(الصفحة 201)
و امّا الروايات الواردة في التلبية فعلى طائفتين:
طائفة منها تدل على لزوم تأخير التلبية الى البيداء و هي كثيرة:
منها: صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال اذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش(1).
و منها: صحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول:
ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن يلبّي حتى يأتي البيداء(2).
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: صلّ المكتوبة ثم احرم بالحج او بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد الى اوّل البيداء الى اوّل ميل عن يسارك فاذا استوت بك الارض راكبا كنت او ماشيا فلبّ الحديث(3). و هذه الرواية ظاهرة الدلالة على التفكيك بين الاحرام و بين التلبية و ان الاوّل يقع في المسجد و الثاني في البيداء.
و منها: صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطى قال: سئلت ابا الحسن الرّضا (عليه السلام) كيف اصنع اذا اردت الاحرام قال: اعقد الاحرام في دبر الفريضة حتى اذا استوت بك البيداء فلبّ، قلت ارأيت اذا كنت محرما من طريق العراق قال: لبّ اذا استوى بك بعيرك(4).
و منها: رواية على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال سئلته عن الاحرام عند الشجرة هل يحلّ لمن احرم عندها ان لا يلبّي حتى يعلو البيداء؟
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 4.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 5.
- 3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 6.
- 4 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 7.
(الصفحة 202)
قال: لا يلبّي حتى يأتي البيداء عند اوّل ميل فامّا عند الشجرة فلا يجوز التلبية(1).
و منها: صحيحة الفضلاء حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حمّاد بن عثمان و الحلبي جميعا عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال اذا صليت في مسجد الشجرة فقل و انت قاعد في دبر الصلوة قبل ان تقوم ما يقول المحرم ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوى بك البيداء فاذا استوت بك فلبّه(2). و في مقابلها روايات متعددة ظاهرة في خلافها:
منها: صحيحة عبد الله بن سنان انه سئل ابا عبد الله (عليه السلام) هل يجوز للمتمتع بالعمرة الى الحجّ ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة فقال: نعم انّما لبّي النبيّ (صلى الله عليه وآله) في البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فاحبّ ان يعلّمهم كيف التلبية(3). و سؤالها يدل على مفروغية اصل الاتيان بالتلبية في مسجد الشجرة و انّما كان محطّ السؤال هو اظهارها فيه و الجواب يدل على الجواز ثم دفع الامام (عليه السلام) توهّم انه مع الجواز لم اخرّ النبي (صلى الله عليه وآله) التلبية الى البيداء بان الوجه في ذلك هو تعليم الناس التلبية و صورتها لانهم لم يكونوا يعرفونها و لكن هذا يدل على جواز التأخير عن مسجد الشجرة لان الظاهر ان الناس بعد تعلمهم التلبية من النبي (صلى الله عليه وآله) لم يرجعوا الى مسجد الشجرة للاتيان بها فيه بل لبّوا في نفس ذلك المكان و هو البيداء فيدل على التفكيك بين عقد الاحرام و بين التلبية.
ثمّ ان الظاهر ان الوجه في تأخير النبي (صلى الله عليه وآله) التعليم الى التلبية و عدم تصديه له في مسجد الشجرة هو كثرة المؤمنين الذين ارادوا الحج معه المانعة من تحققه في المسجد و ما حوله و يمكن ان يكون الوجه افضلية التأخير الى البيداء.
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 8.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 2.
(الصفحة 203)
و منها: مؤثقة اسحاق بن عمّار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال قلت له: اذااحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبّي حين ينهض به بعيره او جالسا في دبر الصلوة قال: اىّ ذلك شاء صنع(1). و هذه الرواية لا تختصّ بمسجد الشجرة بل تشمل غيره ايضا و لكن دلالتها على جواز الاتيان بالتلبية بمجرد الاحرام في محلّه واضحة ظاهرة.
و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال ان كنت ماشيا فاجهر باهلالك و تلبيتك من المسجد، و ان كنت راكبا فاذا علت بك راحلتك البيداء(2). و التفصيل في الرواية انّما هو بالاضافة الى الاجهار الذي لا يراد به الاّ الاجهاربالنسبة الى التلبية فقط لا هي مع النية التي تلفظ بها فتدلّ على جواز اصل الاتيان بالتلبية في المسجد مطلقا.
هذا و قبل ملاحظة وجوه الجمع بين الطائفتين لا بد من التنبيه على امرين:
الامر الاوّل: ان المنسوب الى المشهور عدم اعتبار مقارنة التلبية للنيّة و انه يجوزالفصل بينهما فاذا نوى الحج او العمرة و لبس الثوبين ـ مثلا ـ لا يجب عليه الاتيان بالتلبية فورا بل يجوز الفصل بينهما و لو بمثل ساعة او ساعتين او اكثر.
الامر الثاني: انه لا شبهة في ان محلّ الاشعار او التقليد في حج القران انّما هوخارج المسجد لانه لا معني للاشعار فيه و كذا التقليد و عليه فكونهما بمنزلة التلبية و الاكتفاء بهما عنها كما دلّت عليه الروايات المتقدمة يقتضي جواز وقوع التلبية في خارج المسجد لانه مقتضي التنزيل.
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 4.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 1.
(الصفحة 204)
اذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام يقع في مقامين:
المقام الاوّل: في جواز الاتيان بالتلبية في مسجد الشجرة في مقابل عدم جوازالتلبية فيه مطلقا و لا ينبغي الارتياب في ثبوت الجواز لانه يدل عليه ـ مضافا الى الطائفة الثانية ـ السيرة القطعية من المتشرعة اعم من الشيعي و غيره فانّ استمرارعملهم على التلبية من المسجد و ارتكاز الجواز عندهم غير قابل للانكار مضافا الى اجماع الفقهاء و تسالمهم على الجواز بل لعلّه من ضروريات الفقه و الى ادلة المواقيت الدالة على توقيتها و عدم جواز التجاوز عنها بغير احرام فلا شبهة ـ ح ـ في اصل الجواز.
المقام الثاني: في جواز التأخير عن مسجد الشجرة الى البيداء و عدمه و في هذا المقام لا بد من علاج الطائفة الاولى الظاهرة في لزوم التأخير بينما تكون الطائفة الثانية ظاهرة في عدم اللّزوم و قد جمع بينهما بوجوه:
منها: ما قربه سيد المستمسك (قدس سره) من حمل الطائفة الاولى على استحباب تأخير التلبية المستحبّة بعد عقد الاحرام و الاتيان بالتلبية الواجبة لا تأخير التلبية التي بها عقد الاحرام.
و يرد عليه ـ مضافا الى انه خلاف مبناه في ماهية الاحرام فانها عنده كانت عبارة عن مجرد الالتزام النفساني و التعهد القلبي بالاضافة الى ترك المحرمات المعهودة من دون ان تكون التلبية دخيلة في ماهية الاحرام بوجه و عليه فلا مانع من تأخيرها عن مسجد الشجرة و لا يلزم محذور تأخير الاحرام عن الميقات بوجه ـ انّ هذا الوجه لا يلائم ظاهر الروايات الدالة على المنع عن الاتيان بالتلبية في مسجد الشجرة و ان اصل التلبية لا بد و ان يؤتي به في غيره بل قد عرفت ان الرواية المبيّنة لعلّة تأخير النبي (صلى الله عليه وآله) التلبية الى البيداء ظاهرة في وقوع التلبية الواجبة من الناس في البيداء لانهم لم يكونوا يعرفونها و قد عرفت انّ ظاهر روايته عدم رجوع الناس الى مسجد الشجرة للاتيان بالتلبية و عليه فلا مجال لهذا الوجه بوجه.
(الصفحة 205)
و منها: ما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) الميل اليه و اختاره جماعة من ان المرادمن اخبار تأخير التلبية الى البيداء تأخير الجهر بها لا اصل التلفظ بها و حكى عن العلامة في المنتهى الجزم بذلك في مقام الجمع بينها و بين ما دل من النصوص على عدم تجاوز الميقات الاّ محرما لان الفرض ان بين البيداء و ذى الحليفة الذي هوالميقات ميلا.
و يرد عليه انه ليس في شىء من اخبار التأخير اشعار بتأخير الاجهار و ما وقع فيه التعرض للجهر قد صرّح اوّلا بالاجهار بالاهلال و التلبية من المسجد كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة فلا مجال لهذا الوجه ايضا.
و منها: ما ذكره بعض الاعلام (قدس سره) في شرحه على العروة مما يرجع حاصله الى انّ ادلة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا احرام مطلقة من حيث عدم حصول الاحرام منه اصلا و رأسا و من حيث تحقق الاحرام بعد مكان قليل و زمان يسير و عليه فلا مانع من تقييد اطلاقها بالروايات الدالة على جواز تأخير التلبيةو الاحرام الى البيداء فيختص المنع و النهى بخصوص الصورة الاولى و حيث ان الاحرام من الميقات جائز قطعا كما عرفت فتحمل هذه الروايات على الافضليّة.
و يرد عليه: انّ اخبار تأخير التلبية مفادها تأخير التلبية عن مسجد الشجرة و التفكيك بينه و بين عقد الاحرام الواقع في المسجد ففي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة التصريح بقوله: احرم بالحج او بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد الى اوّل البيداء و كذا في غيرها و ـ ح ـ ان كان مراده تأخير الاحرام الذي تكون مدخلية النية فيه امرا ضروريّا لا مجال للارتياب فيه، فيرد عليه مضافا الى ان ذلك لا يجتمع مع توقيت مسجد الشجرة و جعله ميقاتا لانه لا يترتب على كونه ميقاتا اثر اصلا بل المناسب ـ ح ـ جعل البيداء ميقاتا و لا اقل من جعلهما معا كذلك لعدم الفرق في جواز الاحرام بين مسجد الشجرة و البيداء اصلا. و ان كان مراده تأخير