(الصفحة 160)مسألة : لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت الوصيّة بكسر مشاع، أو بمال معيّن ، أو بمقدار من المال ، فكما أنّه لو أوصى بالثلث نفذت ، ولو أوصى بالنصف نفذت في الثلث إلاّ إذا أجاز الورثة . كذلك لو أوصى بمال معيّن كبستانه ، أو بمقدار معيّن كألف دينار ، فإنّه ينسب إلى مجموع التركة ، فإن لم تزد على ثلث المجموع نفذت ، وإلاّ تحتاج إلى إذن الورثة1 .
هذا ، وقد ردّ الاُولى بضعف السند بمحمّد بن عبدوس ، وكذا طريق الثانية بعمر بن شدّاد ، والثالثة وإن كانت موثّقة ، إلاّ أنّها أجنبيّة عن محلّ الكلام ; لأنّ المفروض فيها تحقّق الإجازة ولو بأخذ ثلاثة دنانير ، والظاهر أنّه مع قطع النظر عن ذلك تكون الشهرة الفتوائية(1) المحقّقة مطابقة لتلك الروايات الدالّة على احتياج الزائد على الثلث إلى الإجازة ، فلا مجال للأخذ بمثل هذه الروايات .
وكيف كان ، فهذا التفصيل المذكور في المتن يدلّ عليه الأخبار الكثيرة المستفيضة ، بل المتواترة بالتواتر الإجمالي(2) الراجع إلى العلم بصدور بعضها ، وفي بعضها : إن كان أكثر من الثلث ردّ إلى الثلث(3) ، والمراد جواز الردّ إلى الثلث لا الوجوب ، هذا بالإضافة إلى الوصيّة ، وأمّا منجّزات المريض بمرض الموت التبرّعية فقد تقدّم البحث عنها في كتاب الحجر(4) ، فراجع .
1 ـ الدليل على ما ذكر ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه بينهم(5) ، وإلى إطلاقات
- (1) رياض المسائل : 9 / 510 ـ 513 وص519 ـ 520 ، مختلف الشيعة : 6 / 350 مسألة 125 .
- (2) وسائل الشيعة : 19 / 271 ـ 283 ب10 و 11 .
- (3) الكافي : 7 / 16 ح1 ، التهذيب : 9 / 219 ح859 وعنهما الوسائل : 19 / 400 ، كتاب الوصايا ب67 ح4 .
- (4) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجر، القول في المرض.
- (5) رياض المسائل : 9 / 421 ، الحدائق الناضرة : 22 / 435ـ 438 .
(الصفحة 161)مسألة : لو كانت إجازة الورثة لما زاد على الثلث بعد موت الموصي نفذت بلا إشكال ، وإن ردّها قبل موته ، وكذا لو أجازها قبل الموت ولم يردّها بعده . وأمّا لو ردّها بعده، فهل تنفذ الإجازة السابقة ولا أثر للردّ بعدها، أم لا؟ قولان ، أقواهما الأوّل1 .
الأدلّة ، فإنّه لا يكون المقصود منها الوصيّة بعنوان الثلث ، بل المتفاهم منها أنّ للموصي حقّاً بمقدار الثلث ، والباقي محتاج إلى إجازة الوارث لئلاّ يكون محروماً من جميع أموال الموصي ـ صريح بعض الروايات(1) الواردة في هذا المجال الدالّة على عدم الفرق بين الاُمور المذكورة في المتن .
1 ـ للمسألة صور أربع ، لا إشكال في حكم ثلاث منها ; الردّ في زمن الحياة وبعد الممات ، والإجازة في كلتا الحالتين ، والردّ في زمن الحياة ، والإجازة بعده ; لأنّ غاية ما هناك كون تمام المال للوارث ، ومع الإجازة يصرف في الوصيّة ، إنّما الإشكال في حكم صورة واحدة ; وهي صورة إجازة الورثة في حال حياة الموصي والردّ بعد فوته ، كما ربّما يتّفق أحياناً بل كثيراً ، وفيه قولان :
أحدهما : نفوذ الإجازة السابقة وعدم الأثر للردّ بعد الموت .
ثانيهما : بطلان الإجازة بسبب الردّ البعدي ، وقد قوّى في المتن القول الأوّل .
ومرجع القولين إلى نفوذ الإجازة في حال الحياة وعدمه بعد الموت ، والدليل عليه صحيحة محمّد بن مسلم ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) في
- (1) الكافي : 7 / 19 ح15 ، الفقيه : 4 / 157 ح545 ، التهذيب : 9 / 221 ح867 ، وعنها الوسائل : 19/398 ، كتاب الوصايا ب66 ح1 .
(الصفحة 162)مسألة : لو أجاز الوارث بعض الزيادة لا تمامها نفذت بمقدار ما أجاز ، وبطلت في الزائد عليه1 .
رجل أوصى بوصيّة وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة ، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به؟ فقال : ليس لهم ذلك ، والوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته(1) .
وصحيحة منصور بن حازم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل أوصى بوصيّة أكثر من الثلث وورثته شهود ، فأجازوا ذلك له ، قال : جائز(2) ، ومقتضى إطلاق هذه عدم الفرق بين الردّ بعد الموت وعدمه ، كما لا يخفى .
وقد أيّد هذا القول السيّد في العروة(3) باحتمال كون الوارث ذا حقّ في الثلثين ، فيرجع إجازته إلى إسقاطه حقّه ، كما لا يبعد استفادته من الأخبار الدالّة على أن ليس للميّت من ماله إلاّ الثلث(4) . وإن كان قد أورد عليه بأنّ هذا الاحتمال ساقط جزماً ، لأنّ العبرة في الثلث أو الزيادة عليه إنّما هي بحال الموت لا الوصيّة .
1 ـ إذا كانت إجازة الوارث بالإضافة إلى بعض الزيادة على الثلث لا تمامها فالظاهر النفوذ بمقدار الإجازة ، كما هو ظاهر .
- (1) الكافي : 7 / 12 ح1 ، الفقيه : 4 / 147 ح512 ، التهذيب : 9 / 193 ح775ـ 777 ، الاستبصار : 4/122 ح464ـ 466 ، وعنها الوسائل : 19 / 284 ، كتاب الوصايا ب13 ح1 .
- (2) التهذيب : 9 / 193 ح778 ، الاستبصار : 4 / 123 ح467 ، وعنهما الوسائل : 19 / 284 كتاب الوصايا ب13 ح2 .
- (3) العروة الوثقى : 2 / 766 ، كتاب الوصيّة مسألة 3905 .
- (4) وسائل الشيعة : 19 / 273 ، كتاب الوصايا ب10 ح6 وص275 و278 ب11 ح1 و12 .
(الصفحة 163)مسألة : لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد ، وبطلت في حقّ غيره ، فإذا كان للموصي ابن وبنت وأوصى لزيد بنصف ماله قسمت التركة ثمانية عشر ، ونفذت في ثلثها ; وهو ستّة ، وفي الزائد وهو ثلاثة احتاج إلى إمضاء الابن والبنت ، فإن أمضى الابن دون البنت نفذت في اثنين وبطلت في واحد ، وإن أمضت البنت نفذت في واحد وبطلت في اثنين1 .
مسألة : لو أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال كمائة دينار يلاحظ في كونه بمقدار الثلث أو أقلّ أو أزيد بالنسبة إلى أمواله حين الفوت ، لا
1 ـ حقّ الإجازة لا يكون حقّاً واحداً غير قابل للتجزئة ، بل المتفاهم العرفي من دليل توقّف الزائد على الثلث على الإجازة أنّ لكلّ وارث حقّاً بالإضافة إلى سهم الإرث ، وعليه لو أجاز بعض الورثة دون بعضهم نفذت في حقّ المجيز في الزائد بالنسبة إليه وبطلت في حقّ غيره ، وعليه ففي المثال المذكور في المتن يظهر المقدار النافذ عن المقدار الباطل .
غاية الأمر أنّه ينبغي التنبيه على أمر ; وهو أنّ الوجه في تقسيم التركة ثمانية عشر هو أنّه هنا ثلث متعلّق بالموصي ، والتركة تقسّم أثلاثاً ; لوجود الابن والبنت ، والوصيّة إنّما تعلّقت بالنصف الذي مخرجه اثنان ، فضرب اثنين في ثلث وثلث الّذَين مخرجهما الثلاث يبلغ ثمانية عشر ، فإن أمضى الابن دون البنت يكون إمضاؤه نافذاً في اثنين دون الواحد ، وإن أمضت البنت فقط تصير بالعكس ، فتدبّر .
(الصفحة 164)حين الوصيّة ، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة ، نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك وبطلت في الزائد ، وهذا ممّا لا إشكال فيه . وإنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع ; كما إذا قال : «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال ، وأنّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، والظاهر نظراً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ، وهو ما كان له عند الوفاة . نعم ، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها1 .
1 ـ للمسألة صورتان :
إحداهما : ما إذا أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال ، كمائة دينار ، وقد نفى الإشكال فيها عن أنّ الملحوظ فيها هو الثلث حال الوفاة ، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة ـ كالمؤونة والسرقة مثلاً ـ بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ، والزائد يفتقر إلى إجازة الوارث .
ثانيتهما : ما إذا أوصى بكسر مشاع ، كما في المثال المذكور في المتن ، وقد استشكل فيه أوّلاً ، وأنّ الوصيّة هل تشمل الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، ويضاف إليها ما إذا كانت الزيادة كثيرة جدّاً ، بحيث لو كانت هذه الزيادة موجودة حال الوصيّة لكان من المستبعد الوصيّة بهذا الكسر ، وقد استظهر استناداً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال