي ملكه ، كالمثال المذكور في المتن ، مع أنّ الوكالة جائزة .
1 ـ قد عرفت أنّ الوصيّة جائزة من طرف الموصي ويجوز له الرجوع فيها ما دام فيه الروح باقياً ، فلو لم يتحقّق الرجوع يجب العمل بها وإن طالت المدّة بينها وبين زمان موته . ولو شكّ في الرجوع يحكم بالبقاء وعدم الرجوع ; سواء كان الشكّ للشبهة الموضوعية ، أو للشبهة الحكميّة ، كما إذا شكّ في كون لفظ أو فعل رجوعاً ; لجريان الاستصحاب في كلا الفرضين على ما هو مقتضى التحقيق ، فإذا شكّ في وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ولم يقم دليل على النفي والإثبات فرضاً يجري استصحاب الوجوب الثابت في عصر الظهور ، لكن مورده ما إذا كانت الوصيّة
(الصفحة 204)مسألة : لا تثبت الوصيّة بالولاية ـ سواء كانت على المال أو على الأطفال ـ إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء ، لا منفردات ولا منضمّات بالرجال . وأمّا الوصيّة بالمال ، فهي كسائر الدعاوي المالية تثبت بشهادة رجلين عدلين ، وشاهد ويمين ، وشهادة رجل عدل وامرأتين عادلتين ، وتمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين :
مطلقة ، وتوضيحه أنّ الوصية على ثلاثة أقسام :
الأوّل : أن تكون الوصيّة مطلقة غير مقيّدة بموته في سفر كذا ، أو عن مرض كذا ، وهكذا في زمن كذا ، وكان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان قضى الله عليه .
الثاني : أن تكون مقيّدة بمثل أحد الاُمور المذكورة ، وفي هذا القسم لو لم يتحقّق موته مع القيد الذي ذكره تبطل الوصيّة بنفسها .
الثالث : أن تكون الوصيّة في حال مخصوص وظرف خاصّ ، كما إذا كان في جناح سفر أو في حال مرض ، وقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا قامت قرائن حاليّة أو مقاليّة على عدم إطلاق ، وأنّ نظره مقصور على موته في هذه الأحوال ، فلا يجوز العمل بها مع عدم موته فيها ، وبين ما إذا لم تقم تلك القرائن فاستقرب لزوم الأخذ بها والعمل عليها ولو مع طول المدّة ، إلاّ في صورة الرجوع ، سيّما إذا ظهر من حاله أنّ عدم الإيصاء الجديد لأجل الاعتماد على الوصيّة السابقة ، كما في المثال المذكور في المتن ، خصوصاً مع ملاحظة ما تقدّم(1) من كفاية الكتابة في الوصيّة ، كما هو المتداول في الوصايا كما لا يخفى .
(الصفحة 205)أحدهما : أنّها تثبت بشهادة النساء منفردات وإن لم تكمل أربع ولم تنضمّ اليمين ، فتثبت ربعها بواحدة عادلة ، ونصفها باثنتين ، وثلاثة أرباعها بثلاث ، وتمامها بأربع .ثانيهما :
أنّها تثبت بشهادة رجلين ذمّيين عدلين ـ في دينهما ـ عند الضرورة وعدم عدول المسلمين ، ولا تقبل شهادة غير أهل الذمّة من الكفّار1 .
1 ـ الوصيّة إن كانت متعلّقة بالولاية ; سواء كانت هي الولاية على المال ، أو القيمومة على الأطفال ، فهي لا تثبت إلاّ بشهادة عدلين من الرجال ، ولا تقبل فيها شهادة النساء ، لا منفردات ولا منضمّـات بالرجال ، كسائر الموارد المشابهة ، إلاّ ما استثني .
وإن كانت متعلّقة بالمال ، فهي كسائر الدعاوي الماليّة تثبت بشهادة رجلين عدلين ، وشاهد ويمين ، وشهادة رجل وامرأتين ، كما مرّ في كتاب القضاء(1) ، لكن تمتاز من بين الدعاوي الماليّة بأمرين ، والأصل فيهما قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}(2) وقد وردت في جملة من الروايات المنقولة في الباب العشرين من أحكام الوصايا من كتاب الوسائل فيها روايات صحيحة دالّة على أنّ المراد من
{آخران من غيركم} هما كافران ، معلّلاً في بعضها بأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد(3) ، ويظهر من التعليل أنّ المورد هي الوصيّة بالمال ، كما أنّه يظهر من آخر
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 189 ـ 199 .
- (2) سورة المائدة : 5 / 106 .
- (3) الكافي : 7 / 4 ح2 وص398 ح2 ، الفقيه : 4 / 142 ح485 ، تهذيب الأحكام : 6 / 252 ح652 وج9/180 ح724 وعنها الوسائل : 19 / 310 و311 ، كتاب الوصايا ب20 ح3 و 5 .