(الصفحة 112)
التوقيت للعالم العامد و لو لم يتمكن من العود الى الميقات اظهر من شمول الصحيحة له و عليه فالظاهر لزوم الاخذ بمقتضى تلك الروايات بالاضافة الى المورد المشكوك.
و الذي يحسم مادّة الاشكال ان صاحب الوسائل نقل في هذا الباب رواية اخرى عن الحلبي تتحد مع هذه الرواية في رواية ابن ابي عمير عن حماد و هو عن الحلبي و في المتن ايضا مع اختلاف يسير و قد وقع في سؤاله التصريح بالنسيان مكان الترك قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسى ان يحرم حتى دخل الحرم، قال: قال ابي يخرج الى ميقات اهل ارضه فان خشى ان يفوته الحج احرم من مكانه فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم(1). و مع هذه الرواية التي لا ينبغي الاشكال في اتحادها مع الاولى لا يبقى مجال لدلالة الصحيحة على الصحة في المقام كما هو ظاهر.
المقام الثاني:
انه بعد البناء على بطلان الاحرام و الحج مع العلم و العمد يجب عليه الاتيان بالحج في السنة اللاحقة اذا كان مستطيعا في هذه السنّة و تعبير المتن اولى من التعبير بالقضاء كما في اكثر العبارات فان الحج و ان كان واجبا على المستطيع فوراففورا الاّ انّ الفوريّة لا ترجع الى التوقيت و القضاء من شوؤن الواجب الموقت و قد مرّ توضيح ذلك في بعض المباحث السابقة و كيف كان فلا شبهة في وجوب الاتيان به في العام القابل مع الاستطاعة.
و امّا مع عدم الاستطاعة فالمشهور عدم وجوب القضاء خلافا للشهيد الثاني
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الرابع عشر ح ـ 1.
(الصفحة 113)
قال في محكّى المسالك: «و حيث يتعذّر رجوعه مع التعمّد يبطل نسكه و يجب عليه قضائه و ان لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب ارادة دخول الحرم فان ذلك موجب للاحرام فاذا لم يأت به وجب قضائه كالمنذور نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات و لما يدخل الحرم فلا قضاء عليه و ان اثم بتأخير الاحرام و ادّعى العلامة في التذكرة الاجماع عليه».
و يرد عليه اوّلا: ما عرفت مفصّلا من انه ليس فيما يرتبط بالميقات حكم تكليفي وجوبي متعلق بالاحرام لمن يريد الدخول في الحرم بل الحكم الثابت هو الحكم التحريمي المتعلق بالتجاوز عن الميقات من غير احرام و عليه فالاحرام رافع لموضوع الحكم و موجب لعدم تحققه و من الواضح انه مع مخالفة هذا الحكم و التجاوز عن الميقات من غير احرام مع العلم و العمد لا مجال للقضاء فان موضوعه هو الحكم الوجوبي و لا يتصور في مثل المقام.
و ثانيا: انه على تقدير كون الواجب هو الاحرام من الميقات و لكنّه لا دليل على ثبوت القضاء و وجوبه في جميع موارد فوت الواجب بل القضاء في موارد ثبوته انّما هو بامر جديد كالصلوة و الصوم و غيرهما.
و ثالثا: انه على تقدير وجوب القضاء فلا دليل على وجوب قضاء خصوص الحج لان الواجب عند الميقات هو الاحرام لا لخصوص الحج بل للاعم منه و من العمرة و لو فرض كون مورد كلام المسالك هو الاحرام للحجّ بعد التجاوز عن الميقات كما حمله عليه صاحب الجواهر من دون ان يكون له شاهد عليه فلا دليل على وجوب قضاء الحج لعدم وجوبه بالخصوص بسبب المرور على الميقات.
كما انه يرد على ذيل كلامه الوارد فيمن رجع بعد تجاوز الميقات و لم يدخل الحرم من ثبوت الاثم بتأخير الاحرام ان الرجوع كذلك يكشف عن عدم الوجوب من الاوّل فكما انه لا قضاء عليه لا يكون هناك اثم لاختصاص الوجوب بمن يريد
(الصفحة 114)
دخول الحرم و دخل نعم يتحقق التجري و يترتب عليه حكمه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لوجوب القضاء مع عدم الاستطاعة في هذه السنة.
ثمّ انّ هنا رواية يمكن ان يستفاد منها البطلان في المقام الاوّل و هي ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) قال سئلته عن رجل ترك الاحرام حتى انتهى الى الحرم فاحرم قبل ان يدخله قال ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضى (فليبين مكانه و ليقض) فان ذلك يجزيه ان شاء الله و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه اهل بلده فانه افضل.(1) فانّ مفهوم الجملة الاولى عدم الاجزاء مع عدم الجهل فان الحكم في المنطوق هو الاجزاء و قوله: فليبن... و ان كان معنى مفرداته غير معلوم و لا فرق بين النسختين في ذلك كما انه ربما احتمل ان يكون فليلبي مكان فليبن و لكنه على جميع التقادير يدل على ان الاحرام قبل دخول الحرم مع تحقق الترك في الميقات يكون صحيحا و مجزيا في صورة الجهل و مفهومه العدم مع عدمه.
ثم انّ التعرض لحكم صورة الجهل بنحو المنطوق مع كون السؤال عن مطلق الترك يؤيد ما ذكرناه في صحيحة الحلبي من وجه و ينفيه من وجه آخر امّا الجهة النافية فلاجل دلالته على عدم اختصاص الترك المغيى بغير صورة العلم و امّا الجهة المؤيّدة فكون صورة الجهل هو القدر المتيقن من هذا التعبير فتدبّر.
هذا و لكن حيث ان الرواية ضعيفة سندا بعبد الله بن الحسن حفيد على بن
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الرابع عشر ح ـ 10.
(الصفحة 115)مسألة 5 ـ لو كان مريضا و لم يتمكن من نزع اللّباس و لبس الثوبين يجزيه النيّةو التلبية فاذا زال العذر نزعه و لبسهما و لا يجب عليه العود الى الميقات1.
جعفر و دلالة لاشتمال ذيلها على عدم لزوم الرجوع الى الميقات مع التمكن منه غايته انه افضل مع ان الظاهر اللزوم في مورد الجاهل و الناسى ايضا كما سيأتي فلا مجال للاعتماد عليها بوجه.
1 ـ المفروض في هذه المسئلة ما اذا كان المريض قادرا على انشاءاصل الاحرام في الميقات بالنية و التّلبية و لكنه لم يتمكن من نزع اللباس و لبس ثوبى الاحرام و عليه فالظاهر ان المراد من قوله في المتن: يجزيه التلبية و الاحرام هو لزوم الاتيان بهما لا مجرد الاكتفاء كما ان الظاهر هو وجوب لبسهما بعد زوال العذر و انتفاء المرض و عدم لزوم العود الى الميقات و الاصل في هذه المسئلة ما حكى عن الشيخ (قدس سره) في النّهاية حيث قال: من عرض له مانع من الاحرام جاز له ان يؤخره عن الميقات فاذا زال المانع احرم من الموضع الذي انتهى اليه.
و عن ابن ادريس ان مقصوده تأخير كيفية الاحرام الظاهرة من نزع الثيابو كشف الرأس و الارتداء و التوشيح و الائتزار فامّا النيّة و التلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك اذ لا مانع له يمنع ذلك و لا ضرورة و لا تقيّة، و ان اراد و قصدشيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الاحرام متعمدا من موضعه فيؤدّى الى ابطال حجّه بلا خلاف. و تبعه على ذلك العلاّمة في كثير من كتبه.
اقول البحث في المسئلة تارة يقع فيما هو مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة و اخرى مع ملاحظتها فنقول: امّا من الجهة الاولى: فالظاهر ان مقتضى القاعدة هو ما افاده في المتن من لزوم الاتيان بالنية و التلبية اللتين يتركب منهما الاحرام و يتقوم بهما كما سيأتى البحث فيه عن قريب انشاء الله تعالى و امّا لبس الثوبين فهو من واجبات الاحرام و غير دخيل في حقيقته فاذا لم يتمكن منه
(الصفحة 116)
لاجل المرض يرتفع وجوبه و مع زواله يجب اللبسّ اذا قلنا بلزوم لبسهما بقاء ايضاكالحدوث و عليه فلا مجال للزوم العود الى الميقات بعد تحقق الاحرام منه صحيحا كما هو ظاهر.
و امّا من الجهة الثانية: فمن الروايات:
مرسلة ابي شعيب المحاملى عن بعض اصحابنا عن احدهما (عليه السلام) قال: اذاخاف الرجل على نفسه اخرّ احرامه الى الحرم(1). و ظاهرها تأخير نفس الاحرام و مجموعه عند خوف الرجل على نفسه الشامل للخوف الناشى عن المرض و الناشى عن التقية كما لا يخفى و لكنّها باعتبار الارسال لا تكون معتبرة بوجه.
و منها: صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة في بعض المسائل السابقة المشتملة على كتابته (عليه السلام) في الجواب: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقّت المواقيت لاهلها و من اتى عليها من غير اهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوزالميقات الاّ من علّة(2). و هذه ظاهرة في الترخيص في ترك اصل الاحرام لمن كانت به علةو مرض و لا مجال لاحتمال كون الترخيص مربوطا بعدم لبس ثوبي الاحرام بعد ان كانت الرواية مسوقة سؤالا و جوابا لبيان اصل الاحرام و انشائه و احداثه فظهورها في جواز الترك بسبب مجرد العلة و المرض لا ينبغي ان ينكر و دعوى ان المراد بالعلة هي العلة المانعة عن انشاء الاحرام و ايجاد اصله يدفعها وضوح خلافها و ظهور فسادها خصوصا مع ملاحظة كون العلة الكذائية قليلة التحقق و العروض.
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السادس عشر ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الخامس عشر ح ـ 1.