(الصفحة 68)
يكون ميقاته ميقات اهل مكة من دون فرق بين المتوطن و غيره غاية الامر ثبوت الاحتياط الاستحبابي بالاضافة الى الاحرام من الجعرانة و ان المجاور غير المنتقل لا بد و ان يحرم من الجعرانة و لا يجوز له الاحرام من مكّة لحج القران او الافراد.
و يدل على كون المجاور الاوّل ميقاته مكة ما دلّ على ان اهل مكة يحرمون منها فان الملاك كون المنزل دون الميقات او كونه خلف الجحفة و من الواضح عدم اختصاص عنوان المنزل بمن كان المحلّ وطنا اصليّا له بل يشمل المقيم و المجاور فانّ منزله ايضا كذلك فادلة ميقات اهل مكة تشمل المجاور و لا تختص بهم.
نعم ما ذكرناه اخيرا من ان عدم تعرض الروايات سؤالا و جوابا لميقات اهل مكة صريحا قرينة مفيدة للاطمينان يكون حكمهم واضحا لا يحتاج الى التعرض و البيان لا يجرى في المجاور بل يختص باهل مكّة كما هو ظاهر.
لكن ورد في ميقات المجاور روايتان هما منشأ الاحتياط المذكور في المتنو العروة و هو الاحتياط بالاحرام من الجعرانة و لا بد من ايرادهما و البحث في مفادهما فنقول:
الرواية الاولى: رواية ابى الفضل قال كنت مجاورا بمكّة فسئلت ابا عبد الله ـ عليه السلام ـ من اين احرم بالحج؟ فقال من حيث احرم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الجعرانة اتاه في ذلك المكان فتوح: فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت متى اخرج قال اذا كنت صرورة فاذا مضى من ذى الحجة يوم، فاذا كنت قد حججت قبل ذلك فاذا مضى من الشهر خمس(1). و قد استظهر العلامة المجلسى (قدس سره) في «المرآت» كون الرواية صحيحة و ان
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 6.
(الصفحة 69)
ابا الفضل هو سالم الحناط و يؤيده رواية صفوان عنه كثيرا و روايته عن الصادق (عليه السلام) مع ان المحكى عن الحدائق ذكر سالم الحناط عقيب ابى الفضل في نقل الرواية و كيف كان فالظاهر انه لا تنبغى المناقشة في صحة سندها.
و امّا متنها فالظاهر ان خيبر مصحف حنين و لعلّه لاجل كون كتابة «نون» بالخط المنكسر يشبه كتابة «الراء» و يدلّ على التصحيف التصريح بحنين في جملة من الروايات الواردة في عمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) و لكنه ذكر المجلسى في الكتاب المزبور انه على ما في الكتاب ـ يعنى ثبوت خيبر ـ لعلّ المراد ان فتح خيبر وقع بعد الرجوع من الحديبية و هى قريبة من الجعرانة او حكمها حكم الجعرانة في كونها من حدود الحرم. و لكنه كما ترى.
و كيف كان فالسؤال في الصحيحة مطلق شامل للمتوطن و المجاور الذى انتقل فرضه و المجاور غيره و دعوى عدم شمولها للمتوطن مدفوعة بان استعمال المتوطن في مقابل المجاور انّما هو اصطلاح فقهى لا يرتبط بما هو المفهوم من المجاور عند العرف و لعلّ صدقه على المتوطن ـ اى الذى لم يكن من اهل مكة و لكن اتخذها وطنا له دائما ـ اظهر من صدقه على المجاور الموقت كما ان دعوى ان القدر المتيقن منه هو المجاور الذى لم ينتقل فرضه كما ادعاها السيد (قدس سره)في العروة واضحة المنع فان ثبوت القدر المتيقن انّما هو في كلّ اطلاق لان كل اطلاق له افراد ظاهرة و تكون هي القدر المتيقن منه مع انك عرفت منع الصغرى ايضا فان القدر المتيقن من المجاور هو المجاور غير الموقت.
و امّا ما في ذيل الرواية من التفصيل بين الصرورة و غيره من جهة زمان الاحرام و الخروج الى الجعرانة فمحمول على الاستحباب لعدم لزوم الخروج بمجرد مضي يوم من ذى الحجة او خمس منه كما هو ظاهر.
و كيف كان فظاهر الرواية لزوم خروج المجاور مطلقا الى الجعرانة و الاحرام
(الصفحة 70)
منها لحج القران او الافراد.
الرواية الثانية: صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج قال قلت لابى عبد الله ـ عليه السلام ـ انّى اريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟ فقال: اذا رأيت الهلال هلال ذى الحجة فاخرج الى الجعرانة فاحرم منها بالحج (الى ان قال) ان سفيان فقيهكم اتانى فقال: ما يحملك على ان تأمر اصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ قلت له: هو وقت من مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: و اىّ وقت من مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو؟ فقلت: احرم منها حين قسّم غنائم حنين و مرجعه من الطائف فقال:
انّما هذا شىء اخذته عن عبد الله بن عمر كان اذا رأى الهلال صاح بالحج فقلت:
اليس قد كان عندكم مرضيّا؟ فقال بلى و لكن اما علمت ان اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) احرموا من المسجد فقلت: انّ اولئك كانوا متمتعين في اعناقهم الدّماء و ان هؤلاء قطنوا مكّة فصاروا كانّهم من اهل مكّة و اهل مكّة لا متعة لهم فاحببت ان يخرجوا من مكّة الى بعض المواقيت و ان يستغبوا به ايّاما فقال لى و انا اخبره انها وقت من مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا با عبد الله فانّى ارى لك ان لا تفعل فضحكت و قلت و لكنى ارى لهم ان يفعلوا (الحديث)(1). قال في «المرآت» قوله (عليه السلام)و ان يستغبوا به اي يهجروا و يتأخروا مجازا قال في النهاية فيه «زرغبّا تزدد حبّا» الغبّ من اوراد الابل ان ترد الماء يوما و تدعه يوما ثم تعود فنقله الى الزيارة و ان جاء بعد ايام يقال: غب الرجل اذا جاء زائرا بعدايام و قال الحسن في كل اسبوع.
و ظاهر السؤال و ان كان مطلق الجوار بل القدر المتيقن منه هو المجاور الذى لم ينتقل فرضه و لعلّه المنشأ لدعوى السيد (قدس سره) في العروة وجود هذا القدر المتيقن الاّ
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب التاسع ح ـ 5.
(الصفحة 71)
ان الجواب بملاحظة قوله (عليه السلام) ان هؤلاء قطنوا مكة... ظاهر في ان المراد هو المجاورالذى صار كاهل مكة في وجوب القران او الافراد عليه و ـ ح ـ لا مجال لدعوى الاطلاق في السؤال فضلا عن كون القدر المتيقن المجاور الذى لم ينقلب فرضه كما ان ظاهر صدر الجواب و ان كان هو وجوب الخروج من مكة الى الجعرانة للاحرام الاّ ان قوله (عليه السلام) في الذيل فاحببت ان يخرجوا... لا يلائم الوجوب كما ان قوله (عليه السلام) بعد ذلك ارى لهم ان يفعلوا مكان عليهم ان يفعلوا يلائم الاستحباب فربما يصير الذيل قرينة على عدم كون المراد بالصدر هو الوجوب خصوصا مع اقترانه بكون الزمان بعد رؤية هلال ذى الحجة مع انه ليس بواجب قطعا ضرورة جواز الخروج في اليوم الثاني و الثالث و هكذا الى زمان ادراك الوقوف بعد الاحرام من الجعرانة و عليه فربما تصير هذه الرواية قرينة على التصرف في الرواية الاولى فيتمّ ما في المتن من كون الاحتياط في الخروج الى الجعرانة استحبابيّا لا وجوبيّا.
و في هذه الرّواية اشكال آخر و هو دلالتها على ان كل من لا متعة له يخرج الى الجعرانة مع ان اهل مكّة لا يجب عليهم الخروج اليها ـ كما ان في الروايتين اشكالا مهمّا نتعرض له بعد التعرض لحكم المجاور الذي لم ينتقل فرضه و الظاهر انه لا اشكال في ان حكمه الخروج الى الجعرانة و الاحرام منها و يدل عليه مثل صحيحة سماعة بن مهران عن ابى عبد الله (عليه السلام) انه قال: من حجّ معتمرا في شوال و من نيّته ان يعتمر و يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك و ان هو اقام الى الحج فهو يتمتع لان اشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة فمن اعتمر فيهن و اقام الى الحج فهى متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهى عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان او قبله و اقام الى الحج فليس بمتمتع و انما هو مجاور افرد العمرة، فان هو احبّه ان يتمتع في اشهر الحج بالعمرة الى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق او يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة (بعمرة) الى الحج، فان هو احبّ ان يفرد الحج فليخرج الى
(الصفحة 72)
الجعرانة فيلبى منها(1). و ظهور ذيلها في وجوب خروج المجاور الذي لم ينتقل فرضه لان المفروض فيهاالمجاورة من شهر رمضان او شعبان او رجب مثلا الى الجعرانة للاحرام منها واضح نعم لا بد من الالتفات الى ان ذلك بالاضافة الى حج الافراد الذي لا فرق بينه و بين حج القران و امّا المجاور المتمتع فلا بد له ان يخرج لاحرام عمرته الى احد المواقيت كما ان احرام حجّه من مكة على ما عرفت و امّا الاشكال المهمّ الذى اشرنا اليه فهو ان الروايتين المتقدمتين قد دلتا على ان الجعرانة وقت من مواقيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) و انه احرم منها الرسول الاعظم مع ان احرامه منها كان بعد رجوعه عن الطائف بعنوان العمرة المفردة فلا ملائمة بحسب الظاهر بين كون احرامه (صلى الله عليه وآله) منها للعمرة المفردة و بين وجوب الاحرام منها للحج في القران او الافراد بالاضافة الى المجاور مطلقا او في الجملة مع ان الجعرانة احد مواضع ادنى الحلّ و قد احرم الرسول (صلى الله عليه وآله) من الحديبية ايضا و هى ايضا من تلك المواضع فاية مناسبة بين تعيّن وجوب الاحرام منها للحج في المورد المذكور و بين كون احرامه (صلى الله عليه وآله) للعمرة المفردة و عدم تعيّنها لاحرام العمرة و جوازه من سائر المواضع المزبورة.
كما انه يرد على الاصحاب و الفقهاء ـ رض ـ ان اكثرهم مع التعرض لجميع المواقيت حتى عدوّها عشرة و ذكروا من جملتها الفخّ للصبيان مع انه محل خلاف لوقوع الاختلاف في ان احرام الصبيان هل يكون شروعه منه او يكون التجريدفيه و شروع الاحرام من سائر المواقيت كيف لم يذكروا الجعرانة بعنوان ميقات الحج اصلا مع انه لا شبهة في كونه ميقاتا لحج القران و الافراد تعينا بالاضافة الى
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب العاشر ح ـ 2.