(الصفحة 69)مسألة : لو وقف داراً على أولاده أو على المحتاجين منهم ، فإن أطلق فهو وقف منفعة ، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خاناً ونحوها يملكون منافعها ، فلهم استنماؤها ، فيقسّمون بينهم ما حصل منها ـ بإجارة وغيرها ـ على حسب ما قرّره الواقف من الكمّية والكيفيّة ، وإن لم يقرّر كيفيّة في القسمة يقسّمونه بينهم بالسّوية . وإن وقفها عليهم لسكناهم فهو وقف انتفاع ، ويتعيّن لهم ذلك ، وليس لهم إجارتها ، وحينئذ إن كفت لسكنى الجميع فلهم أن يسكنوها ، وليس لبعضهم أن يستقلّ به ويمنع غيره . وإن وقع بينهم تشاح في اختيار الحجر ، فإن جعل الواقف متولّياً يكون له النظر في تعيين المسكن للساكن ، كان نظره وتعيينه هو المتّبع ، ومع عدمه كانت القرعة هي المرجع ، ولو سكن بعضهم ولم يسكنها بعض فليس له مطالبة الساكن باُجرة حصّته إن لم يكن مانعاً عنه ، بل هو لم يسكن باختياره أو لمانع خارجي . وإن لم تكف لسكنى الجميع ، فإن تسالموا على المهاياة أو غيرها فهو ، وإلاّ كان المتّبع نظر المتولّي من قبل الواقف لتعيين
فتجري عليه أحكامها إلاّ في بعض الفروض ; وهو ما إذا وقع في وسط الشارع مثلاً فخرب لأجل الضرورة ، أو من قبل الحكومة الجائرة ، فإنّه في هذا الفرض يخرج عن عنوان المسجديّة بنظر العرف ، ولا تجري على عرصته أحكام المسجديّة من حرمة لبث الجنب فيها ، وكذا غيرها ، ففي الحقيقة لا يكون في مثل هذا الفرض عنوان المسجديّة باقياً حتّى تجري عليه أحكامها ويصرف الوقف فيه .
نعم ، إذا خرب المسجد لأجل الزلزلة ونحوها ، أو خربت القرية التي هو فيها ، فالعرصة وإن كانت باقية على عنوان المسجديّة ، إلاّ أنّه مع عدم إمكان التعمير ، أو عدم الاحتياج إلى المصرف ، يصرف الوقف في وجوه البرّ كما عرفته ، وقد ذكرنا مقتضى الاحتياط في المسألة السابقة، فراجع .
(الصفحة 70)الساكن ، ومع فقده فالمرجع القرعة ، فمن خرج اسمه يسكن ، وليس لمن لم يسكن مطالبته باُجرة حصّته1 .
1 ـ لو وقف داراً على مطلق أولاده أو خصوص المحتاجين منهم ، فتارة: يطلق الوقف ، واُخرى : يوقفها لسكناهم ، فالفرض الأوّل : وقف منفعة ، كما إذا وقف عليهم قرية أو مزرعة أو خاناً أو نحوها ، ولازمه أن يصير الموقوف عليه مالكاً للمنفعة ، ولهم استنماؤها ، فيقسّمون بينهم ما حصل منها بإجارة وغيرها على حسب ما قرّره الواقف من الكيفيّة والكمّية ، ومع عدم التقرير يقسّمونها بينهم بالسّوية ، وهذا نظير ما إذا ملك المنفعة جماعة بإجارة ولم يشترط عليهم الاستفادة بالمباشرة ، فإنّه يجوز لهم الإجارة وتقسيم مال الإجارة بنسبة الملكيّة للمنفعة .
والفرض الثاني : وقف انتفاع لا يجوز للموقوف عليه الإجارة ; لعدم الملكية للمنفعة ، بل غاية الأمر جواز الاستفادة منها ، فالفرق بين الفرضين هو الفرق بين الإجارة والعارية ، وحينئذ إن كانت الدار كافية لسكنى الجميع فلهم أن يسكنوها ، وليس لبعضهم أن يستقلّ به ويمنع غيره ، وإن وقع بينهم تنازع في اختيار بيوت الدار ، كما إذا أراد أحد السكونة في البيت الشرقي دون الغربي ، وأراد الآخر أيضاً ذلك ، فإن كانت للدار الموقوفة متولّياً من قبل الواقف فنظره هو المتّبع في التعيين ، وإن لم تكن كذلك فالمتّبع هي القرعة الواردة في تزاحم الحقوق .
ولو سكن بعضهم في هذا الفرض في الدار ، ولم يسكنها بعض آخر مع صلاحيتها لسكنى الجميع كما هو المفروض ، فإن كانت العلّة لعدم سكونة البعض غير الساكن هو منع الساكن عنه ، فعليه اُجرة حصّة غير الساكن ، وإن كانت العلّة أمراً آخر لا ارتباط له بالساكن فليس عليه اُجرة حصّته .
وإن لم تكف الدار لسكنى الجميع ، والمفروض عدم جواز الإجارة ; لعدم ملكية
(الصفحة 71)مسألة : الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر لا يكون للموقوف عليهم ، بل هو باق على ملك الواقف ، وكذلك الحمل الموجود حال وقف الحامل . نعم ، في الصوف على الشاة واللبن في ضرعها إشكال ، فلا يترك الاحتياط1 .
الموقوف عليهم للمنفعة، بل الغاية ملك الانتفاع وهوغيرممكن بالإضافة إلى الجميع في عرض واحد ، فالمتّبع مع عدم التسالم هو نظر المتولّي أو الرجوع إلى القرعة ، كما عرفت ، فمن خرج اسمه يسكن ، وليس للآخر مطالبة اُجرة حصّته ، لما مرّ .
1 ـ الغرض من هذه المسألة بيان الفرق بين الثمر الموجود حال الوقف على النخل والشجر والحمل الموجود حال وقف الحامل ، وبين الثمرة والحمل المتجدّدين بعد الوقف ، وأنّ الثاني للموقوف عليهم دون الأوّل .
أمّا الثاني : فواضح ; لأنّه الغرض من الوقف والمقصود من الإيقاف .
وأمّا الأوّل : فالظاهر أنّ الوجه فيه الانصراف وكونه تبعاً للعين الموقوفة في البقاء على ملك الواقف ، ولا يبعد أن يقال بالفرق بين الثمرة والحمل في أوائل تحقّقهما وبينهما في غيرها ، بالبقاء على ملك الواقف في الثاني دون الأوّل ; لأنّ التبعيّة محفوظة في الأوّل دون الثاني .
نعم ، في المتن استشكل في الصوف على الشاة واللبن في الضرع ، ثمّ نهى عن ترك الاحتياط ، والوجه في الاستشكال أنّ الصوف واللبن ليسا كالثمرة والحمل ، بل هما تابعان ، خصوصاً الأوّل ، كما أنّ الوجه في النهي عن ترك الاحتياط الذي يتحقّق لا محالة بالتصالح هو الدوران بين الواقف والموقوف عليه ، ولا مجال في مثله للقرعة بعد كون الشبهة بالإضافة إلى الحكم الشرعي لا الموضوع الخارجي .
(الصفحة 72)مسألة : لو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي» شمل جميع البطون كما مرّ ، فمع اشتراط الترتيب أو التشريك أو المساواة أو التفضيل أو الذكورة أو الاُنوثة أو غير ذلك يكون هو المتّبع ، ولو أطلق فمقتضاه التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل ، ولو قال : «وقفت على أولادي ، ثمّ على أولاد أولادي» أفاد الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد قطعاً ، وأمّا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة على الترتيب ، فيشترك أولاد الأولاد مع أولادهم ، إلاّ إذا قامت القرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد، وأنّ ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد ، من باب المثال ، والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد ، وأنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف1 .
1 ـ لو قال : «وقفت على أولادي وأولاد أولادي» ـ أي مع العطف بالواو ـ شمل جميع البطون كما مرّ(1) ، فلو أطلق فمقتضاه التشريك والشمول للذكور والإناث والمساواة وعدم التفضيل ، ولو لم يطلق بل اشترط الترتيب أو التشريك أو التفضيل ، أو الذكورة أو الاُنوثة أو غير ذلك ، يكون هو المتّبع ; لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها .
ولو قال : «وقفت على أولادي ، ثمّ على أولاد أولادي» أي مع العطف بثمّ الظاهر في الترتيب ، فإن كان مجرّد هذا التعبير ولم تقم قرينة على عدم الترتيب يشترك أولاد الأولاد مع أولادهم ; لأنّ غاية ما يدلّ عليه العطف بثمّ هو الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد ، وأمّا بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالظاهر عدم الدلالة
(الصفحة 73)مسألة : لا ينبغي الإشكال في أنّ الوقف بعد تماميّته يوجب زوال ملك الواقف عن العين الموقوفة ، إلاّ في منقطع الآخر الذي مرّ التأمّل في بعض أقسامه ، كما لا ينبغي الريب في أنّ الوقف على الجهات العامّة، كالمساجد والمشاهد والقناطر والخانات والمقابر والمدارس ، وكذا أوقاف المساجد والمشاهد وأشباه ذلك لا يملكها أحد ، بل هو فكّ الملك وتسبيل المنافع على جهات معيّنة .
وأمّا الوقف الخاصّ ، كالوقف على الأولاد ، والوقف العامّ على العناوين العامّة ، كالفقراء والعلماء ونحوهما ، فهل يكون كالوقف على الجهات العامّة لا يملك الرقبة أحد ، سواء كان وقف منفعة; بأن وقف ليكون منافع الوقف لهم ، فيستوفونها بأنفسهم أو بالإجارة أو ببيع الثمرة وغير ذلك ، أو وقف انتفاع ، كما إذا وقف الدار لسكنى ذرّيّته ، أو الخان لسكنى الفقراء ، أو يملك الموقوف عليهم رقبته ملكاً غير طلق مطلقاً ، أو تفصيل بين وقف المنفعة ووقف الانتفاع ،
على الترتيب ، بل يشترك أولاد الأولاد مع أولادهم ، فبالنسبة إلى الأولاد وأولاد الأولاد يكون العطف المذكور دالاًّ على الترتيب ، وأمّا بالنسبة إلى البطون فثبوت الترتيب تابع للظهور الناشئ عن قيام القرينة ، فتدبّر .
وإن قامت قرينة على أنّ حكمهم كحكمهم مع الأولاد ، وأنّ ذكر الترتيب بين الأولاد وأولاد الأولاد إنّما هو من باب المثال ، والمقصود الترتيب في سلسلة الأولاد ، وأنّ الوقف للأقرب فالأقرب إلى الواقف ، فاللازم الأخذ به ، والضابط ما أشرنا إليه مراراً من أنّ أصالة الظهور المعتمد عليها عند العقلاء أعمّ من أصالة الحقيقة ، واللازم الأخذ بها وإن كان على خلاف الحقيقة ، بل على سبيل