(الصفحة 323)الرابع: أن يكون موت الحيوان مستنداً إلى جرحه وعقره ، فلو كان بسبب آخر ـ كصدمه ، أو خنقه ، أو إتعابه ، أو ذهاب مرارته من الخوف أو إلقائه من شاهق أو غير ذلك ـ لم يحلّ1 .الخامس:
عدم إدراك صاحب الكلب الصيد حيّاً مع تمكّنه من تذكيته ; بأن أدركه ميّتاً ، أو أدركه حيّاً لكن لم يسع الزمان لذبحه . وبالجملة : إذا أرسل كلبه إلى الصيد ، فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غير ممتنع ، فوجده ميّتاً كان ذكياً وحلّ أكله ، وكذا إن وجده حيّاً ولم يتّسع الزمان لذبحه ، فتركه حتّى
وكذلك ورد في مورد النسيان رواية زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن يسمّي فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمّي ، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي أن يسمّي(1) .
وقد احتاط وجوباً أن تكون التسمية عند الإرسال لا متأخّرة عنه ولو قبل الإصابة ، لاقتضاء الأصل ذلك ، مضافاً إلى إشعار الروايات به(2) .
1 ـ يعتبر أن يكون موت الصيد مستنداً إلى جرح الكلب المعلّم وعضّه وعقره ، فلو كان بسبب آخر كصدمه ، أو خنقه ، أو تعبه ، أو ذهاب مرارته ـ ويعبّر عنها بالفارسية بـ «زهره» ـ من الخوف ، أو إلقائه من شاهق أو نحو ذلك ، لا يحلّ مقتوله; للتعبير بالقتل بالإضافة إلى الكلب ، وقتله لا يتحقّق بالاُمور المذكورة ، فلا يترتّب عليها الحلّية .
- (1) الكافي : 6 / 206 ح18 ، تهذيب الأحكام : 9 / 25 ح102 ، الفقيه : 3 / 202 ح915 ، وعنها الوسائل : 23/357 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب12 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة : 23 / 357 ـ 358 ب12 .
(الصفحة 324)مات . وأمّا إن اتّسع لذبحه لا يحلّ إلاّ بالذبح ، فلو تركه حتّى مات كان ميتة . وأدنى ما يدرك ذكاته أن يجده تطرف عينيه ، أو تركض رجله ، أو يحرّك ذنبه أو يده ، فإن وجده كذلك واتّسع الزمان لذبحه لم يحلّ أكله إلاّ بالذبح . وكذلك الحال لو وجده بعد عقر الكلب عليه ممتنعاً ، فجعل يعدو خلفه فوقف ، فإن بقي من حياته زماناً يتّسع لذبحه لم يحلّ إلاّ به ، وإن لم يتّسع حلّ بدونه ، ويلحق بعدم اتّساعة ما إذا وسع ولكن كان ترك التذكية لا بتقصير منه ; كما إذا اشتغل بأخذ الآلة وسلّ السكّين مع المسارعة العرفيّة ، وكون الآلات على النحو المتعارف ، فلو كان السكّين في غمد ضيّق غير متعارف فلم يدرك الذكاة لأجل سلّه منه لم يحلّ . وكذا لو كان لأجل لصوقه به بدم ونحوه . ومن عدم التقصير ما إذا امتنع الصيد من التمكين بما فيه من بقيّة قوّة ونحو ذلك ، فمات قبل أن يمكنه الذبح .نعم ، لا يلحق به فقد الآلة على الأحوط لو لم يكن أقوى ، فلو وجده حيّاً واتّسع الزمان لذبحه إلاّ أنّه لم يكن عنده السكّين ، فلم يذبحه لذلك حتّى مات لم يحلّ أكله1 .
1 ـ قد وردت في هذا المجال وبعض خصوصيّاته روايات :
منها : صحيحة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا يكون معه سكّين فيذكّيه بها ، أفيدعه حتّى يقتله ويأكل منه؟ قال : لابأس ، قال الله عزّوجلّ :
{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}(1)الحديث(2) ، ورواه في الوسائل في الباب الواحد مرّتين ظاهره التعدّد ، ولكن ذكرنا
- (1) سورة المائدة: 5 / 4.
- (2) الكافي : 6 / 204 ح8 ، التهذيب : 9 / 23 ح93 ، وعنهما الوسائل : 23 / 347 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب8 ح1 .
(الصفحة 325)
مراراً الاتّحاد وعدم التعدّد مع كون الراوي عن الإمام (عليه السلام) واحداً .
ومنها : مرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته ولم يكن معك حديدة تذبحه بها ، فدع الكلب يقتله ، ثمّ كُلْ منه(1) .
ومنها : رواية ليث المرادي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصقورة والبزاة وعن صيدهما؟ فقال : كل ما لم يقتل إذا أدركت ذكاته ، وآخر الذكاة إذا كانت العين تطرف ، والرجل تركض ، والذنب يتحرّك ، وقال : ليست الصقورة والبزاة في القرآن(2) .
والمستفاد من جميع الروايات المرتبطة بهذه المسألة اُمور :
الأوّل : أنّه إذا أدرك الصائد الصيد قبل أن يقتله الكلب وأمكن له تذكيته من جهة وجود آلتها وعدم امتناع الصيد والزمان الكافي لها يجب عليه التذكية ، وكان ذلك أمراً مفروغاً عنه بين الرواة ، ولذا لم يسألوا عن أصله ، بل عن جهات اُخرى .
الثاني : أنّه إذا لم يكن معه آلة التذكية بوجه ، أو كانت موجودة معه ، ولكنّ الزمان لا يتّسع لاخذ الآلة وسلّ السكّين مثلاً مع وجود المسارعة العرفيّة يجوز له أن يرفع اليد عنه حتّى يقتله الكلب ، ثمّ يأكل منه ، ويلحق بذلك ما إذا لم يمكن التذكية لامتناع الحيوان منها .
الثالث : أنّ الملاك في إدراكه حيّاً ـ الذي عبّر عنه في الرواية بآخر الذكاة ـ تطرف العين ، وتركض الرجل ، وتحرّك الذنب ، وأمّا ما في المتن من أنّه لو لم تقع التذكية لفقد الآلة فإنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى الحرمة ، فهو خلاف مرسلة
- (1) الفقيه : 3 / 205 ح934 ، وعنه الوسائل : 23 / 348 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب8 ح3 .
- (2) الكافي : 6 / 208 ح10 ، تهذيب الأحكام : 9 / 33 ح131 ، الاستبصار 4 : 73 ح267 ، وعنها الوسائل : 23 / 350 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب9 ح4 .
(الصفحة 326)مسألة : هل يجب على من أرسل الكلب المسارعة والمبادرة إلى الصيد من حين الإرسال ، أو من حين ما رآه قد أصاب الصيد وإن كان بعد امتناعه ، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع ، أو لا تجب أصلاً؟ الظاهر وجوبها من حين الإيقاف ، فإذا أشعر به يجب عليه المسارعة العرفيّة حتّى أنّه لو أدركه حيّاً ذبحه ، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله . وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم وجوبها وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه . هذا إذا احتمل ترتّب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد; بأن احتمل أنّه يدركه حيّاً ويقدر على ذبحه من جهة اتّساع الزمان ووجود الآلة ، وأمّا مع عدم احتماله ولو من جهة عدم ما يذبح به فلا إشكال في عدم وجوبها ، فلو خلاّه حينئذ على حاله إلى أن قتله الكلب وأزهق روحه بعقره حلّ أكله .
نعم ، لو توقّف إحراز كون موته بسبب جرح الكلب لا بسبب آخر على التسارع إليه وتعرّف حاله لزم لأجل ذلك1 .
الصدوق المعتبرة الدالّة على أنّه إذا لم يكن معك حديدة تذبح بها فدع الكلب يقتله ، ثمّ كُلْ منه ، اللّهمَّ إلاّ أن يقال بثبوت الشهرة على خلافها ، وهو غير معلوم .
1 ـ هل يجب على من أرسل الكلب للصيد المسارعة والمبادرة العرفيّة إلى الصيد بمجرّد الإرسال ، أو من حين ما رأى الكلب قد أصاب الصيد وإن كان بعد امتناعه وكونه في مقام الفرار والتخلّص ، أو من حين ما أوقفه وصار غير ممتنع ، أو لا تجب أصلاً؟ فيه وجوه واحتمالات ، واستظهر في المتن الوجوب من حين الإيقاف ، فإذا أشعر به تجب عليه المسارعة العرفيّة حتّى أنّه لو أدركه حيّاً ذبحه ، فلو لم يتسارع ثمّ وجده ميّتاً لم يحلّ أكله ، وأمّا قبل ذلك فالظاهر عدم جوبها وإن
(الصفحة 327)مسألة : لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب ، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدة فقتلت صيداً حلّ أكله . نعم ، يعتبر في المتعدّد صائداً وآلة أن يكون الجميع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً ، فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر ، أو لم يسمّ
كان الاحتياط لا ينبغي تركه .
ولعلّ الوجه في عدم الوجوب قبل الإيقاف احتمال عدم رؤية الكلب الصيد ، أو عدم إيقافه بعد الوصول إليه ، خصوصاً مع كونهما مطابقين للأصل ، ويساعده الاعتبار ، فإنّ الإنسان لا يتمكّن عادةً من سرعة حركة الحيوان ، خصوصاً مع كونها إلى جهات مختلفة ، كما هو مقتضى طبع الإيصال إلى الصيد الممتنع بالأصالة .
وأمّا منشأ الوجوب من حين الإيقاف في صورة احتمال ترتّب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد ، وإدراكه حيّاً والقدرة على ذبحه واتّساع الزمان ، فلأنّه يصدق عليه أنّه أدركه حيّاً ، وقد مرّ أنّ الواجب في هذه الصورة هي التذكية والذبح بالمعنى الأعمّ .
وأمّا في صورة عدم ترتّب أثر على المسارعة والاُمور المذكورة ، ففي المتن أنّه لا إشكال في عدم وجوبها حينئذ ، فلو خلاّه على حاله إلى أن قتله الكلب فقتله يحلّ له أكله . نعم ، لابدّ من إحراز كون زهاق روحه بسبب عقر الكلب وعضّه ، لا بسبب شيء من الأسباب المذكورة آنفاً ، كالسقوط من شاهق ونحوه ، وعليه فاللازم التسارع لإحراز ذلك ، وإلاّ فمقتضى القاعدة العدم ، ولعلّ هذا ينافي ما تقدّم منه في المسألة السابقة من أنّ مقتضى الاحتياط ، بل الأقوى أنّه لو كان المنشأ لعدم التذكية فقد الآلة فلا يحلّ الصيد ، فتدبّر جيّداً . لكنّا ذكرنا أنّ مقتضى الرواية المعتبرة الحلّية في هذه الصورة أيضاً ، فراجع .