(الصفحة 398)مسألة : لو كان الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على اُمّه ، ومات بعده قبل أن يشقّ بطنها ويستخرج منها حلّ على الأقوى لو بادر على شقّ بطنها ولم يدرك حياته ، بل ولو لم يبادر ولم يؤخّر زائداً على القدر المتعارف في شقّ بطون الذبائح بعد الذبح ، وإن كان الأحوط المبادرة وعدم التأخير حتّى بالقدر المتعارف ، ولو أخّر زائداً على المتعارف ومات قبل أن يشقّ البطن فالأحوط الاجتناب عنه1 .
فكُلْ ، وإلاّ فلا تأكل ; يعني إذا لم يشعر(1) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال ، ومقتضى الجمع بينها أنّ الملاك في حصول الذكاة للجنين في هذا الفرض هي التماميّة المتحقّقة بأن يشعر أو يوبر ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ولوج الروح وعدمه ، كما قوّاه في المتن .
1 ـ هذه هي الصورة الرابعة بعد الصور الثلاثة المتقدّمة في المسألة السابقة ; وهي عبارة عن أن يكون الجنين حيّاً حال إيقاع الذبح أو النحر على اُمّه ومات بعده قبل أن يشقّ بطنها ويستخرج منها .
وقد فصّل فيها في المتن بين ما إذا بادر على شقّ بطنها ولم يدرك حياته بالحكم بالحلّية فيها ، بل مع عدم المبادرة ، غاية الأمر عدم التأخير في شقّ البطن زائداً على القدر المتعارف في شقوق البطون بعد الذبح أو النحر وإن احتاط استحباباً بالاختصاص بالفرض الأوّل ، وبين ما إذا أخّر الشقّ زائداً على القدر المتعارف ، فتحقّق الموت قبل أن يشقّ البطن ، فاحتاط وجوباً بالاجتناب عنه .
- (1) الكافي : 6 / 235 ح5 ، قرب الإسناد : 76 ح247 ، وعنهما الوسائل : 24 / 34 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب18 ح5 .
(الصفحة 399)مسألة : لا إشكال في وقوع التذكية على كلّ حيوان حلّ أكله ذاتاً ـ وإن حرم بالعارض ، كالجلاّل والموطوء ـ بحريّاً كان أو بريّاً ، وحشيّاً كان أو إنسيّاً ، طيراً كان أو غيره وإن اختلف في كيفيّة التذكية على ما مرّ . وأثر التذكية فيها طهارة لحمها وجلدها وحلّية لحمها لو لم يحرم بالعارض . وأمّا غير المأكول من الحيوان ، فما ليس له نفس سائلة لا أثر للتذكية فيه ، لا من حيث الطهارة ولا من حيث الحلّية ; لأنّه طاهر ومحرّم أكله على كلّ حال . وما كان له نفس سائلة ، فإن كان نجس العين كالكلب والخنزير ، فليس قابلاً للتذكية . وكذا المسوخ غير السباع ، كالفيل والدبّ والقرد ونحوها . وكذا الحشرات وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض ، كالفأرة ، وابن عرس ، والضبّ ونحوها على الأحوط الذي لا يترك فيهما وإن كانت الطهارة لا تخلو من وجه .وأمّا السباع; وهي ما تفترس الحيوان وتأكل اللحم; سواءكانت من الوحوش كالأسد، والنمر، والفهد، والثعلب ، وابن آوى ، وغيرها ، أو من الطيور كالصقر ، والبازي، والباشق، وغيرها، فالأقوى قبولها للتذكية، وبهاتطهرلحومها وجلودها، فيحلّ الانتفاع بها; بأن تلبس في غير الصلاة ويفترش بها ، بل بأن تجعل وعاء للمعائعات ، كأن تجعل قربة ماء ، أو عكّة سمن ، أو دبّة دهن ونحوها ، وإن لم تدبغ على الأقوى ، وإن كان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تكن مدبوغة1 .
والوجه في الأوّل واضح ; لأنّه مع فرض المبادرة أو عدم التأخير الزائد يصدق موت الجنين في بطن اُمّه ، وكذا سائر التعابير الواقعة في الروايات ، وفي الثاني لا يكون الموت مستنداً إلى التذكية ، بل إلى تأخير الشقّ .
1 ـ الحيوانات على قسمين :
(الصفحة 400)
القسم الأوّل : الحيوانات التي يحلّ أكلها ذاتاً وإن كان قد يعرض لها الحرمة بالعرض بسبب ، مثل الجلل القابل للاستبراء ، والوطء ، ولا إشكال في وقوع التذكية على مثل هذه الحيوانات وتأثيرها في الطهارة أو مع حلّية اللحم ، وهذا لا فرق فيه بين أن يكون بحريّاً أو برّيّاً ، وحشياً كان أو إنسيّاً ، طيراً كان أو غيره ، وإن وقع الاختلاف في كيفيّة تذكيته على ما تقدّم من أنّه قد يكون بالذبح ، وقد يكون بالنحر ، وأنّ الآلة المستفادة من ذلك قد تكون آلة جماديّة ، وقد تكون حيوانيّة ، كالكلب المعلّم على ما تقدّم ، ولا ينافي الحرمة بالعرض لوقوع التذكية في هذا القسم ; لأنّ أثر التذكية في مواردها لا يكون منحصراً بحلّية أكل اللحم غير المتحقّقة في هذا المورد المفروض ، بل أثرها في مثله طهارة اللحم والجلد وغيرهما من سائر الأعضاء ، والضابطة أنّ الحيوانات المحلّلة الأكل بالذات قابلة بأجمعها لوقوع التذكية عليها وإن عرض لها الحرمة، كما عرفت .
القسم الثاني : الحيوانات التي لا يحلّ أكلها ذاتاً ، ولنقدِّم في هذا القسم مقدّمة ; وهو أنّه ربما يقال : إنّ مقتضى أصالة عدم التذكية في الحيوانات ـ التي يشكّ في وقوع التذكية عليها وعدمه ـ عدم التذكية ، وهي لا أصل لها ، كما قرّرناه في تنبيهات مسائل البراءة من علم الاُصول(1) ، وذلك لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقّنة ; لأنّ الصلاحيّة وعدمها من عوارض الوجود ، وهي لا تكون لها حالة سالبة متيقّنة إلاّ بنحو السالبة بانتفاء الموضوع ، وفي مثله تختلف القضيّتان المتيقّنة والمشكوكة ; لأنّ السالبة في الاُولى بانتفاء الموضوع ، وفي الثانية بانتفاء المحمول ، ومع هذا الاختلاف لا اتّحاد بين القضيّتين ، كالاستصحاب في المرأة التي يشكّ في
- (1) معتمد الاُصول : 2 / 8 ـ 19 .
(الصفحة 401)
كونها قرشيّة حتّى تكون صالحة لرؤية الحيض إلى الستّين ، أم لا تكون كذلك لتصلح لرؤيته إلى الخمسين فقط ، فإنّه لا مجال لاستصحاب عدم القرشيّة لأجل ما ذكرنا ، وإن كان يظهر من المحقّق الخراساني (قدس سره) في كتابه في الاُصول في مباحث العامّ والخاصّ الجريان(1) ، لكنّ التحقيق العدم كما ذكرناه مراراً .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ هذا القسم على نوعين :
الأوّل : الحيوانات الكذائيّة التي ليست لها نفس سائلة ، فقد ذكر في المتن أنّ التذكية لا أثر لها ، لا في الحلّية ولا في الطهارة ، أمّا الحلّية ، فلأنّ المفروض كونها محرّمة الأكل بالذات ، وأمّا الطهارة فلحصولها مع عدم التذكية ; لأنّها ليست لها نفس سائلة حتّى تصير طاهرة بإجراء دمها بالتذكية المناسبة لها .
الثاني : الحيوانات الكذائيّة التي لها نفس سائلة ، وهي على قسمين : فتارةً تكون نجس العين ، كالكلب والخنزير ، واُخرى لا تكون كذلك .
أمّا الأوّل : فلا يكون قابلاً للتذكية ; لأنّ أثر التذكية إمّا الطهارة ، وإمّا مع حلّية اللحم ، وكلاهما منتفيان بالإضافة إلى نجس العين ; لأنّه لا تصير طاهرة بالتذكية بعد كونها نجسة في حال الحياة ، والتذكية لا توجب تغيّر حاله إلى الطهارة ، وأمّا عدم الحلّية فلأنّه المفروض ، بل لا مجال لاجتماع النجاسة الذاتيّة مع الحلّية ، مضافاً إلى أنّه ضروري أو كالضروري من المذهب أو الإسلام .
ويلحق بهذا القسم المسوخ غير السباع ، والمشهور(2) على ما قيل : أنّه لا تقع عليها الذكاة ، خصوصاً مع ملاحظة القائل بنجاستها ، وفي الجواهر عن المسالك أنّ
- (1) كفاية الاُصول : 223 .
- (2) جواهر الكلام : 36 / 196 .
(الصفحة 402)
أجمع الروايات خبر محمّد بن الحسن الأشعري ، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)قال : الفيل مسخ كان ملكاً زنّاءً ، والذئب مسخ كان أعرابيّاً ديّوثاً ، والأرنب مسخ كان امرأة تخون زوجها ولا تغتسل من حيضها ، والوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس ، والقردة والخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت ، والجرّيث والضبّ فرقة من بني إسرائيل ، لم يؤمنوا حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السلام ، فتاهوا ، فوقعت فرقة في البحر ، وفرقة في البرّ ، والفأرة وهي الفويسقة ، والعقرب كان نمّاماً ، والدبّ والوزغ والزنبور كان لحّاماً يسرق في الميزان(1) . قال : وهذه المسوخ كلّها هلكت ، وهذه الحيوانات على صورها(2) .
ثمّ إنّ المشهور كما قيل : عدم قابليّة المسوخ للتذكية(3) ، لكن عن المرتضى(4)والشهيد(5) وقوع الذكاة عليها ، بل في محكيّ غاية المراد نسبته إلى ظاهر الأكثر(6) ، بل عن كشف اللثام إلى المشهور(7) .
والتحقيق أنّه ليس في شيء من النصوص ما يدلّ على القابلية ، ولا ما يدلّ على
- (1) الكافي : 6 / 246 ح14 ، علل الشرائع : 485 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 39 ح166 ، وعنها الوسائل : 24 / 106 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ب2 ح7 .
- (2) مسالك الأفهام : 11 / 517 ، جواهر الكلام : 36 / 197 .
- (3) جواهر الكلام : 36 / 196 .
- (4) يراجع مسائل الناصريّات: 99، حكى عنه في الشرائع: 3 / 210 وإيضاح الفوائد: 4 /130 والمسالك: 516.
- (5) الدروس الشرعيّة : 2 / 410 .
- (6) غاية المراد : 3 / 507 ، وفيها : ظاهر كلام الأصحاب .
- (7) كشف اللثام : 2 / 257 .