(الصفحة 360)
بعضها النهي عن ذبيحة اليهود والنصارى ، وفي بعضها تعابير اُخرى(1) ، والمستفاد من جميعها اعتبار الإسلام في الذابح .
فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أو غيره ، كتابيّاً أو غيره ، ونحن وإن اخترنا في بحث أعيان النجاسات طهارة الكتابي بالأصالة(2) ، إلاّ أنّ مسألة الطهارة أمر ، وحلّية الذبيحة أمر آخر لا ارتباط بينهما .
وأمّا الإيمان ، فلا دليل على اشتراطه واعتباره ، خصوصاً مع ابتلاء الشيعة بأكل ذبيحة غيرهم في السفر إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأئمّة البقيع (عليهم السلام) ، فالظاهر حلّية ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا من يكون محكوماً بالكفر وإن كان منتحلاً للإسلام ، كالناصب ونحوه ، ولا يختصّ عدم الحلّية بالناصب ، كما يشعر به عبارة المتن .
وفي رواية أبي بصير قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ذبيحة الناصب لا تحلّ(3) .
وفي رواية اُخرى لأبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّه قال : لا تحلّ ذبائح الحرورية(4) .
واستثناء صورة الضرورة ـ كما في رواية زكريّا بن آدم قال : قال أبو الحسن (عليه السلام) : إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك ، إلاّ في
- (1) وسائل الشيعة : 24 / 48 ـ 66 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب26 و 27 .
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الطهارة ، النجاسات وأحكامها : 207 ـ 233 .
- (3) تهذيب الأحكام : 9 / 71 ح301 ، الاستبصار : 4 / 87 ح332 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح2 .
- (4) تهذيب الأحكام : 9 / 71 ح302 ، الاستبصار : 4 / 87 ح333 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح3 .
(الصفحة 361)مسألة : لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة فضلاً عن الخُنثى ، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا كان مميّزاً ، والأعمى والأغلف وولد الزنا1 .
وقت الضرورة إليه(1) ـ فإنّما هو بالإضافة إلى غير مثل الناصب ، فالنهي محمول على الكراهة . كما أنّ رواية حمران ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا تأكل ذبيحة الناصب إلاّ أن تسمعه يسمّي(2) ، لابدّ من حملها على التقيّة; لعدم الفرق في الحرمة بين التسمية وعدمها .
ثمّ إنّ عدم اعتبار الإيمان في الذبح إنّما هو في الذبح العادي . وأمّا في الذبح الذي هو من العبادات ، كالذبح في منى يوم النحر ، فقد يقال باعتبار الإيمان ، نظراً إلى عدم صحّة عبادة غير المؤمن ، فلا تجوز استنابته للذبح في ذلك اليوم ، وإن اخترنا الجواز بالكيفيّة التي ذكرناها في كتاب الحجّ(3) ، فراجع ، لكن عدم تحقّق الذبح العبادي لا يستلزم عدم تحقّق الذبح المحلّل للأكل وتحقّق التذكية ، كما هو غير خفيّ .
1 ـ أمّا عدم اشتراط الذكورة في الذبح فيدلّ عليه روايات كثيرة :
منها : رواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، أنّه سُئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال : إذا كانت مسلمة فذكرت اسم الله عليها فكُلْ(4) .
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 70 ح298 ، الاستبصار : 4 / 86 ح330 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح5 .
- (2) تهذيب الأحكام : 9 / 72 ح304 ، الاستبصار : 4 / 87 ح335 ، وعنهما الوسائل : 24 / 68 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح7 .
- (3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحج : 5 / 255 ـ 256 .
- (4) الكافي : 6 / 237 ذ ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ذح309 ، وعنهما الوسائل : 24 / 44 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح6 .
(الصفحة 362)
وفي صحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكل؟ فقال : إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم الله على ذبيحتها حلّت ذبيحتها ، وكذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة فذكر اسم الله ، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد من يذبح غيرهما(1) .
والقيد المذكور في الذيل كبعض الروايات الظاهرة في الجواز في صورة الضرورة إنّما هو لأجل عدم وصول النوبة إلى المرأة والغلام في غير هذه الصورة ، ويؤيّده أنّ في بعض الرويات أنّه كانت لعليّ بن الحسين (عليهما السلام) جارية تذبح له إذا أراد ، بل ورد ذلك في روايات متعدّدة(2) .
وأمّا عدم اشتراط البلوغ ، فيدلّ عليه أيضاً ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ روايات متعدّدة :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذبيحة الصبي؟ فقال : إذا تحرّك وكان له خمسة إشبار وأطاق الشفرة ، الحديث(3) ، إذا تحرّك أي صار حَرِكاً ، والحَرِك كـ «كَتِف» : الغلام الخفيف الذكي(4) .
ومنها : رواية مسعدة بن صدقة قال : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن ذبيحة الغلام؟ فقال : إذا قوي على الذبح ، وكان يحسن أن يذبح ، وذكر اسم الله عليها
- (1) الكافي : 6 / 237 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ح308 ، الفقيه : 3 / 212 ح983 ، وعنها الوسائل : 24 /45 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح7 .
- (2) وسائل الشيعة : 24 / 43ـ 45 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح2 و4 و9 .
- (3) الكافي : 6 / 237 ح1 ، الفقيه : 3 / 212 ح981 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ح310 ، وعنها الوسائل : 24 / 42 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب22 ح1 .
- (4) المنجد : 128 ، الصحاح : 2 / 1194 .
(الصفحة 363)
فكُلْ ، الحديث(1) .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا بلغ الصبيّ خمسة أشبار أُكلت ذبيحته(2) ، ولعلّ التقييد بخمسة أشبار ليس لأجل خصوصيّة فيه ، بل لأجل حصول القوّة على الذبح نوعاً عند ذلك .
ثمّ إنّ هذه المسألة لا ترتبط بمسألة شرعيّة عبادات الصبيّ وعدمها ، التي هي من القواعد الفقهية ; لأنّه لو لم نقل بالشرعية على خلاف ما اخترناه(3) ، لكنّه لا يستلزم اشتراط البلوغ في الذابح ، وعدم حلّية أكل لحم الحيوان المذبوح بذبح الصغير ; لعدم الارتباط بين الأمرين ، وعدم الملازمة في البين .
وأمّا عدم اعتبار عدم الجنابة فلروايات :
منها : موثّقة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : ولا بأس أن يتنوّر الجنب ويحتجم ويذبح(4) .
وأمّا الاكتفاء بذبح الأغلف ، فيدلّ عليه رواية مسعدة بن صدقة ، عن جعفر (عليه السلام)أنّه سئل عن ذبيحة الأغلف؟ قال : كان عليّ (عليه السلام) لا يرى به بأساً(5) .
ويدلّ على حلّية ذبيحة ولد الزنا رواية صفوان بن يحيى ، قال : سأل المرزبان
- (1) الكافي : 6 / 237 صدر ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 صدر ح309 ، وعنهما الوسائل : 24 / 42 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب22 ح2 .
- (2) الكافي : 6 / 238 ح8 ، وعنه الوسائل : 24 / 42 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب22 ح3 .
- (3) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 1 / 341 ـ 356 .
- (4) الكافي : 3 / 51 ح12 ، تهذيب الأحكام : 1 / 130 ح357 ، الاستبصار : 1 / 116 ح391 ، وعنها الوسائل : 24 / 32 ، كتاب الصيد والذبائح ب17 ح2 .
- (5) قرب الإسناد : 50 ح161 ، وعنه الوسائل : 24 / 32 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب17 ح3 والبحار : 65 / 320 ح20 .
(الصفحة 364)مسألة : لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار ، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ وإن كان من المعادن المنطبعة; كالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغيرها . نعم ، لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها ، أو اضطرّ إليه ، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح; ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة
أبا الحسن (عليه السلام) عن ذبيحة ولد الزنا قد عرفناه بذلك؟ قال : لا بأس به ، والمرأة والصبيّ إذا اضطرّوا إليه(1) ، ويحتمل أن يكون القيد ناظراً إلى خصوص المرأة والصبيّ ، وقد عرفت أنّه في هذه الصورة لا داعي إلى كون أحدهما ذابحاً مع إمكان غيره كما هو الغالب ، وعلى أيّ فلا دلالة للرواية على الاختصاص بصورة الضرورة ; لأنّه معها يحلّ أكل الميتة من أيّ طريق تحقّقت ، كما هو ظاهر .
كما أنّه يدلّ على حلّية ذبيحة الأعمى رواية ابن اُذينة ، عن غير واحد رووه ، عنهما (عليهما السلام) جميعاً : أنّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح وسمّت فلا بأس بأكله ، وكذلك الصبيّ ، وكذلك الأعمى إذا سدّد(2) .
وأمّا عدم اعتبار الخلوّ من الحيض والنفاس ، فلأنّ الذبح لا يكون عبادة حتّى يحتمل كونهما مانعين عنه ، وقد عرفت أنّ عباديّة الذبح بمنى لا تستلزم عدم حصول الحلّية لو لم تقع عبادة ، وفي المرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه سُئل عن الذبح على غير طهارة ، فرخّص فيه(3) .
- (1) الفقيه : 3 / 210 ح969 ، وعنه الوسائل : 24 / 47 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب25 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 238 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ح311 ، الفقيه : 3 / 212 ح982 ، وعنها الوسائل : 24 / 45 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح8 .
- (3) دعائم الإسلام : 2 / 178 ح643 وعنه مستدرك الوسائل : 16 / 139 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب15 ح1 وبحار الأنوار : 65 / 329 ح59 .