(الصفحة 241)مسألة : قد عرفت أنّ النذر إمّا معلّق على أمر أو لا . والأوّل على قسمين : نذر شكر ، ونذر زجر ، فليعلم أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل الله تعالى ، ولابدّ في الجميع من أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه حتّى يقع المنذور مجازاة له . فإن كان من فعل الناذر ، فلابدّ أن يكون طاعةً لله تعالى; من فعل واجب أو مندوب ، أو ترك حرام أو مكروه ، فيلتزم بالمنذور شكراً لله تعالى حيث وفّقه عليها ، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب ، أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد . وإن كان من فعل غيره، فلابدّ أن يكون فيه منفعة دينيّة أو دنيويّة للناذر صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً ، ولا ينعقد في عكسه ، مثل أن يقول : «إن شاع بين الناس المنكرات فلله عليّ كذا» .
وإن كان من فعل الله تعالى لزم أن يكون أمراً يسوغ تمنّيه ، ويحسن طلبه منه تعالى ، كشفاء مريض ، أو هلاك عدوّ ديني ، أو أمن في البلاد ونحوها ، فلا ينعقد في عكسه ، كما إذا قال : «إن أهلك الله هذا المؤمن الصالح» أو قال : «إن وقع القحط في البلاد فكذا» . وأمّا نذر الزجر ، فلابدّ وأن يكون الشرط والمعلّق عليه ـ فعلاً أو تركاًـ اختياريّاً للناذر ، وكان صالحاً لأن يُزجر عنه حتّى يقع النذر
وكذا الصوم في السفر إلاّ في بعض الموارد النادرة واجباً كان; كالصيام بدل الهدي في الحجّ ثلاثة أيّام لمن لا يقدر عليه ، قال الله تعالى :
{ثَلاَثَةِ أَيَّام فِى الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ}(1) ، أم مستحبّاً; كصيام ثلاثة أيّام في المدينة مع شرائط خاصّة ، والمذكور هناك بيان الوجه في الصحّة فراجع .
- (1) سورة البقرة : 2 /196 .
(الصفحة 242)زاجراً عنه ، كفعل حرام أو مكروه ، أو ترك واجب أو مندوب1 .
1 ـ الغرض من هذه المسألة بعد بيان أنّ النذر المعلّق على قسمين : نذر شكر ، ونذر زجر ـ بيان أنّ المعلّق عليه في نذر الشكر إمّا من فعل الناذر ، أو من فعل غيره ، أو من فعل الله تعالى ، ولابدّ في الجميع أن يكون أمراً صالحاً لأن يشكر عليه ، وكان غرض الناذر هو الشكر بعنوان الجزاء له بإتيان المنذور أو تحقّقه . فإن كان من فعل الناذر ، فلابدّ أن يكون طاعةً لله تعالى من فعل واجب أو مستحبّ ، أو ترك حرام أو مكروه ، أو مباحاً مع القصد المذكور في المسألة السابقة ، فيلتزم بالمنذور شكراً له تعالى ، حيث وفّقه على المعلّق عليه ، فلو علّقه شكراً على ترك واجب أو مندوب ، أو فعل حرام أو مكروه لم ينعقد .
وإن كان من فعل غيره من الناس ، كاعطائه الدراهم مثلاً ، فلابدّ أن تكون فيه منفعة دينيّة أو محلّلة دنيوية للناذر ، صالحة للشكر عليها شرعاً أو عرفاً ، ولا ينعقد في عكسه كالمثال المذكور في المتن . ومن هذا القبيل النذر المعلّق على أن يصير ولده مثلاً صالحاً مواظباً على تكاليفه من الصلاة والصيام ونحوهما ، أو يصير ذا رتبة عالية في مراتب تحصيلاته الحوزويّة أو الجامعية ، أو يصير دكتوراً ونحوه ، فإنّ جميع ذلك صالح لأن يشكر عليه وإن لم يكن تحت اختياره ، فتدبّر .
وإن كان من فعل الله تعالى فلابدّ من أن يكون أمراً مناسباً للطلب منه والشكر عليه ، كالأمثلة المذكورة فيه ، ولا ينعقد في عكسه ممّا لا يسوغ تمنّيه ولا يحسن الطلب منه ، كإهلاك العبد الصالح ومثله .
وإن كان نذر الزجر فيعتبر فيه أمران :
أحدهما : أن يكون الشرط والمعلّق عليه فعلاً أو تركاً اختياريّاً للناذر ،
ثانيهما : أن يكون صالحاً لأن يزجر عنه حتّى يقع النذر أجراً عليه ، فلا ينعقد فيما علّق على
(الصفحة 243)مسألة : إن كان الشرط فعلاً اختياريّاً للناذر ، فالنذر المعلّق عليه قابل لأن يكون نذر شكر ، وأن يكون نذر زجر ، والمائز هو القصد ، مثلاً لو قال : «إن شربت الخمر فلله عليّ كذا» . وكان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب ، وإنّما أوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً عنه ، فهو نذر زجر ، فينعقد ، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها ، وقد جعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيّؤ أسبابه له ، كان نذر شكر ، فلا ينعقد1 .
مسألة : لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجزء . وكذا لو نذرها في مكان فيه رجحان ، فلا يجزئ في غيره وإن كان أفضل . ولو نذرها في مكان ليس فيه رجحان ، ففي انعقاده وتعيّنه وجهان ، بل قولان : أقواهما الانعقاد . نعم ، لو نذر إيقاع بعض فرائضه أو بعض
ترك التصدّق إلى الفقراء زجراً عنه ، كما أنّه لا ينعقد على فعل حرام أو مكروه ، أو ترك واجب أو مندوب ، كما هو ظاهر .
1 ـ الغرض من هذه المسألة ـ بعدما تقدّم من أنّ النذر على قسمين : نذر شكر ونذر زجر ـ بيان المائز بين القسمين ، وأنّه ليس إلاّ القصد ، ففي مثال واحد يمكن أن يكون نذر شكر ، ويمكن أن يكون نذر زجر ، أو مختلفاً بحسب الحالتين ، فينعقد في إحداهما دون الاُخرى ، أو في أحد الشخصين دون الآخر ، لكن تخصيص موضوع المسألة بما إذا كان الشرط فعلاً للناذر إنّما هو لأجل ما ذكرنا في المسألة السابقة من اعتبار أمرين في نذر زجر :
أحدهما : كون الشرط أمراً اختياريّاً للناذر ،
والثاني : أن يكون قصده الزجر عنه ، لكنّ التخصيص بالفعل وجهه غير ظاهر ; لجريانه في الترك أيضاً .
(الصفحة 244)نوافله الراتبة ـ كصلاة الليل أو صوم شهر رمضان مثلاًـ في مكان أو بلد لا رجحان فيه بحيث لم يتعلّق النذر بأصل الصلاة والصيام ، بل بإيقاعهما في المكان الخاصّ ، فالظاهر عدم انعقاده ، هذا إذا لم يطرأ عليه عنوان راجح ، مثل كونه أفرغ للعبادة ، أو أبعد عن الرياء ونحو ذلك ، وإلاّ فلا إشكال في الانعقاد1 .
1 ـ لو نذر الصلاة أو الصوم أو الصدقة في زمان معيّن تعيّن ، فلو أتى بها في غيره لم يجزء ، وظاهره عدم الفرق بين الأزمنة التي تكره بعض هذه العبادات فيها ، كالنافلة بعد فريضة الصبح إلى طلوع الشمس ، وصوم يوم عاشوراء ، وغيرها ; لما تقرّر في محلّه من أنّ معنى كراهة العبادة في بعض الأزمنة أقلّية الثواب ، لا مرجوحيّة الفعل بالإضافة إلى الترك المطلق ، وبين غيرها .
وأمّا المكان فقد فصّل فيه بين ما إذا كان المكان فيه رجحان ، فلا يجزئ في غيره وإن كان أفضل; كالصلاة في مسجد المحلّة ، حيث إنّ الصلاة في مسجد السوق أو المسجد الجامع أفضل ، والوجه فيه ثبوت الرجحان في المكان المنذور بالإضافة إلى الترك فيه ، وبين ما إذا لم يكن فيه رجحان كالبراري مثلاً ، وذكر أنّ في انعقاده وتعيّنه وجهين ، بل قولين : أقواهما الانعقاد ، والوجه فيه أنّ النذر إنّما تعلّق بأصل إيجاد العبادات المذكورة في مكان خاصّ ، وعدم الرجحان في ذلك المكان لا يوجب أن يكون المنذور خارجاً عن الطاعة وعن عنوان العبادية .
نعم ، لو تعلّق النذر بخصوصيّة الإيقاع في ذلك المكان الذي لا رجحان فيه ، كما إذا كان المنذور بعض الفرائض أو النوافل التي يأتي بها على القاعدة ولو في غير ذلك المكان ، فالظاهر حينئذ عدم الانعقاد إلاّ مع طروّ عنوان راجح على ذلك المكان وإن لم يكن في نفسه راجحاً ، كما في المثالين المذكورين في المتن ، فلا إشكال حينئذ في الانعقاد .
(الصفحة 245)مسألة : لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم ، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّية فلا يبعد إجزاء ركعة الوتر ، إلاّ أن يكون قصده غير الرواتب ، فلا يجزئ إلاّ الإتيان بركعتين ، ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الاسم ، ولو نذر أن يأتي بفعل قربيّ يكفي كلّ ما هو كذلك ولو بتسبيحة واحدة ، أو الصلاة على النبيّ وآله صلوات الله عليهم ، أو التصدّق بشيء إلى غير ذلك1 .
مسألة : لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً ، فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن ، وإلاّ تخيّر بينهما ، وكذا لو نذر صيام سنة ، فإنّ الظاهر مع الإطلاق كفاية إثني عشر شهراً ولو متفرّقاً ، بل وكذا لو نذر صيام شهر يكفي ـ ظاهراًـ صيام ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً ، كما يكفي صوم ما بين الهلالين من شهر ولو ناقصاً ،
1 ـ لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم واحد، لتحقّق الطبيعة غير المقيّدة بالوحدة والتعدّد به ، كما في سائر الطبائع المأمور بها ، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّية فقد نفى البُعد عن إجزاء ركعة واحدة بعنوان الوتر ، وإن كان قصده غير الرواتب فلابدّ من الإتيان بركعتين ; لعدم فرد للطبيعة غيرهما في صورة عدم إرادة الوتر .
ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى أقلّ ما يتناوله الإسم ولو بشقّ تمرة ، أو كفّ من حنطة أو مثلهما .
ولو نذر أن يأتي بفعل قربيّ كفى كلّ ما هو كذلك ولو كان في غاية القلّة ، كتسبيحة واحدة; أي قول «سبحان الله» فقط ، أو الصلاة على النبيّ والآل ولو مرّة ، أو الصدقة ولو كانت قليلة ، كما لا يخفى .