(الصفحة 28)
وظاهر الصحيحة الاُولى من الصحيحتين المتقدّمتين في المسألة السابقة عدم اعتبار الدوام لو أبقينا الوقف فيها على ظاهره المقابل للحبس ، بل ظاهر الصحيحة الثانية أيضاً كذلك ، كما أنّ قوله (عليه السلام) في الجواب فيها : «الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها» دالّ على ذلك .
ودعوى أنّ انقطاع الآخر مستلزم لعود الملكيّة إلى الواقف أو وارثه وهو مخالف للأصل مع الشكّ ، مدفوعة بمنع استلزام الوقف للخروج عن الملك ، بل هو لازم التأبيد ، وفي غيره لا دليل على الخروج ، وعنوان الوقف معناه الركود وحبس العين لا الخروج عن الملكيّة ، مع أنّ الخروج عن الملك في مدّة خاصّة لا مانع منه ، كما في باب الإجارة المستلزمة لخروج ملك المنفعة في مدّة معلومة وعوده إلى المالك بعدها ، فالعمدة ما ذكرنا من دعوى الإجماع على اعتبار الدوام في الوقف ، وقد عرفت أنّه غيرمعلوم، خصوصاً مع عدم التعرّض للشرط المذكور في كلام بعض(1)، والمناقشة فيه في كلام بعض آخر(2) ، أو الاستشكال فيه كما في كلام بعض ثالث(3) .
ثمّ إنّه حكي عن مختلف العلاّمة (قدس سره) الاستدلال على الصحّة وقفاً بأنّ الوقف نوع تمليك وصدقة ، فيتبع اختيار المالك في التخصيص وغيره ، وبأنّ تمليك الأخير ليس شرطاً في تمليك الأوّل ، وإلاّ لزم تقدّم المعلول على العلّة ، وبالخبر الوارد في وصيّة فاطمة (عليها السلام)(4) ، حيث جعلت أمر صدقاتها إلى أولادها ، مع احتمال
- (1) كالمفيد في المقنعة : 652 ـ 656 .
- (2) مسالك الأفهام : 5 / 354 ـ 355 .
- (3) مفاتيح الشرائع : 3 / 207 .
- (4) الكافي : 7 / 48 ح5 ، الفقيه : 4 / 180 ح632 ، التهذيب : 9 / 144 ح603 ، وعنها الوسائل : 19 /198 ، كتاب الوقوف والصدقات ب10 ح1 .
(الصفحة 29)مسألة : الظاهر أنّ الوقف المؤبّد يوجب زوال ملك الواقف ، وأمّا الوقف المنقطع الآخر فكونه كذلك محلّ تأمّل ، بخلاف الحبس ، فإنّه باق معه على ملك الحابس ويورّث ، ويجوز له التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المُحبَس عليه المنفعة إلاّ التصرّفات الناقلة ، فإنّها لا تجوز ، بل الظاهر عدم جواز رهنه أيضاً ، لكن بقاء الملك على ملك الحابس في بعض الصور محلّ منع1 .
الانقراض(1) ، والكلّ قابل للنقاش كما لا يخفى .
كما أنّه ربما يستدلّ على البطلان بأنّ الوقف مقتضاه التأبيد ، فإذا كان منقطعاً صار وقفاً على مجهول ، فلا يصحّ ، كما لو وقف على مجهول في الابتداء(2) . وظهر جوابه ممّا تقدّم .
وانقدح من جميع ما ذكرنا صحّته وقفاً وإن كان منقطع الآخر ، ولازم ما ذكر الرجوع إلى الواقف أو ورثته بعد الانقراض كما في المتن ، كما أنّه ممّا ذكرنا ظهر الوجه في قوله فيه : «بل خروجه عن ملكه في بعض الصور محلّ منع» فتدبّر جيّداً .
1 ـ الظاهر أنّ استلزام الوقف المؤبّد لزوال ملك الواقف ليس لأجل الوقف ، بل لأجل التأبيد المأخوذ فيه ، فإنّ الأبديّة لا تجتمع مع بقاء الملكيّة ; لعدم ترتّب أثر من آثار الملكيّة على العين الموقوفة ، ومنه يظهر أنّ الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته بعنوان الوقفيّة لا يكون موجباً لزوال الملك أصلاً . وأمّا الحبس فالملك فيه باق على ملك الحابس ، ويجوز له مطلق التصرّفات غير المنافية لاستيفاء المحبس
- (1، 2) مختلف الشيعة : 6 / 264 ـ 266 مسألة 37 .
(الصفحة 30)مسألة : لو انقرض الموقوف عليه ورجع إلى ورثة الواقف ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت أو حين الانقراض؟ قولان : أظهرهما الأوّل ، وتظهر الثمرة فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ثمّ انقرض ، فعلى الثاني يرجع إلى الولد الباقي ، وعلى الأوّل يشاركه ابن أخيه1 .
عليه المنفعة . وأمّا التصرّفات الناقلة فإنّها غير جائزة ، ضرورة استلزامها لجواز المنقول إليه استيفاء المنفعة ، وهو لا يجتمع مع الحبس الموجب للجواز .
ويمكن أن يقال بأنّ الحبس لا يزيد على الإجارة ، فإذا آجر المالك ملكه خمسين سنة تصحّ الإجارة ويجوز للمؤجر التصرّفات الناقلة ، خصوصاً مع علم المنقول إليه بذلك ، فالجمع بين التصرّف الناقل للعين ، وبين عدم جواز استيفاء المنقول إليه من المنفعة ممكن . نعم ، قد عرفت أنّ في المؤبّد يوجب الخروج عن الملكيّة وإن لم يكن الوقف بنفسه مستلزماً لذلك ، وسيأتي في مسائل الحبس إن شاء الله تعالى أنّه لو حبسه على سبيل من سبل الخير ومحالّ العبادات ، مثل الكعبة المعظّمة والمساجد والمشاهد المشرّفة ، فإن كان مطلقاً أو صرّح بالدوام فلا رجوع بعد قبضه ولا يعود إلى المالك أو وارثه(1) ، فالبقاء على ملك الحابس مطلقاً ممنوع ، فانتظر .
1 ـ لو فرض انقراض الموقوف عليه في الوقف المنقطع الآخر والرجوع إلى ورثة الواقف مع عدمه ، فهل يرجع إلى ورثته حين الموت ، أو حين الانقراض؟ في المسألة قولان ، استظهر في المتن الأوّل ، ولعلّ الوجه فيه عدم استلزام الوقف
- (1) في ص113 ـ 114 مسألة 1 .
(الصفحة 31)مسألة : من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيّاً على الدوام ، لكن كان على من يصحّ الوقف عليه في أوّله دون آخره ، كما إذا وقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على الكنائس والبيع مثلاً ، فيصحّ بالنسبة إلى من يصحّ الوقف عليه ، دون غيره1 .
للخروج عن الملك إلاّ في الوقف المؤبّد ، وفي المقام لم يخرج عن ملك الواقف ، غاية الأمر أنّه لابدّ أن يكون تحت اختيار الموقوف لاستفادة المنفعة ، فإذا فرض انقراضهم فلا محالة ترجع إلى الوارث حال الموت ، كما إذا آجر العين ثمّ مات المؤجر في أثناء مدّة الإجارة ، فإنّ العين المستأجرة ترجع إلى الوارث حال الموت لا انقضاء مدّة الإجارة .
وتظهر الثمرة كما في المتن فيما لو وقف على من ينقرض كزيد وأولاده ، ثمّ مات الواقف عن ولدين ، ومات بعده أحد الولدين عن ولد قبل الانقراض ، ثمّ انقرض ، فعلى ما استظهره في المتن يشارك الولد ابن أخيه ، بخلاف القول الآخر ، فإنّه يرجع عليه إلى الولد الباقي ، كما لا يخفى .
1 ـ ليس الوقف المنقطع الآخر الذي قلنا بصحّته منحصراً بما إذا انقرض الموقوف عليه ، بل من مصاديقه ما إذا كان الموقوف عليه في الطبقة الاُولى ممّن يصحّ الوقف عليه ، وفي الطبقة الثانية ممّن لا يصحّ الوقف عليه ، فإنّ عدم الصحّة بمنزلة الانقراض ، كالمثال المذكور في المتن من الوقف على زيد وأولاده ، وبعد انقراضهم على البيع والكنائس ، فإنّه كما سيأتي إن شاء الله تعالى لا يصحّ الوقف على مثلهما ، وعدم الصحّة بمنزلة الانقراض الذي يلازم كون الوقف منقطع الآخر ، فتدبّر .
(الصفحة 32)مسألة : الوقف المنقطع الأوّل إن كان بجعل الواقف ، كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي فالأحوط بطلانه ، فإذا جاء رأس الشهر المزبور فالأحوط تجديد الصيغة ، ولا يترك هذا الاحتياط . وإن كان بحكم الشرع; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ، فالظاهر صحّته بالنسبة إلى من يصحّ . وكذا في المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه ، بخلافه في الأوّل والآخر ، فيصحّ على الظاهر في الطرفين ، والأحوط تجديده عند انقراض الأوّل في الأوّل ، والوسط في الثاني1 .
1 ـ قد فصّل في المتن في الوقف المنقطع الأوّل بين ما كان الانقطاع مستنداً إلى جعل الواقف ، كما إذا وقفه قبل مجيء الشهر الكذائي بأنّه إذا جاء رأس ذلك الشهر فهو وقف ، وبين ما كان الانقطاع مستنداً بحكم الشرع ; بأن وقف أوّلاً على ما لا يصحّ الوقف عليه ، ثمّ على غيره ممّن يصحّ ، فاحتاط البطلان في الفرض الأوّل ، كما أنّه احتاط ونهى عن ترك هذا الاحتياط بالإضافة إلى تجديد الصيغة ، واستظهر الصحّة بالنسبة إلى خصوص من يصحّ في الفرض الثاني .
والوجه في التفصيل أنّه ربما لا يكاد أن يجتمع الوقف مع العلم باستناد الانقطاع إلى جعله ، كما في مثال الشهر المزبور ، فالأحوط عند إرادة الوقف تجديد الصيغة عند مجيء رأس الشهر المزبور ، وهذا بخلاف ما إذا كان بحكم الشرع ، فإنّ عدم الصحّة بالإضافة إلى الطبقة الاُولى التي لا يصحّ الوقف عليها شرعاً لا ينافي قصد الوقفيّة ، والتبعيض في مفاده ـ مضافاً إلى أنّه لا دليل على الارتباط والاتّصال ـ غير عزيز وإن احتاط استحباباً في الذيل بتجديده عند انقراض الأوّل .
وهكذا الحال بالنسبة إلى الوقف المنقطع الوسط ، كما إذا كان الموقوف عليه في