(الصفحة 220)
وجه الله ـ عزّوجلّ ـ فليس بشيء في طلاق أو عتق (أو غيره خ ل)(1) . وقد نقلها في الوسائل في باب واحد مرّتين ، بل مرّات ظاهرها التعدّد وعدم الوحدة على خلاف ما قلناه مراراً .
ومنها : مرسلة صفوان الجمّال ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ المنصور قال له : رفع إليّ أنّ مولاك المعلّى بن خنيس يدعو إليك ويجمع لك الأموال ، فقال : والله ما كان ، فقال : لا أرضى منك إلاّ بالطلاق والعتاق والهدي والمشي ، فقال : أبالأنداد من دون الله تأمرني أن أحلف؟! إنّه من لم يرض بالله فليس من الله في شيء ، الحديث(2) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال .
والظاهر منها أنّ اليمين بهذه الاُمور لا يؤثّر في تحقّق الحنث ولا في ترتّب الكفّارة عليه ، بل ولا في ثبوت الإثم على المخالفة ، وقد عطف على اليمين بهذه الاُمور اليمين بالبراءة من الله تعالى ، وكذا سائر الاُمور المقدّسة المحترمة المذكورة في المتن ، وفرّع عليه أنّه لايؤثّر في ترتّب الإثم على حنثه والكفّارة عليه ، واستدرك ترتّب الإثم على مجرّد الحلف بها مطلقاً ، من دون فرق بين الصدق والكذب ، والحنث وعدمه .
ويدلّ على عدم انعقاد اليمين بالبراءة ـ مضافاً إلى ما ذكرنا من اعتبار أن تكون اليمين بالجلالة بلفظها أو ما هو بمنزلته ، وعلى حرمة نفس مثل هذا الحلف ـ جملة من الروايات أيضاً .
منها : رواية يونس بن ظبيان قال : قال لي : يا يونس لا تحلف بالبراءة منّا ، فإنّه
- (1) الكافي : 7 / 441 ح12 ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : 33 ح35 ، تهذيب الأحكام : 8/312 ح1160 ، الاستبصار : 4 / 47 ح160 ، وعنها الوسائل : 23 / 230 ، كتاب الأيمان ب14 ح2 .
- (2) الكافي : 6 / 445 ح3 ، وعنه الوسائل : 23 / 230 كتاب الأيمان ب14 ح3 .
(الصفحة 221)مسألة : لو علّق اليمين على مشيئة الله تعالى; بأن قال : «والله لأفعلنّ كذا إن شاء الله» ـ وكان المقصود التعليق على مشيئته تعالى ، لا مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ـ لا تنعقد حتّى فيما كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، بخلاف ما إذا علّق على مشيئة غيره; بأن قال : «والله لأفعلنّ كذا إن شاء زيد» مثلاً ، فإنّه تنعقد على تقدير مشيئته ، فإن قال زيد : «أنا شئت أن تفعل كذا» انعقدت ويتحقّق الحنث بتركه ، وإن قال : «لم أشأ» لم تنعقد ، ولو لم يعلم أنّه شاء أو لا ، لا يترتّب عليه أثر وحنث . وكذا الحال لو علّق على شيء آخر غير المشيئة ، فإنّه تنعقد على تقدير حصول المعلّق عليه ، فيحنث لو لم يأت
من حلف بالبراءة منّا صادقاً كان أو كاذباً فقد برئ منّا(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من برئ من الله صادقاً كان أو كاذباً فقد برئ من الله(2) . وقد ذكرنا مراراً حجّية مثل هذه المرسلة .
ويدلّ على ثبوت الكفّارة ولزوم الاستغفار مكاتبة محمّد بن الحسن إلى أبي محمّد (عليه السلام) : رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله فحنث ، ما توبته وكفّارته؟ فوقّع (عليه السلام) : يطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، ويستغفر الله عزّوجلّ(3) .
وهكذا لا تنعقد اليمين بمثل ما إذا قال : «إن فعلت كذا» أو «إن لم أفعل كذا فأنا يهوديّ» أو «نصرانيّ» مثلاً ، لما ذكرنا .
- (1) الكافي : 7 / 438 ح2 ، الفقيه : 3 / 236 ح1114 ، تهذيب الأحكام : 8 / 284 ح1042 ، وعنها الوسائل : 23/ 213 ، كتاب الأيمان ب7 ح2 .
- (2) الفقيه : 3 / 236 ح1115 ، وعنه الوسائل : 23 / 213 ، كتاب الأيمان ب7 ح4 .
- (3) الكافي : 7 / 461 ح7 ، الفقيه : 3 / 237 ح1127 ، وعنهما الوسائل : 23 / 213 ، كتاب الأيمان ب7 ح3 .
(الصفحة 222)بالمحلوف عليه على ذلك التقدير1 .
مسألة : يعتبر في الحالف البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، والقصد ،
1 ـ لو علّق اليمين على مشيئة غيره أو أمر من الاُمور ، فتارةً : يكون ذلك الغير هو الله تعالى ، واُخرى : يكون هو شخصاً آخر ، وثالثة : يكون شيئاً آخر غير المشيئة ، ففي الصورة الاُولى ، إن كان المراد من التعليق على مشيئة الله تعالى هو مجرّد التبرّك بهذه الكلمة ; لأنّه غالباً أو دائماً يكون في كلامه هذا التعليق لأجل هذا المقصود ، فالظاهر أنّ وجود التعليق كالعدم ; لأنّ الغرض المقصود مجرّد التبرّك فقط ، وإن كان المقصود الواقعي التعليق الذي مرجعه إلى توقّف حصول المعلّق على المعلّق عليه ، فحيث إنّ المعلّق عليه هو مشيئته تعالى وهو غير معلوم ، فالظاهر عدم انعقاد اليمين ولو كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، فإنّهما مرادان له تعالى بالإرادة التشريعيّة لا المشيئة التكوينيّة .
وفي الصورة الثانية التي يكون التعليق فيها على مشيئة الغير ، فحيث إنّه يمكن الاطّلاع عليها وعلى عدمها ، ففيها فروض ثلاثة :
أحدها : صورة العلم بتحقّق مشيئة الغير لتحقّق المحلوف عليه ، ففي هذا الفرض تنعقد اليمين مع العلم المذكور ; لحصول المعلّق عليه .
ثانيها : صورة العلم بعدم تعلّق مشيئة الغير بالتحقّق المذكور ، وفي هذا الفرض لا تنعقد اليمين ; للعلم بعدم حصول المعلّق عليه .
ثالثها : صورة الشكّ في تعلّق مشيئة الغير وعدمه ، وفي هذا الفرض لا تنعقد اليمين ; للشكّ في حصول ما علّق عليه من مشيئة الغير ، وفي الصورة الثالثة التي يكون التعليق فيها على شيء آخر يكون الحكم كالصورة الثانية من دون فرق .
(الصفحة 223)وانتفاء الحجر في متعلّقه ، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون مطبقاً أو أدواراً حال دوره ، ولا المكره ، ولا السكران ، بل ولا الغضبان في شدّة الغضب السالب للقصد ، ولا المحجور عليه فيما حجر عليه1 .
مسألة : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد ، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج ، إلاّ أن يكون المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، وكان المنع متوجّهاً إليه ، وأمّا إذا كان متوجّهاً إلى الحلف فلا يبعد عدم انعقاده . ولو حلفا في غير ذلك كان للأب أو الزوج حلّ اليمين وارتفع أثرها ، فلا حنث ولا كفّارة عليه ، وهل يُشترط إذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما; حتّى أنّه لو لم يطّلعا على حلفهما أو لم يحلاّ مع علمهما لم تنعقد أصلاً ، أو لا بل كان منعهما مانعاً عن انعقادهما وحلّهما رافعاً لاستمرارها، فتصحّ وتنعقد في الصورتين المزبورتين؟ قولان : أوّلهما لا يخلو من رجحان ، فحينئذ لا يبعد عدم الانعقاد بدون إذنهما; حتّى في فعل واجب أو ترك حرام ، لكن لا يترك الاحتياط خصوصاً فيهما2 .
1 ـ اعتبار الاُمور المذكورة في الحالف وعدم الانعقاد مع فقدان أمر من تلك الاُمور فممّـا لا شبهة فيه ولا شكّ يعتريه(1) ، ولا حاجة إلى البحث عن وجهه بعد وضوحه ، خصوصاً مع تقدّم نظيره في باب الوصيّة(2) ومثله .
2 ـ أمّا عدم انعقاد يمين الولد مع منع الوالد ، وكذا يمين الزوجة مع منع الزوج في الجملة ، فيدلّ عليه جملة من الروايات التي من جملتها :
- (1) اُنظر رياض المسائل : 11 / 457 ـ 458 وجواهر الكلام : 35 / 254 .
- (2) في ص144 ـ 149 .
(الصفحة 224)
صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا نذر في معصية ، ولا يمين في قطيعة ، وقد رواه المشايخ الثلاثة . غاية الأمر أنّ الشيخ رواه بإسناده عن محمّد بن يعقوب الكليني ، ورواه الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم ، عن أبي جعفر (عليه السلام)(1) .
ومنها : غير ذلك من الروايات ، وعمدة المقصود من الولد فيها هو الولد الكبير ، وإلاّ فالولد الصغير لا إشكال في ثبوت ولاية الأب عليه ، فأصل الحكم لا إشكال فيه أصلاً .
وقد استثنى في المتن عن ذلك ما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، وفصّل فيه بين ما إذا كان المنع متوجّهاً إليه ـ أي إلى المحلوف عليه ـ وكان غرض المانع عدم تحقّقه ، وحينئذ لا ارتباط ليمين الولد والمرأة بالوالد والزوج ; لأنّ عدم تحقّق المحلوف عليه خلاف غرض الشارع . وأمّا إذا كان المنع متوجِّهاً إلى نفس الحلف، فقد نفى البُعد عن الانعقاد بحيث يترتّب عليه الإثم من هذه الجهة والكفّارة ، ولا ملازمة بين المنع عن الحلف ، والمنع عن المحلوف عليه بوجه ، وإطلاق الروايات يشمله .
وأمّا في غير ما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام ، فللوالد والزوج
- (1) الكافي : 5 / 443 ح5 وج7 / 440 ح6 ، نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : 26 ح17 ، الأمالي للصدوق : 461 ح614 ، الفقيه : 3 / 227 ح1070 ، الأمالي للطوسي : 423 ح946 ، تهذيب الأحكام : 8 / 285 ح1050 ، وعنها الوسائل : 23 / 217 ، كتاب الأيمان ب10 ح2 وب11 ح1 ، وفي البحار : 96 / 262 ح4 وج104 / 217 ح8 عن أمالي الصدوق والطوسي ، وفي ج104 أيضاً ص232 ح78 عن نوادر ابن عيسى ، وفي ج78 / 267 ح18 عن تحف العقول : 381 .