(الصفحة 289)
الشهرين أو تمامهما أو اختلافهما ، وقد جعله صاحب الجواهر هو الأشبه(1) ، والوجه فيه أنّ عنوان الشهر الثاني باق بحاله ، غاية الأمر أنّه فات منه مقدار ما نقص من الشهر الأوّل ، فيجب تتميمه .
وذكر صاحب الجواهر أنّ الثمرة بين الأقوال تظهر فيما لو صام من آخر رجب يوماً وهو ناقص ، ثمّ أتبعه بشعبان وهو كذلك ، فيقضي تسعة وعشرين من شوّال على الأوّل ، وناقصاً منه بواحد على الثاني ، وينتفى التتابع على الثالث في محلّ الفرض ; لكون الذي صامه ثلاثين وهو نصف ما عليه ، وفي غيره ـ بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان ـ صحّ التتابع إن صام بعد العدد يوماً ، لكن إطلاق ما يظهر من صحيحة منصور بن حازم المتقدّمة عن الصادق (عليه السلام)(2) من صحّة التتابع فيمن صام شعبان في الظهار إذا كان قد زاد يوماً يتمّ على مختار المصنّف; يعني صاحب الشرائع ، أمّا على انكسارهما وإتمامهما ثلاثين ثلاثين فلا يتمّ إلاّ في صورة تمام الشهرين ، أمّا إذا كانا ناقصين أو أحدهما فلا يتمّ ; لعدم حصول الزيادة(3) .
قلت : والظاهر هو ما في المتن ، والصحيحة محمولة على الغالب من تماميّة الشهر نوعاً . ولكن مع ذلك يكون مقتضى الاحتياط الاستحبابي صيام ستّين يوماً ; للعلم بتحقّق شهرين شرعيّين معه كما لايخفى .
ولو وقع التفريق بين الأيّام بتخلّل ما لا يضرّ بالتتابع شرعاً ، كما عرفت موارده فيما تقدّم من المسألة الثامنة ، ففي المتن يتعيّن ذلك ويجب الستّين (الستّون ظ) ،
- (1) جواهر الكلام : 32 / 249 وج33 / 280 .
- (2) الكافي : 4 / 139 ح5 ، الفقيه : 2 / 97 ح437 ، تهذيب الأحكام : 4/283 ح857 ، وعنها الوسائل : 10 / 375 ، كتاب الصيام ، أبواب بقيّة الصوم الواجب ب4 ح1 .
- (3) جواهر الكلام : 33 / 280 .
(الصفحة 290)مسألة : يتخيّر في الإطعام الواجب في الكفّارات بين إشباع المساكين والتسليم إليهم ، ويجوز إشباع بعض والتسليم إلى آخر ، ولا يتقدّر الإشباع بمقدار ، بل المدار أن يأكلوا بمقدار شبعهم قلَّ أو كثر . وأمّا في التسليم فلابدّ من مدّ لا أقلّ ، والأفضل بل الأحوط مدّان ، ولابدّ في كلّ من النحوين كمال العدد من ستّين أو عشرة ، فلا يجزئ إشباع ثلاثين أو خمسة مرّتين ، أو تسليم كلّ واحد منهم مدّين ، ولا يجب الاجتماع لا في التسليم ولا في الإشباع ، فلو أطعم ستّين مسكيناً في أوقات متفرّقة من بلاد مختلفة ـ ولو كان هذا في سنة وذاك في سنة اُخرى ـ لأجزأ وكفى1 .
ويمكن الالتزام فيه بهذا القول أيضاً ، فإنّها لو كانت حائضة في الثلاثة الاُولى من الشهر يجب عليها التتميم بهذا المقدار من الشهر الثالث .
1 ـ إذا أراد إطعام المساكين الستّين، أو العشرة كما في كفّارة اليمين ـ على ما عرفت(1) ـ فهو مخيّر بين إشباع الكلّ ، أو التسليم إليهم ، أو التبعيض ، ولا شبهة في أنّه لا يكفي أقلّ من مدّ في التسليم ، بل في جملة من الروايات مدّ :
كصحيحة محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : قال الله ـ عزّوجلّ ـ لنبيّه (صلى الله عليه وآله) :
{يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ . . .* قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}(2) فجعلها يميناً ، وكفّرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، قلت : بما كفّر؟ قال : أطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ ، قلنا : فمن وجد الكسوة؟ قال : ثوب يواري به
- (1) في ص230 ـ 231 و 273.
- (2) سورة التحريم : 66 / 1 ـ2 .
(الصفحة 291)مسألة : الواجب في الإشباع إشباع كلّ واحد من العدد مرّة ، وإن كان
عورته(1) . وفي بعض الروايات مدّان(2) ، لكنّها محمولة على الاستحباب ، كما أنّه مقتضى الاحتياط الاستحبابي .
والعمدة كما في المتن أنّه لابدّ من إكمال العدد من ستّين أو عشرة ، فلا يجزئ إشباع ثلاثين ، أو التسليم إليهم مرّتين ، وكذلك إشباع خمسة أو التسليم إليهم هكذا وإن كان في بعض الروايات الجواز في صورة عدم وجدان العدد ، كموثّقة السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : إن لم يجد في الكفّارة إلاّ الرجل والرجلين فيكرّر عليهم حتّى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غداً(3) .
ثمّ إنّه لا يجب الاجتماع ولا يعتبر، لا في صورة اختيار التسليم ولا في فرض اختيار الإشباع ، فلو أطعم ستّين مسكيناً ولو في غير زمان واحد ، بل في أوقات متفرّقة ولو لم تكن من سنة واحدة ، بل في سنتين أو أزيد ، لكن لا بمقدار يعدّ أمرين مختلفين لأجزأ وكفى ; لعدم الدليل على اعتبار الاجتماع ولا زمان واحد ، كما هو غير خفيّ .
- (1) الكافي : 7 / 452 ح4 ، تهذيب الأحكام : 8/295 ح1093 ، الاستبصار : 4 / 51 ح176 ، نوادر ابن عيسى : 59 ح115 ، وعنها الوسائل : 22 / 380 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح1 ، وفي البحار : 104 / 242 ح145 ومستدرك الوسائل : 15 / 417 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الإيلاء ب11 ح18685 عن نوادر ابن عيسى .
- (2) تهذيب الأحكام : 8/23 ح75 ، وعنه الوسائل : 22 / 382 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح6 .
- (3) الكافي : 7 / 453 ح10 ، تهذيب الأحكام : 8/298 ح1102 ، الاستبصار : 4 / 53 ح184 ، وعنها الوسائل : 22 / 386 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب16 ح1 .
(الصفحة 292)الأفضل إشباعه في يومه وليله غداةً وعشاءً1 .
مسألة : يجزئ في الإشباع كلّ ما يتعارف التغذّي والتقوّت به لغالب الناس; من المطبوخ وما يصنع من أنواع الأطعمة ، ومن الخبز من أيّ جنس كان ممّا يتعارف تخبيزه; من حنطة أو شعير أو ذرّة أو دخن وغيرها ، وإن كان بلا إدام . نعم ، الأحوط في كفّارة اليمين ـ وما كانت كفّارته كفّارتها ـ عدم كون الإطعام بل والتسليم أدون ممّا يطعمون أهليهم ، وإن كان الاجزاء بما ذكر فيها أيضاً لا يخلو من قوّة . والأفضل أن يكون مع الإدام ، وهو كلّ ما جرت العادة على أكله مع الخبز جامداً أو مائعاً وإن كان خلاًّ أو ملحاً أو بصلاً ، وكلّ ما كان أفضل كان أفضل . وفي التسليم بذل ما يسمّى طعاماً من نيّ ومطبوخ; من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما والأُرز وغير ذلك ، والأحوط الحنطة أو دقيقها ، ويجزئ التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً2 .
1 ـ لا ينبغي الإشكال في أنّ الإطعام المأمور به بعنوان الكفّارة يتحقّق بالإشباع ولو مرّة واحدة ، لكن الأفضل الإشباع في يومه وليلته غداةً وعشاءً ، وفي رواية ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : في كفّارة اليمين يعطى كلّ مسكين مدّاً على قدر ما يقوت إنساناً من أهلك في كلّ يوم، الخ(1) .
2 ـ قد ورد في الآية الشريفة الواردة في كفّارة اليمين قوله تعالى :
{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}(2) . وفي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله
- (1) تفسير العيّاشي : 1 / 337 ح171 ، وعنه الوسائل : 22 / 382 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح8 وبحار الأنوار : 104 / 225 ح46 .
- (2) سورة المائدة : 5 / 89 .
(الصفحة 293)مسألة : التسليم إلى المسكين تمليك له ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء ، ولا يتعيّن عليه صرفه في الأكل1 .
عزّوجلّ :
{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}قال : هو كما يكون أن يكون في البيت من يأكل المدّ ، ومنهم من يأكل أكثر من المدّ ، ومنهم من يأكل أقلّ من المدّ ، فبين ذلك ، وإن شئت جعلت لهم أُدماً والأُدم أدناه الملح ، وأوسطه الخلّ والزيت ، وأرفعه اللحم(1) .
والرواية دالّة على أنّ الآية الشريفة كما تكون ناظرة إلى كيفيّة الطعام ، كذلك تكون ناظرة إلى الكمّية وأنّ الأوسط هو مدّ واحد ، ويدلّ على هذا المضمون طائفة من الروايات(2) .
ثمّ إنّ كلمة «الإطعام» دالّة على طعام مطبوخ وإن كان الطعام مستعملاً بنفسه في الحنطة أو مع الشعير غير المطبوخين ، وإن كان الظاهر أنّه لا إشكال في إجزاء التمر والزبيب تسليماً وإشباعاً وإن كانا غير مطبوخين ، فيظهر من جميع ذلك أنّ الملاك هو ما يتحقّق به الإشباع وإن كان خبزاً من دون إدام أو تمراً أو زبيباً ، كما هو ظاهر ، ويكفي في الإدام مجرّد الملح أو ما هو مثله .
1 ـ قد عرفت في المسألة الحادية عشر أنّه يتخيّر في الإطعام الواجب بعنوان الكفّارة بين الإشباع وبين التسليم ، فاعلم أنّ التسليم إلى المسكين ليس مجرّد إباحة التصرّف الموجبة لجريان أحكام الإباحة عليها ولو فرض لزومها ، بل هو في
- (1) الكافي : 7 / 453 ح7 ، تهذيب الأحكام : 8 / 297 ح1098 ، الاستبصار : 4 / 53 ح183 ، وعنها الوسائل : 22 / 381 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 ح3 .
- (2) وسائل الشيعة : 22 / 380 ، كتاب الإيلاء والكفّارات ، أبواب الكفّارات ب14 .