(الصفحة 95)مسألة : لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية والنظر لنفسه ، والأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضاً . نعم ، يعتبر فيه الأمانة والكفاية ، فلا يجوز جعلها ـ خصوصاً في الجهات والمصالح العامّة ـ لمن كان خائناً غير موثوق به ، وكذا من ليس له الكفاية في تولية اُمور الوقف ، ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل حتّى المميّز إن اُريد عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها مباشرة ، وأمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها ما دام قاصراً فالظاهر جوازه ولو كان غير مميّز ، بل لا يبعد الجواز في جعلها لمجنون متوقّع برؤه ، ويقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق1 .
غيره لا يجب أو لا يجوز الوفاء به ، وإن كان قد عرفت منّا أنّه لا فرق بين الشروط في ضمن العقود اللازمة، والشروط في ضمن العقود الجائزة من جهة الوجوب، أو جواز الوفاء به ما دام العقد الجائز باقياً بحاله غير منتف موضوعه ، فراجع .
1 ـ لا إشكال كما في المتن في عدم اشتراط العدالة في الواقف إذا جعل التولية لنفسه(1) وإن احتمله في محكيّ المسالك(2) ، ونقل فيه قولين في محكيّ الكفاية(3)والرياض(4) ، وأمّا لو جعل التولية لغيره فقد قوّى في المتن عدم الاعتبار أيضاً ،
- (1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 229 مسألة 8 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 441 ، الشرح الصغير : 2 / 241 ، جواهر الكلام : 28 / 22 ، مناهج المتّقين : 323 .
- (2) مسالك الأفهام : 5 / 325 .
- (3) كفاية الأحكام: 141.
- (4) رياض المسائل : 9 / 307 .
(الصفحة 96)
لكن المحكيّ عن الكفاية أنّ اعتبارها هو المعروف بين الأصحاب ، وعن الرياض دعوى حكاية الاتّفاق عليه ، وفي الحدائق : لا أعرف خلافاً فيه(1) ، ولكنّ المحكيّ عن التحرير(2) وصاحب الجواهر عدم الاعتبار(3) ، والظاهر أنّه الأقوى ، نظراً إلى أنّه لا دليل على الاعتبار ، وما في وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من اعتبار الرضى بهديه وإسلامه وأمانته(4) لا يستفاد منه أزيد من اعتبار الأمانة ، بل يمكن أن يقال بعدم اجتماع الوقف مع ما فيه من المصالح والمنافع الخاصّة أو العامّة ، مع عدم كون المتولّي موثوقاً به بل كان خائناً . نعم ، لا مانع من اشتراط العدالة في المتولّي في الصيغة عند عدم تماميّتها وجعله متولّياً ، لكنّ البحث في الاعتبار وعدمه .
ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل مطلقاً إن كان المقصود صدور وظيفة التولية منهما مباشرة ; بأن يؤجرا الوقف مثلاً ; لعدم تشخيصهما للصلاح والفساد نوعاً . نعم ، لا بأس بجعل الصبيّ المميّز وكيلاً في إجراء صيغة العقد إن كان عارفاً بها ; لمشروعيّة عبادات الصبيّ كما حقّقناها في محلّها(5) ، وعدم كونه مسلوب العبارة بحيث كانت عبارته كعبارة الحيوان أو الجماد مثلاً ، وإن لم يكن المقصود تصدّي التولية بنفسه ، فلا مانع من جوازها كذلك ; بأن يقوم الوليّ مقامه ما دام كونه قاصراً ، بل نفى في المتن الجواز عن جعلها لمجنون متوقّع برؤه كذلك ; بأن يقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق ، ففي الحقيقة يصدر عمل التولية الذي يتوقّع من المتولّي
- (1) الحدائق الناضرة : 22 / 184 .
- (2) تحرير الأحكام : 3 / 314 .
- (3) جواهر الكلام : 28 / 22 ـ 23 ، وكذا قوّى عدم الاعتبار في المناهل : 509 .
- (4) الكافي : 7 / 49 ح7 ، التهذيب : 9 / 146 ح608 ، وعنهما الوسائل : 19 / 201 قطعة من ح3 .
- (5) القواعد الفقهيّة للمؤلّف أدام الله ظلّه : 1 / 341 ـ 356 .
(الصفحة 97)مسألة : لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ، سواء كان حاضراً في مجلس العقد ، أو غائباً بلغ إليه الخبر ولو بعد وفاة الواقف ، ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم لم يجب القبول على من بعده ، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍّ منصوب ، ولو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل أم لا؟ قولان ، لا يترك الاحتياط بعدم العزل ، ومعه يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه1 .
من الوليّ إلى أن يرتفع القصور عن المتولّي المنصوب ، ولا دليل على عدم جواز ذلك .
1 ـ لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ; لعدم الدليل على الوجوب ، من دون فرق بين أن يكون حاضراً في مجلس العقد أو غائباً عنه ، ومن دون فرق في الفرض الثاني بين بلوغ الخبر إليه حال حياة الواقف أو بلوغه إليه بعد وفاته ، وإن كان ربما يحتمل أو يقال بوجوب قبول الوصيّة في هذه الصورة ، لكن لا دليل عليه في المقام ; لأنّه قياس محض .
ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب; بأن يكون زيد مثلاً متولّياً ما دامت حياته ، وبعد وفاته يكون عمرو كذلك ، وهكذا ، فقبل بعضهم ذلك لا يجب القبول على غيره ، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍّ منصوب يجري عليه حكمه ، ولو قبل التولية من نصبه الواقف فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل ، أو يلزم عليه الإدامة والاستمرار؟ قد نهى في المتن عن ترك الاحتياط بعدم العزل ، ولعلّه لأجل احتمال اللزوم مع قبوله عن إرادة واختيار ، وإذا عزل نفسه يقوم بوظائف المتولّي مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه بهذا العنوان ; لاستصحاب بقاء التولية مع العزل ، غاية الأمر أنّ مقتضى الاحتياط نصب الحاكم له أيضاً .
(الصفحة 98)مسألة : لو جعل التولية لاثنين ، فإن جعل لكلّ منهما مستقلاًّ استقلّ ولا يلزم عليه مراجعة الآخر ، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة انفرد الآخر ، وإن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال ، فحينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى1 .
مسألة : لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي وشغله فهو المتّبع . ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف; من تعمير الوقف ، وإجارته وتحصيل اُجرته وقسمتها على أربابه ، وأداء خراجه ، ونحو ذلك ، كلّ ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح ، وليس لأحد مزاحمته فيه حتّى الموقوف عليهم . ويجوز أن
1 ـ لو جعل التولية لاثنين فله صورتان :
الاُولى : جعل التولية لكلّ منهما مستقلاًّ ، ومعناه الاستقلال في القيام بالوظائف وعدم لزوم الرجوع إلى الآخر ولو للاستشارة ، وفي هذه الصورة لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة لا يقدح ذلك في بقاء تولية الآخر وجواز التصرّف انفراداً .
الثانية: جعل التولية لهما بنحو الاجتماع والاشتراك ، فلا يجوز الانفراد بالتصرّف، وعطف على هذه الصورة صورة الإطلاق التي لا تشهد بالاستقلال قرائن الأحوال لظهور الكلام في ذلك ، وحينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة في هذه الصورة الثانية بكلا فرضيها ليضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر ، وفي المتن على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، والوجه فيه أنّ المستفاد من جعل التولية لشخصين أنّ نظر الواقف إلى عدم الاكتفاء بشخص واحد ولو كان في غاية الوثاقة والأمانة ، فإنّ رعاية المصلحة طبقاً لموافقة شخصين أقرب إلى الواقع ، كما هو غير خفيّ .
(الصفحة 99)يجعل الواقف تولية بعض الاُمور لشخص ، وبعضها لآخر ، فجعل أمر التعمير وتحصيل المنافع مثلاً لأحد ، وأمر حفظها وقسمتها على أربابها لآخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده وحفظه ، وللآخر التصرّفات . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب ، فيجري عليه حكمه الآتي1 .
1 ـ لا إشكال في أنّه لو عيّن الواقف في الصيغة وفي مقام جعل التولية وظيفة المتولّي وشغله ، فاللازم متابعته وعدم جواز التعدّي عنه(1) .
ولو لم يعيّن ، بل أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من الاُمور المذكورة في المتن مع رعاية المصلحة ومراعاة جانب الاحتياط ، وليس لأحد مزاحمته فيه ، حتّى الموقوف عليهم ، بل وحتّى الواقف ، لصيرورته أجنبيّاً بعد تماميّة الوقف كما مرّ(2) .
وكما يجوز جعل التولية لشخصين بأحد النحوين المذكورين في المسألة السابقة ، كذلك يجوز تبعيض التولية ; بأن يجعل تولية بعض الاُمور لشخص ، والبعض الآخر لآخر ، كالمثالين المذكورين في المتن ; لأنّ الأمر بيده ; لقاعدة السلطنة . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات كالحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالإضافة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب ، فيجري عليه حكم الوقف بلا متولٍّ أصلاً ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
- (1) السرائر : 3 / 157 ، إصباح الشيعة : 347 ، مسالك الأفهام : 5 / 324 .
- (2) في ص64 ـ 65 .