(الصفحة 327)مسألة : لا يعتبر في حلّية الصيد وحدة المرسل ولا وحدة الكلب ، فلو أرسل جماعة كلباً واحداً أو أرسل واحد أو جماعة كلاباً متعدّدة فقتلت صيداً حلّ أكله . نعم ، يعتبر في المتعدّد صائداً وآلة أن يكون الجميع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً ، فلو كان المرسل اثنين أحدهما كافر ، أو لم يسمّ
كان الاحتياط لا ينبغي تركه .
ولعلّ الوجه في عدم الوجوب قبل الإيقاف احتمال عدم رؤية الكلب الصيد ، أو عدم إيقافه بعد الوصول إليه ، خصوصاً مع كونهما مطابقين للأصل ، ويساعده الاعتبار ، فإنّ الإنسان لا يتمكّن عادةً من سرعة حركة الحيوان ، خصوصاً مع كونها إلى جهات مختلفة ، كما هو مقتضى طبع الإيصال إلى الصيد الممتنع بالأصالة .
وأمّا منشأ الوجوب من حين الإيقاف في صورة احتمال ترتّب أثر على المسارعة واللحوق بالصيد ، وإدراكه حيّاً والقدرة على ذبحه واتّساع الزمان ، فلأنّه يصدق عليه أنّه أدركه حيّاً ، وقد مرّ أنّ الواجب في هذه الصورة هي التذكية والذبح بالمعنى الأعمّ .
وأمّا في صورة عدم ترتّب أثر على المسارعة والاُمور المذكورة ، ففي المتن أنّه لا إشكال في عدم وجوبها حينئذ ، فلو خلاّه على حاله إلى أن قتله الكلب فقتله يحلّ له أكله . نعم ، لابدّ من إحراز كون زهاق روحه بسبب عقر الكلب وعضّه ، لا بسبب شيء من الأسباب المذكورة آنفاً ، كالسقوط من شاهق ونحوه ، وعليه فاللازم التسارع لإحراز ذلك ، وإلاّ فمقتضى القاعدة العدم ، ولعلّ هذا ينافي ما تقدّم منه في المسألة السابقة من أنّ مقتضى الاحتياط ، بل الأقوى أنّه لو كان المنشأ لعدم التذكية فقد الآلة فلا يحلّ الصيد ، فتدبّر جيّداً . لكنّا ذكرنا أنّ مقتضى الرواية المعتبرة الحلّية في هذه الصورة أيضاً ، فراجع .
(الصفحة 328)أحدهما ، أو اُرسل كلبان أحدهما معلَّم والآخر غير معلّم ، فقتلاه لم يحلّ1 .
مسألة : لا يؤكل من الصيد المقتول بالآلة الجماديّة إلاّ ما قتله السيف أو السكّين ، أو الخنجر ، ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها ، أو الرمح
1 ـ لا دليل على اعتبار الوحدة ، لا في الصائد ولا في الآلة الحيوانية ، بل المعتبر هو الواجديّة للشرائط في صورة التعدّد كصورة الوحدة ، ويدلّ على المطلوب نفياً وإثباتاً صحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث صيد الكلب قال : وإن وجدت معه كلباً غير معلَّم فلا تأكل منه(1) .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا أرسلت كلبك على صيد ، وشاركه كلب آخر فلا تأكل منه ، إلاّ أن تدرك ذكاته(2) .
ومرسلة أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلّمة كلّها ، وقد سمّوا عليها ، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً ، فاشتركن جميعاً في الصيد؟ فقال : لا يؤكل منه ; لأنّك لا تدري أخذه معلّم أم لا(3) .
ويؤيّده رواية عيسى بن عبدالله قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : كُلْ من صيد الكلب ما لم يغب عنك، فإذا تغيّب عنك فدعه(4). مضافاً إلى أنّ الحكم المذكورمقتضى القاعدة .
- (1) الكافي : 6 / 203 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 26 ح106 ، وعنهما الوسائل : 23 / 342 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب5 ح1 .
- (2) الفقيه : 3 / 205 ح934 ، وعنه الوسائل : 23 / 343 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب5 ح3 .
- (3) الكافي : 6 / 206 ح19 ، تهذيب الأحكام : 9 / 26 ح105 ، وعنهما الوسائل : 23 / 343 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب5 ح2 .
- (4) تهذيب الأحكام: 9/29 ح117، وعنه الوسائل: 23/359 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب14 ح1.
(الصفحة 329)والسهم والنشّاب ممّا يُشاك بحدّه ، حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة ; من غير فرق بين ما كان فيه نصل ، كالسهم الذي يركب عليه الريش ، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه ، بل لا يبعد عدم اعتبار كونه من الحديد ، فيكفي بعد كونه سلاحاً قاطعاً أو شائكاً كونه من أيّ فلز كان ، حتّى الصفر والذهب والفضّة ، والأحوط اعتباره . ويعتبر كونه مستعملاً سلاحاً في العادة على الأحوط ، فلا يشمل المخْيط والشوك والسفود ونحوها ، والظاهر أنّه لا يعتبر الخرق والجرح في الآلة المذكورة; أعني ذات الحديدة المحدّدة ، فلو رمى الصيد بسهم ، أو طعنه برمح فقتله بالرمح والطعن ـ من دون أن يكون فيه أثر السهم والرمح ـ حلّ أكله .ويلحق بالآلة الحديديّة المعراض الذي هو ـ كما قيل ـ خشبة لا نصل فيها ، إلاّ أنّها محدّدة الطرفين ثقيلة الوسط ، أو السهم الحادّ الرأس الذي لا نصل فيه ، أو سهم بلا ريش غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه . وكيف كان ، إنّما يحلّ مقتول هذه الآلة لو قتلت الصيد بخرقها إيّاه وشوكها فيه ولو يسيراً ، فلو قتله بثقلها من دون خرق لم يحلّ ، والأحوط عدم التجاوز عن المعراض إلى غيره من المحدّدة غير الحديد1
.
1 ـ قد عرفت أنّ الآلة الموجبة لقتل الصيد قد تكون حيوانيّة ، وقد تكون جماديّة ، فاعلم أنّ الآلة الجماديّة إن كانت من الحديد فلا إشكال في حلّية الصيد المقتول بها ، كالسيف ، أو السّكين ، أو الخنجر ، ونحوها من الأسلحة التي تقطع بحدّها ، أو الرمح ، أو السهم ، أو النشّاب ممّا يشاك بحدّه ويوجد الشوك فيه فيقتله ، حتّى العصا التي في طرفها حديدة محدّدة ; من دون فرق بين ما كان فيه نصل كالسهم الذي يركب عليه الريش ، أو صنع قاطعاً أو شائكاً بنفسه .
(الصفحة 330)
وقد نفى البُعد في المتن عن عدم اعتبار كونه من الحديد ، وأنّ اعتباره يكون مقتضى الاحتياط ، والمنشأ أنّه لا دليل على اعتبار كونه من الحديد ، وسيأتي الجواز بالمعراض ، وعليه فيشمل سائر الفلزّات بعد كونها سلاحاً قاطعاً أو شائكاً من أيّ فلز كان ، حتّى الصفر والذهب والفضّة ، فلو كان له سيف مصنوع من الذهب أو الفضّة ـ كما هو الموجود عند بعض السلاطين ـ لا مجال للحكم بعدم الاكتفاء به بعد كون السيف آلة قاطعة; من حديد كان أو من غيره من الفلزّات ، والحكم في التذكية باختصاص الآلة بالحديد على فرضه لا يلازم التخصيص بالحديد هنا .
وفي رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من جرح صيداً بسلاح وذكر اسم الله عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه إن شاء ، الحديث(1) .
وفي رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : كُلْ من الصيد ما قتل السيف ، والرمح ، والسهم ، الحديث(2) .
وغيرهما من الروايات الدالّة على أنّ القتل بمطلق مثل السيف من أيّ فلزّ كان موجب للحلّية وجواز الأكل من الصيد ، كما أنّ مقتضى الإطلاق بعد تحقّق القتل بأحد هذه الاُمور أنّه لا يعتبر الجرح والخرق بالآلة المذكورة .
ويلحق بالآلة الحديديّة ، المعراض بأحد التفاسير الثلاثة المنقولة في المتن ، فيدلّ
- (1) الكافي : 6 / 210 ح2 ، الفقيه : 3 / 204 ح930 ، تهذيب الأحكام : 9 / 34 ح138 ، وعنهما الوسائل : 23 / 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب16 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 209 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 34 ح137 ، وعنهما الوسائل : 23 / 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب16 ح2 .
(الصفحة 331)مسألة : كلّ آلة جمادية لم تكن ذات حديدة محدّدة ، ولا محدّدة غير الحديديّة قتلت بخرقها من المثقلات ، كالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة لا يحلّ مقتولها، كالمقتول بالحبائلوالشبكة والشرك ونحوها. نعم، لابأس بالاصطياد بها ، وكذا بالحيوان غير الكلب; كالفهد والنمر والبازي وغيرها ، بمعنى جعل الحيوان الممتنع غير ممتنع بها ، ولكنّه لا يحلّ ما يصطاد بها إلاّ إذا أدركه وذكّاه1 .
عليه طائفة من الروايات :
منها : رواية أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا رميت بالمعراض فخرق فكل ، وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل(1) .
ومنها : مرسلة الصدوق ، عن زرارة أنّه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول فيما قتل المعراض : لا بأس به إذا كان ، إنّما يصنع لذلك(2) .
ومنها : غير ذلك من الروايات ، والمستفاد من ملاحظتها مدخليّة المعراض في القتل بالجرح أو الشوك فيه ، وأمّا غير المعراض فلا دليل فيه على اللحوق بعد عدم كونه حديداً محدّداً .
1 ـ الأصل في ذلك الروايات الواردة في هذا المجال :
منها : رواية سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عمّا قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ قال : لا(3) .
- (1) الكافي : 6 / 212 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 35 ح134 ، وعنهما الوسائل : 23 / 370 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب22 ح1 .
- (2) الفقيه : 3 / 203 ح922 ، وعنه الوسائل : 23 / 372 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب22 ح6 .
- (3) الكافي : 6 / 213 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 36 ح151 ، وعنهما الوسائل : 23 / 373 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب23 ح1 .