(الصفحة 215)مسألة : لا تنعقد اليمين إلاّ باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس ، ولا تنعقد بالكتابة على الأقوى ، والظاهر أنّه لا يعتبر فيها العربيّة خصوصاً في متعلّقاتها1 .
مسألة : لا تنعقد اليمين إلاّ إذا كان المقسم به هو الله جلّ شأنه ، إمّا بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة ، ويلحق به ما لا يطلق على غيره ، كالرحمان ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره ،
الاُصول من أنّ ما اشتهر من ثبوت حرمة الترك في مورد وجوب شيء وثبوت الوجوب في مورد حرمة شيء ليس بتمام ; لأنّ من خالف التكليف الوجوبي ولم يأت بالواجب لم يخالف إلاّ تكليفاً واحداً ، ومن خالف التكليف التحريمي فكذلك ، إلاّ مع إيجاد المنهيّ عنه مكرّراً ، والثابت في المقام هو وجوب الوفاء باليمين كالنذر ، ويؤيّده عدم تعدّد الكفّارة بوجه .
1 ـ أمّا انعقادها باللفظ أو ما يقوم مقامه كإشارة الأخرس غير القادر على التلفّظ بوجه فمّما لا شبهة فيه ; لأنّه ليس شيء أظهر منه في الدلالة على اليمين . وأمّا عدم الانعقاد بالكتابة فلعدم الدليل عليه ، وليست اليمين كالوصيّة التي يتعارف فيها الكتابة ، وقد عرفت أنّ في بعض الروايات دلالة عليه في الوصيّة(1) ، ومنها ما يدلّ على استحباب أن تكون وصيّة الرجل تحت رأسه عند المنام(2) .
واستظهر في المتن عدم اعتبار العربيّة في متعلّقاتها ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ غير العارف باللغة العربية لا يقدر على ذلك ، كالعارف باللغة الفارسيّة فقط .
(الصفحة 216)كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» «والذي نفسي بيده» «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة» وأشباه ذلك ، أو بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره ، لكنّ الغالب إطلاقها عليه ـ بحيث ينصرف عند الإطلاق إليه تعالى ـ كالربّ والخالق والبارئ والرازق والرحيم ، ولا تنعقد بما لا ينصرف إليه كالموجود والحيّ والسميع والبصير والقادر ، وإن نوى بها الحلف بذاته المقدّسة على إشكال ، فلا يترك الاحتياط1 .
1 ـ الظاهر من النصّ والفتوى هو أنّ الاهتمام باليمين تكليفاً ووضعاً إنّما هو لأجل كون المقسم به هو الله جلّ شأنه ، وأنّه الذي يجعله تأكيداً وتحقيقاً لما التزم وتعهّد به ، وأمّا غيره من الاُمور المقدّسة كالقرآن والكعبة والأنبياء ، وحتّى نبيّنا (صلى الله عليه وآله)والمعصومين من الأئمّة الطاهرين واُمّهم فاطمة الزهراء سلام الله عليها فلا تنعقد اليمين الاصطلاحيّة به وإن كان في موقعه من القداسة وعظمة الشأن ، فضلاً عن أبناء الأئمّة وبناتهم اللذين لا يكونان معصومين أصلاً ; سواء كانوا مع الواسطة أو بدونها .
ويدلّ عليه من الروايات صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : سألته عن امرأة جعلت مالها هدياً لبيت الله إن أعارت متاعها لفلانة ، فأعار بعض أهلها بغير أمرها؟ فقال : ليس عليها هدي ، إنّما الهدي ما جعل الله هدياً للكعبة ، فذلك الذي يوفى به إذا جعل لله ، وما كان من أشباه هذا فليس بشيء ، ولا هدي لا يذكر فيه الله عزّوجلّ . وسُئل عن الرجل يقول : عليَّ ألف بدنة وهو محرم بألف حجّة ؟ قال : ذلك من خطوات الشيطان . وعن الرجل يقول وهو محرم بحجّه ؟ قال : ليس بشيء ، أو يقول : أنا أهدي هذا الطعام؟ قال : ليس بشيء ، إنّ الطعام لا يهدى ، أو يقول لجزور بعدما نحرت : هو يهديها لبيت الله ؟ قال : إنّما تهدى البدن
(الصفحة 217)مسألة : المعتبر في انعقاد اليمين أن يكون الحلف بالله تعالى لا بغيره ، فكلّ ماصدق عرفاً أنّه حلف به تعالى انعقدت اليمين به ، والظاهر صدق ذلك بأن
وهنّ أحياء ، وليس تهدى حين صارت لحماً(1) .
وموثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال : إذا قال الرجل : أقسمت ، أو حلفت فليس بشيء حتّى يقول : أقسمت بالله ، أو حلفت بالله(2) .
ثمّ إنّ القسم بالله تعالى تارةً : بذكر اسمه العلميّ المختصّ به كلفظ الجلالة ، أو ما يلحق به ممّا لا يطلق على غيره كالرحمان مثلاً .
واُخرى : بذكر الأوصاف والأفعال المختصّة به التي لا يشاركه فيها غيره ، كقوله : «ومقلّب القلوب والأبصار» أو «الذي نفسي بيده» أو مثلهما .
وثالثة : بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة التي تطلق عليه تعالى وعلى غيره ، لكنّها تنصرف إليه عند الإطلاق ، كالأمثلة المذكورة في المتن .
نعم ، وقع الإشكال في تحقّق اليمين بذكر الأوصاف والأفعال المشتركة غير المنصرفة إليه عند الإطلاق ، ولكن نوى به الله تعالى ، كالموجود الذي يطلق على الواجب والممكن ، ولكنّه أراد به الواجب ، و«القادر» المشترك بين من له القدرة بالذات ، وبين من له القدرة بالعرض والإعطاء ، وغير ذلك من الأمثلة ، والإشكال ينشأ من أنّها قَسم بغير الله مع فرض عدم الانصراف وإرادة خصوص الله منها ،ولأجله نهى عن ترك الاحتياط فيها .
- (1) الكافي : 7 / 441 ح12 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 39 ح56 و57 ، تهذيب الأحكام : 8/312 ح1160 ، الفقيه : 3 / 231 ح1091 و1092 ، وعنها الوسائل : 23 / 233 ، كتاب الأيمان ب15 ح1 .
- (2) الفقيه : 3 / 234 ح1102 ، تهذيب الأحكام : 8 / 301 ح1119 ، وعنهما الوسائل : 23 / 234 ، كتاب الأيمان ب15 ح3 .
(الصفحة 218)يقول : «وحقّ الله» و«بجلال الله» و«بعظمة الله» و«بكبرياء الله» و«لعمر الله» . وفي انعقادها بقوله : «بقدرة الله» و«بعلم الله» تأمّل وإن لا يخلو من قرب1 .
مسألة : لا يعتبر في انعقادها أن يكون إنشاء القسم بحروفه; بأن يقول : «والله» أو «بالله» أو «تالله لأفعلنّ كذا» بل لو أنشأه بصيغتي القسم والحلف ـ كقوله : «أقسمت بالله» أو «حلفت بالله» ـ انعقدت أيضاً . نعم ، لا يكفي لفظا «أقسمت» و«حلفت» بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته2 .
مسألة : لا تنعقد اليمين بالحلف بالنبيّ (صلى الله عليه وآله)والأئمّة (عليهم السلام) وسائر النفوس
1 ـ الملاك في انعقاد اليمين بالله هو الصدق العرفي وحكم العرف بأنّه حلف بالله تعالى ، من غير فرق بين الأمثلة المذكورة في المتن .
نعم ، فيه في انعقادها بقوله : «بقدرة الله» أو «بعلم الله» تأمّل وإن لا يخلو عن قرب ، ولعلّ وجه التأمّل أنّ القَسم بالقدرة والعلم قسم ببعض الأوصاف ، واللازم القسم بالموصوف ، والوجه في عدم خلوّ الانعقاد عن قرب هو كون صفاته عين ذاته لا زائدة عليه ، وعليه فالقسم بالبعض المذكور كأنّه قسم بالموصوف الذي هي صفاته عين ذاته ، فتدبّر .
2 ـ لا يعتبر في انعقاد اليمين أن يكون إنشاء القسم بحروفه التي هي عبارة عن الواو والباء والتاء ، بل لو أنشأ بصيغتي القسم والحلف كالمثالين المذكورين في المتن انعقدت أيضاً ، كما يدلّ عليه موثّقة السكوني المتقدّمة . نعم ، لا تنعقد بالصيغتين المذكورتين خالية عن لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته ، للموثّقة المذكورة أيضاً ، ولأنّ الصيغتين مطلقتان لا دلالة فيهما على كون القسم أو الحلف بالجلالة مع الاعتبار في الانعقاد ، كما عرفت .
(الصفحة 219)المقدّسة المعظّمة ، ولا بالقرآن الكريم ، ولا بالكعبة المشرّفة وسائر الأمكنة المحترمة1 .
مسألة : لا تنعقد اليمين بالطلاق ونحوه; بأن يقول : «زوجتي طالق إن فعلت كذا» أو «إن لم أفعل» فلا يؤثّر مثل هذه اليمين لا في حصول الطلاق ونحوه بالحنث ، ولا في ترتّب إثم أو كفّارة عليه ، وكذا اليمين بالبراءة من الله تعالى ، أو من رسوله (صلى الله عليه وآله) ، أو من دينه ، أو من الأئمّة (عليهم السلام); بأن يقول مثلاً : «برئت من الله» أو «من دين الإسلام إن فعلت كذا» ، أو «لم أفعل كذا» فلا يؤثّر في ترتّب الإثم أو الكفّارة على حنثه . نعم ، هذا الحلف بنفسه حرام ويأثم حالفه ، من غير فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه ، بل الأحوط تكفير الحالف بإطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ويستغفر الله تعالى شأنه ، وكذا لا تنعقد بأن يقول : «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ» أو «نصرانيّ» مثلاً2 .
1 ـ قد مرّ البحث في هذه الجهة في أوّل كتاب اليمين ، ولا نرى حاجة إلى الإعادة ، فراجع .
2 ـ يدلّ على عدم انعقاد اليمين بالطلاق أو مثله كالعتاق ونحوه ـ مضافاً إلى ما عرفت من الاختصاص بالحلف بالله تعالى شأنه ، وإلى أنّ مثل هذه الاُمور لا يكون مقسماً بها، بل الغرض تحقّقها عند المخالفة كما هو المتداول بين العامّة ، مع أنّه يتوقّف على ألفاظ مخصوصة أو شبهها، وليست اليمين من تلك الأسباب ـ جملة من الروايات:
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : كلّ يمين لا يراد بها