(الصفحة 383)
تذبح فلا تتحرّك ، ويهراق منها دمٌ كثير عبيط؟ فقال : لا تأكل ، إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : إذا ركضت الرجل ، أو طرفت العين فكُل(1) .
ومنها : رواية الحسين بن مسلم قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) إذ جاءه محمّد بن عبد السلام ، فقال له : جعلت فداك يقول لك جدّي : إنّ رجلاً ضرب بقرة بفأس فسقطت ثمّ ذبحها ، فلم يرسل معه بالجواب ، ودعا سعيدة مولاة اُمّ فروة ، فقال لها : إنّ محمّداً جاءني برسالة منك فكرهت أن أُرسل إليك بالجواب معه ، فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلاً فكلوا واطعموا ، وإن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه(2) .
ومنها : رواية زيد الشحّام المتقدّمة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين ، أيذبح بقصبة؟ فقال : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به(3) ، بناءً على أنّ المراد بالذيل بيان كيفيّة الذبح ولو كان بالحديد ، لا بيان خصوصيّة الذبح بغير الحديد مع عدم إصابته ، كما لايخفى .
ومنها : بعض الروايات الاُخر .
قلت : إن قلنا بإمكان الجمع الدلالي بينها ، نظراً إلى صراحة مثل رواية أبي بصير ليث المرادي في الدلالة على اعتبار كون الحركة بعد الذبح ،
- (1) تهذيب الأحكام : 9 / 57 ح240 ، الفقيه : 3 / 209 ح962 ، وعنهما الوسائل : 24 / 24 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب12 ح1 .
- (2) الكافي : 6 / 232 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 56 ح236 ، قرب الإسناد : 44 ح143 وعنها الوسائل : 24 / 25 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب12 ح2 .
- (3) تقدّمت في ص366 .
(الصفحة 384)
وأنّه مع عدمها لايحلّ وإن كان يهراق منه دماً عبيطاً ، وهي بمنزلة القرينة للتصرّف في ظهور الروايات الاُخر ، أو أظهريّة دلالة رواية أبي بصير ، مثل قوله : رأيت أسداً يرمي ، فإنّ دلالة يرمي على كون الرامي رجلاً شجاعاً أظهر من دلالة لفظ الأسد على معناه الحقيقي ، وهو الحيوان المفترس . وإلاّ فإن قلنا بتعارض الطائفتين ، فاللازم الأخذ بما دلّ على اعتبار الحركة; لموافقتها للشهرة الفتوائية المحقّقة(1) ، بل المحكيّ عن الغنية إجماع الإماميّة عليه(2) ، وفي المتن : أنّ الاكتفاء بأحد الأمرين من الحركة أو خروج الدم المعتدل قول مشهور بين المتأخّرين ، ونفى خلوّه عن الوجه ، لكن قال : لا ينبغي ترك الاحتياط ، وقد ثبت في محلّه أنّ الشهرة بين المتأخّرين لا تكون مرجّحة ولا قادحة ، بل الملاك هي الشهرة بين القدماء .
ثمّ إنّ التعبير في هذا الأمر الثالث بصدور حركة من الذبيحة لتدلّ على وقوعها على الحيّ ولو كانت يسيرة يغاير التعبير في الأمرين الأوّلين ، فإنّهما ظاهران في الاعتبار في مقام الثبوت ، والتعبير في هذا الأمر ظاهر في الاعتبار في مقام الإثبات ، ولعلّه لذا ذكر في الذيل أنّه إذا علم حياته بخروج هذا الدمّ فيكتفى به بلا إشكال ، مع أنّ ظاهر جملة من الروايات المتقدّمة اعتبار هذا الأمر أيضاً في مقام الثبوت; بأن كانت الحركة المذكورة بعد تماميّة الذبح بجميع خصوصيّاته ، وقد عرفت في مسألة الصيد(3) أنّ الواجب هو التذكية مع ثبوت هذه الأوصاف الظاهرة في الثبوت قبل الذبح ، ولأجله يحتمل الخلط في كلماتهم .
- (1) رياض المسائل : 12 / 107 .
- (2) غنية النزوع : 397 .
- (3) في ص320 ـ 325 .
(الصفحة 385)مسألة : لا يعتبر كيفيّة خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح ، فلا فرق بين أن يضعها على الجانب الأيمن ، كهيئة الميّت حال الدفن ، وأن يضعها على الأيسر1 .
مسألة : لا يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة ، وأن تكون في ضمن البسملة ، بل المدار صدق ذكر اسم الله عليها ، فيكفي أن يقول «بسم الله» ، أو «الله أكبر» أو «الحمد لله» أو «لا إله إلاّ الله» ونحوها . وفي الاكتفاء بلفظ «الله» ـ من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالاًّ على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد ـ إشكال . نعم ، التعدّي من لفظ «الله» إلى سائر أسمائه الحسنى كالرحمان والبارئ والخالق وغيرها من أسمائه الخاصّة غير بعيد ، لكن لا يترك الاحتياط فيه ، كما أنّ التعدّي إلى ما يرادف لفظ الجلالة في لغة اُخرى كلفظة «يزدان» في الفارسية وغيرها في غيرها لا يخلو من وجه وقوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بمراعاة العربيّة2 .
1 ـ أمّا عدم اعتبار كيفيّة خاصّة في وضع الذبيحة على الأرض حال الذبح ، فلأنّ مقتضى الدليل هو لزوم الاستقبال بالذبيحة إلى القبلة ، ولا فرق في ذلك بين الوضع على الجانب الأيمن ، كهيئة الميّت حال الدفن ، وبين الوضع على الجانب الأيسر ; لتحقّق الأمر المذكور في كلتا الحالتين .
2 ـ هل يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة ، وأن تكون في ضمن البسملة ، أم لا يعتبر ذلك ؟ بل المدار صدق ذكر اسم الله عليها . كما عرفت قوله تعالى :
{وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}(1)فيكفي الأمثلة المذكورة في المتن .
- (1) سورة الأنعام : 6 / 121 .
(الصفحة 386)مسألة : الأقوى عدم اعتبار استقرار الحياة في حلّية الذبيحة بالمعنى الذي فسّروه ، وهو أن لا تكون مشرفة على الموت; بحيث لا يمكن أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم ، كالمشقوق بطنه ، والمخرج حشوته ، والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه ، والساقط من شاهق ونحوها ، بل المعتبر أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج ، فإن علم ذلك فهو ، وإلاّ يكون الكاشف عنها الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرة كما تقدّم1 .
وفي صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن رجل ذبح فسبّح أو كبّر أو هلّل أو حمد الله؟ قال : هذا كلّه من أسماء الله لا بأس به(1) .
وقد استشكل في المتن في الاكتفاء بلفظ «الله» من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالاًّ على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد ، وإن حكي عن البعض الاجتزاء به(2) ، لكنّ العرف يخالفه ; لأنّه يجتمع مع إثبات نقص له تعالى ، مثل عدم كونه واجب الوجود ، وهذا بخلاف الاُمور المذكورة في الرواية ، كما أنّها تدلّ في مقام التعليل على كفاية مطلق أسمائه تعالى المختصّة به ، كالرحمان والبارئ ، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي العدم ، كما أنّ التعدّي إلى ما يرادف لفظ الجلالة من سائر اللغات كالفارسية وغيرها نفى خلوّه عن الوجه ، واحتاط استحباباً بالترك ، والوجه في ذلك اختلاف اللغات في الأسماء المختصّة به تعالى ، ولا دليل على كون التسمية في الذبح كالصلاة ونحوها من حيث اعتبار العربيّة وعدم الاجتزاء بغيرها.
1 ـ قد مرّ كلام المحقّق في الشرائع في اعتبار الحياة المستقرّة ، وفي تفسيرها
- (1) الكافي : 6 / 234 ح5 ، الفقيه : 3 / 211 ح978 ، تهذيب الأحكام : 9 / 59 ح249 ، وعنها الوسائل : 24 / 31 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب1 ح1 .
- (2) مسالك الأفهام : 11 / 476 ، مجمع الفائدة والبرهان : 11 / 119 .
(الصفحة 387)مسألة : لا يشترط في حلّية الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح ، فلو وقع عليها الذبح الشرعي ثمّ وقعت في نار
بالتعيّش يوماً أو يومين ، وفي بعض الكلمات بل ولعلّه المشهور : ولو نصف يوم ، وتفسير الحركة غير المستقرّة بأن تكون الحركة كحركة المذبوح(1) ، وقد عرفت أنّ الكلام قد يكون في مقام الثبوت ، وقد يكون في مقام الإثبات(2) . أمّا بحسب مقام الثبوت ، فلا دليل على اعتبار استقرار الحياة بوجه ولو نصف يوم ، فيقع الذبح على الموارد المذكورة في المتن مع بقاء الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج .
نعم ، في صورة الشكّ يكون الكاشف عن تلك الحياة المعتبرة الحركة بعد الذبح ولو كانت يسيرة ، ويدلّ على أصل الحكم ما مرّ في باب الصيد من أنّه إذا أدركه وكانت الأوصاف الثلاثة المتقدّمة موجودة فيه يجب ذبحه لحلّية أكل لحمه(3) ، وقد عرفت منّا وقوع الخلط ظاهراً في كلمات الأصحاب بين مقام الثبوت ومقام الإثبات ، كما أنّه يرد على المتن أنّه لا وجه لتكرار المسألة مرّتين أو ثلاث مرّات ، خصوصاً مع اختلاف النظر فيها ولو على نحو الإشكال لا الفتوى .
فالإنصاف أنّ المعتبر في مقام الثبوت هو أصل الحياة ولو كانت عند إشراف الخروج ، والكاشف عنها هو الأوصاف الثلاثة المتقدّمة(4) ، فمع تطرّف العين وتركّض الرجل وتحرّك الذنب يعلم بعدم زهوق الروح ، ومع العلم بعدمه يصحّ ذبحه ويحلّ أكله ، فتأمّل جيّداً .
- (1) في ص373 ـ 375.
- (2) في ص384.
- (3، 4) في ص324 ـ 325.