(الصفحة 337)كالحمام والظبي والبقر الوحشي ، أو كان إنسيّاً فتوحّش ، أو استعصى ، كالبقر المستعصي والبعير كذلك ، وكذلك الصائل من البهائم ، كالجاموس الصائل ونحوه . وبالجملة : كلّ ما لا يجيء تحت اليد ولا يُقدر عليه غالباً إلاّ بالعلاج ، فلا تقع التذكية الصيديّة على الحيوان الأهليّ المستأنس ; سواء كان استئناسه أصليّاً ، كالدجاج والشاة والبعير والبقر ، أو عارضيّاً كالظبي والطير المستأنسين ، وكذا ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو ، وفرخ الطير قبل نهوضه للطيران ، فلو رمى طائراً وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما حلّ الطائر دون الفرخ1 .
1 ـ هنا ضابطتان لحلّية الصيد المقتول بالكلب والآلة وعدمها مضافاً إلى الشرائط المتقدّمة ، إحداهما في جانب الإثبات ، والاُخرى في جانب النفي .
أمّا الاُولى : فاللازم أن يكون الحيوان ممتنعاً مستوحشاً ; من دون فرق بين ما إذا كان كذلك بالأصل كالظبي الوحشي والبقر كذلك ، أو كان غير وحشيّ بالأصل فتوحّش أو استعصى ، كالبقر والبعير المستعصيين ، وكذلك الصائل من البهائم كالجاموس الصائل(1) .
وبالجملة : كلّ ما لا يجيء تحت اليد ولو بإعمال القوّة ، ولا يقدر عليه غالباً إلاّ بالعلاج والتوطئة .
وأمّا الثانية : ما إذا كان الحيوان مستأنساً ; سواء كان كذلك بالأصل ، كالحيوانات المذبوحة عادةً ، أو عارضياً ، كما إذا صار الطير أو الظبي مستأنسين ،
- (1) في مجمع البحرين : يقال : صال عليه; إذا استطال ، وصال عليه صولة . وعليه فالمراد : الجاموس المستطيل ونحوه .
(الصفحة 338)مسألة : الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم ، فيحلّ بها أكله ويطهر جلده ، تقع على غير مأكول اللحم القابل للتذكية أيضاً ، فيطهر بها جلده ويجوز الانتفاع به ، هذا إذا كانت بالآلة الجماديّة ، وأمّا الحيوانيّة ففيها تأمّل وإشكال1 .
وفي المتن عطف عليهما ولد الوحش قبل أن يقدر على العدو والامتناع والفرار ، وكذا فرخ الطير قبل النهوض للطيران مستقلاًّ ، وفرّع عليه أنّه لو رمى طائراً وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما معاً حلّ الطائر القادر على الطيران دون الفرخ وإن كان عدم طيرانه لأجل فرخه .
1 ـ الظاهر أنّه كما تقع التذكية الصيديّة على الحيوان المأكول اللحم القابل للتذكية كلاًّ ، فيتحقّق بها حلّية أكل لحمه وطهارة جلده كالتذكية بمثل الذبح ، كذلك تقع على الحيوان غير مأكول اللحم إذا كان قابلاً للتذكية ، وأثرها حينئذ طهارة جلده وجواز الانتفاع به بعد حصول الطهارة بالتذكية ، لكن القدر المسلّم من ذلك ما إذا كانت بالآلة الجماديّة; مثل الذبح المتحقّق بالحديد .
وأمّا الآلة الحيوانيّة فقد تأمّل فيها في المتن واستشكل ، ولعلّ منشأ الإشكال أنّ أكثر الروايات الواردة في التذكية الصيديّة سواء كانت بالكلب أو بالسلاح ناظرة إلى حصول الحلّية للّحم ، ومن الواضح اختصاص ذلك بالحيوان المأكول اللحم ، وأمّا غيره فلم يدلّ عليه دليل معتبر ، ومقتضى القاعدة عدم حصول التذكية له بغير الآلة الجماديّة وإن كان قابلاً للتذكية ، فتدبّر جيّداً .
مضافاً إلى أنّ تعلّق الغرض بخصوص الجلد وجواز الانتفاع به في غاية الندرة ; لأنّ الغرض يتعلّق نوعاً بأكل اللحم .
(الصفحة 339)مسألة : لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان ، فإن كانت الآلة غير محلّلة ـ كالشبكة والحبالة مثلاً ـ يحرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، وكذلك الجزء الآخر إذا زالت عنه الحياة المستقرّة على الأحوط ; بأن تكون حركته حركة المذبوح ، وإن بقيت حياته المستقرّة يحلّ بالتذكية . وإن كانت الآلة محلّلة كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط ، فإن زالت الحياة المستقرّة عن الجزءين بهذا القطع حلاّ معاً ، وإن بقيت الحياة المستقرّة حرم الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، ويكون ميتة ; سواء اتّسع الزمان للتذكية أم لا ، وأمّا الجزء الآخر فحلال مع عدم اتّساع الزمان للتذكية ، ولو اتّسع لها لا يحلّ إلاّ بالذبح1 .
1 ـ لو قطعت الآلة قطعة من الحيوان صغيرة أو كبيرة ففيه صورتان :
الصورة الاُولى : ما إذا كانت الآلة غير محلّلة ، كالشبكة والحبالة ومثلهما ممّا لا يجوز أن يصطاد به ، فإن كان المقطوع بها هو الجزء الذي ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية يحرم بلا إشكال ; لأنّ المفروض كون الآلة غير محلّلة ، وعدم إمكان إيقاع التذكية على الجزء المقطوع ; لأنّه ليس فيه الرأس ومحالّ التذكية ، وأمّا لو فرض كون الجزء المقطوع كذلك; أي مشتملاً على الرأس ومحالّ التذكية ، فإن كان فيها حياة مستقرّة ولم تكن حركته حركة المذبوح ، فبعد وقوع التذكية بها تحلّ بها ، وإذا لم تكن فيها حياة مستقرّة وكانت حركته حركة المذبوح ـ كما سيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في معنى الحياة المستقرّة(1) ـ فقد احتاط في المتن بالحرمة ، ولعلّ منشأ الاحتياط أنّ زوال حياته المستقرّة كان مستنداً إلى الآلة غير المحلّلة ، والمفروض
(الصفحة 340)مسألة : يملك الحيوان الوحشي ـ سواء كان من الطيور أو غيره ـ بأحد اُمور ثلاثة :
أحدها : أخذه حقيقة; بأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه ، أو شدّه بحبل ونحوه ، بشرط أن يكون بقصد الاصطياد والتملّك ، وأمّا مع عدم القصد ففيه إشكال ، كما أنّه مع قصد الخلاف لا يملك .
ثانيها : وقوعه في آلة معتادة للاصطياد بها ، كالحبالة والشرك والشبكة ونحوها إذا نصبها لذلك .
ثالثها : أن يصيّره غير ممتنع بآلة ، كما لو رماه فجرحه جراحة منعته عن العدْو ، أو كسر جناحه فمنعه عن الطيران ; سواء كانت الآلة من الآلات المحلّلة للصيد كالسهم والكلب المعلّم ، أو من غيرها كالحجارة والخشب والفهد والباز والشاهين وغيرها ، ويعتبر في هذا أيضاً أن يكون إعمال الآلة بقصد الاصطياد والتملّك ، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم يملكه ، فلو أخذه شخص .
عدم إمكان وقوع التذكية ; لأنّها غير محالّها .
الصورة الثانية :ما إذا كانت الآلة محلّلة ، كالسيف في الصيد مع اجتماع الشرائط ، وقد فصّل فيه في المتن بأنّ زوال الحياة المستقرّة عن الجزءين إن كان مستنداً إلى هذا القطع يحلّ كلا الجزءين ، وإن بقيت الحياة المستقرّة ، فإن كان الجزء المقطوع غير الرأس ومحالّ التذكية فهو حرام لأنّه ميتة ; من دون فرق بين اتّساع الزمان للتذكية بالإضافة إلى الجزء الآخر الذي يشتمل على محالّ التذكية ، وبين غيره ، وإن كان مشتملاً على الرأس ومحالّ التذكية فحلّيته متوقّفة عليها مع اتّساع الزمان لها ، وبدون الاتّساع يحلّ ; لأنّ مبنى جميع ذلك كون الآلة محلّلة ، وزوال الحياة كان مستنداً إليها ، والتوقّف على التذكية في غير هذه الصورة ، فافهم .
(الصفحة 341)آخر بقصد التملّك ملكه1 .
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان الطرق التي تتحقّق ملكيّة الحيوان الوحشي الممتنع بسبب إحداها وإن لم يعرض لها الموت ، وبعبارة اُخرى : كان الغرض من المسائل السابقة بيان الطريق إلى حلّية أكل لحم الصيد ، أو عروض الطهارة وجواز الانتفاع به ، والغرض بيان طرق الملكيّة وإن لم يزهق روحه أصلاً ، فقال : الطريق أحد اُمور ثلاثة :
أحدها : أخذه حقيقة ، كما في الأمثلة المذكورة في المتن ، بشرط أن يكون بقصد الاصطياد والتملّك ، كما في حيازة سائر المباحات التي تتحقّق ملكيّتها بسبب الحيازة . ومع عدم هذا القصد ، فإن كان قاصداً للخلاف فلا إشكال في عدم حصول الملكيّة ، وإن لم يكن قاصداً للخلاف أيضاً فقد استشكل فيه في المتن ، نظراً إلى ما ذكرنا من اعتبار قصد التملّك في حيازة المباحات ، ولا أقلّ من احتمال اعتباره المقتضي لعدم حصول الملكيّة مع عدمه .
ثانيها : وقوع الحيوان الوحشي الممتنع في آلة معتادة للاصطياد بها ، كالشبكة ونحوها إذا كان الغرض من نصبها ذلك ، كالحيتان الواقعة فيها .
ثالثها : أن يصيّره غير ممتنع بآلة ، كالمثالين المذكورين في المتن ، من دون فرق بين أن تكون الآلة من الآلات المحلّلة ، كالكلب والسهم ، أو من غير الآلات المحلّلة ، كالحجارة والخشب ومثلهما ; لأنّ الغرض ليس بيان ما به يتحقّق حلّية الأكل في صورة زهاق الروح ، بل بيان طريق حصول الملك ، وهذا لا فرق فيه بين الآلتين . نعم ، يعتبر في هذا أيضاً أن يكون الغرض من الآلة حصول الملكية ، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لا تتحقّق الملكيّة وإن صار الحيوان غير ممتنع ، فيمكن أن يأخذه آخر ويقصد تملّكه ، فيصير مالكاً وإن حصلت مقدّمته بسبب فعل هذا