(الصفحة 164)حين الوصيّة ، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة ، نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ممّا ترك وبطلت في الزائد ، وهذا ممّا لا إشكال فيه . وإنّما الإشكال فيما إذا أوصى بكسر مشاع ; كما إذا قال : «ثلث مالي لزيد بعد وفاتي» ثمّ تجدّد له بعد الوصيّة أموال ، وأنّه هل تشمل الوصيّة الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، والظاهر نظراً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ، وهو ما كان له عند الوفاة . نعم ، لو كانت قرينة تدلّ على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة اقتصر عليها1 .
1 ـ للمسألة صورتان :
إحداهما : ما إذا أوصى بعين معيّنة أو مقدار كلّي من المال ، كمائة دينار ، وقد نفى الإشكال فيها عن أنّ الملحوظ فيها هو الثلث حال الوفاة ، فلو أوصى بعين كانت بمقدار نصف أمواله حين الوصيّة ، وصارت لجهة ـ كالمؤونة والسرقة مثلاً ـ بمقدار الثلث ممّا ترك حين الوفاة نفذت في الكلّ ، ولو انعكس نفذت في مقدار الثلث ، والزائد يفتقر إلى إجازة الوارث .
ثانيتهما : ما إذا أوصى بكسر مشاع ، كما في المثال المذكور في المتن ، وقد استشكل فيه أوّلاً ، وأنّ الوصيّة هل تشمل الزيادات المتجدّدة بعدها أم لا؟ سيّما إذا لم تكن متوقّعة الحصول ، ويضاف إليها ما إذا كانت الزيادة كثيرة جدّاً ، بحيث لو كانت هذه الزيادة موجودة حال الوصيّة لكان من المستبعد الوصيّة بهذا الكسر ، وقد استظهر استناداً إلى شاهد الحال أنّ المراد بالمال
(الصفحة 165)
هو الذي لو لم يوص بالثلث كان جميعه للورثة ; وهو ما كان له عند الوفاة ، واستدرك ما لو كانت هناك قرينة دالّة على أنّ مراده الأموال الموجودة حال الوصيّة ، وأنّه يقتصر في ملاحظة الثلث تلك الأموال لا جميع ما كانت له عند الوفاة .
قلت : ويؤيّد الاستظهار المذكور أنّ الفرق بين الصورتين بكون الملحوظ في الاُولى حال الفوت ، واحتمال كون الملحوظ في الثانية حال الوصيّة ممّا لا يكاد يستقيم ، خصوصاً مع جريان احتمال الزيادة والنقيصة في كلتا الصورتين ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ سيّد العروة بعد أن اختار أنّ المدار على حال حصول التركة وقبض الوارث لها إن لم تكن بيدهم في الحصّة المشاعة ، وفرّع عليه أنّه لو أوصى بحصّة مشاعة بالربع أو الثلث وكان ماله بمقدار ثمّ نقص كان النقص مشتركاً بين الوارث والموصي ، ولو زاد كانت الزيادة لهما مطلقاً وإن كانت كثيرة جدّاً .
قال في مسألة اُخرى ما هذا لفظه : ربما يحتمل فيما لو أوصى بعين معيّنة أو بكلّي كمائة دينار مثلاً أنّه إذا اُتلف من التركة بعد موت الموصي يردّ النقص عليهما أيضاً بالنسبة ، كما في الحصّة المشاعة وإن كان الثلث وافياً ، وذلك بدعوى أنّ الوصيّة بها ترجع إلى الوصيّة بقدار ما يساوي قيمتها ، فيرجع إلى الوصيّة بحصّة مشاعة ، والأقوى عدم ورود النقص عليهما ما دام الثلث وافياً ، ورجوعهما إلى الحصّة المشاعة في الثلث أو في التركة لا وجه له ، خصوصاً في الوصيّة
(الصفحة 166)مسألة : الإجازة من الوارث إمضاء وتنفيذ ،فلا يكفي فيها مجرّدالرضا وطيب النفس من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء1 .
بالعين المعيّنة(1) .
قلت : قد استدلّ على أنّ المدار حال حصول قبض الوارث للتركة ـ بأنّ الوصيّة إنّما تكون على نحو الإشاعة في المالية ، فيكون ثلث الميّت مشاعاً بين تمام المال ، وإذا ورد نقص عليه كان النقص على الجميع ، من دون فرق بين ثلث الميّت وثلثي الورثة ، ولا مجال لمقايسته مع الدين الذي لابدّ من إخراجه على كلّ تقدير ; لأنّه من قبيل الكلّي في المعيّن ، والوصية من قبيل الإشاعة في جميع المال ، من دون فرق في ذلك بين النقص الوارد على العين أو الماليّة ، وعلى أنّ النقص لا يرد على العين المعيّنة ، أو مقدار كلّي كمائة دينار في خصوص صورة وفاء الثلث بهما ـ بإطلاقات أدلّة نفوذ الوصيّة الشاملة للمقام باعتبار أنّ الموصى به حين موت الموصي ليس زائداً على ثلثه ، فلا موجب لورود النقص عليه .
1 ـ قد يراد بكون الإجازة من الوارث إمضاءً وتنفيذاً هو احتياجها إلى الإنشاء ، كالإجازة في عقد الفضولي ، وفي هذه الصورة تكون في مقابل مجرّد الرضا وطيب النفس ، من دون قول أو فعل يدلاّن على الإمضاء ، وهذا هو المراد من المتن .
وقد يراد بذلك ما ذكره السيّد في العروة ، حيث قال : والإجازة من الوارث تنفيذلعمل الموصي، وليست ابتداءً عطيّةً من الوارث، فلا ينتقل الزائدإلى الموصى له
- (1) العروة الوثقى : 2 / 776 كتاب الوصيّة ح3915 و3916 .
(الصفحة 167)
من الوارث; بأن ينتقل إليه بموت الموصي أوّلاً ، ثمّ ينتقل إلى الموصى له ، بل ولا بتقدير ملكه ، بل ينتقل إليه من الموصي من الأوّل(1) .
هذا ، والظاهر صحّة كلا الأمرين ، أمّا الأمر الأوّل : فلما عرفت ، وأمّا الأمر الثاني : فلظهور بعض الروايات ، كصحيحة أحمد بن محمد قال : كتب أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن (عليه السلام) : أنّ درّة بنت مقاتل توفّيت وتركت ضيعة أشقاصاً في مواضع ، وأوصت لسيّدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث ، ونحن أوصياؤها وأحببنا إنهاء ذلك إلى سيّدنا ، فإن أمرنا بإمضاء الوصيّة على وجهها أمضيناها ، وإن أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به إن شاء الله . قال: فكتب (عليه السلام)بخطّه : ليس يجب لها في تركتها إلاّ الثلث ، وإن تفضّلتم وكنتم الورثة كان جائزاً لكم إن شاء الله(2) .
فإنّ التعبير بالتفضّل والتعليق على صورة كونهم وارثين يدلّ على عدم كون مرجع الإجازة إلى الهبة والعطيّة ، ضرورة أنّ جوازها غير مقيّد بشيء ، فتدبّر .
وصحيحة عليّ بن الحسن قال : مات محمّد بن عبدالله بن زرارة وأوصى إلى أخي أحمد بن الحسن ، وخلّف داراً ، وكان أوصى في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، فباعها ، فاعترض فيها ابن اُخت له وابن عمّ له ، فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشيء بحضرتي إلى أيّوب بن
- (1) العروة الوثقى : 2 / 775 ، كتاب الوصيّة مسألة 3913 .
- (2) الكافي : 7 / 10 ح2 ، الفقيه : 4 / 137 ح480 ، التهذيب : 9 / 192 ح772 ، وعنها الوسائل : 19/275 ، كتاب الوصايا ب11 ح1 .
(الصفحة 168)مسألة : لا تعتبر في الإجازة الفوريّة1 .
مسألة : يحسب من التركة ما يملك بالموت كالدية ، وكذا ما يملك بعد الموت إذا أوجد الميّت سببه قبل موته ، مثل ما يقع في الشبكة التي نصبها الميّت في زمان حياته ، فيخرج منه دين الميّت ووصاياه . نعم ، بعض صورها محلّ تأمّل2 .
نوح ، فأخبره أنّه جميع ما خلّف ، وابن عمّ له وابن اُخته عرض وأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، فكتب (عليه السلام) : قد وصل ذلك ، وترحّم على الميّت ، وقرأت الجواب(1) ، ودلالتها كالسابقة .
وتظهر ثمرة الخلاف فيما لو مات الوارث أو الموصى له بعد الإجازة وقبل القبض ، فعلى القول بكون الإجازة عطيّة ينتقل المال إلى ورثة الوارث المجيز ; لأنّ الهبة لا تصحّ إلاّ بالقبض وهو غير متحقّق ، فيكون المال باقياً على ملك الواهب ، وبموته ينتقل إلى ورثته ، وعلى القول الآخر يملك الموصى له للزائد من حينها ، كما لايخفى .
1 ـ لأنّه لا دليل على لزوم فوريّة الإجازة ، خصوصاً مع أنّ الإجازة ربما تلحق بعد الموت .
2 ـ لا إشكال في أنّ المصداق الظاهر من التركة ما ملكه الشخص في حال حياته وبقي على ملكه إلى حين الفوت ، وأمّا ما ملكه بالموت كالدية ـ فمضافاً إلى أنّ اعتبار الملكية أوّلاً إنّما هو بالإضافة إلى الميّت ; لكونه عوض دمه ، ومنه ينتقل إلى الوارث ويلاحظ الوصيّة بالنسبة إليه أيضاً ـ يدلّ على ذلك مثل موثّقة السكوني ،