(الصفحة 103)
ارشادى الى شرطية الاحرام من الميقات فى صحة النسك حجّا او عمرة فلا تكون مخالفته مستوجبة للاثم».
و ذلك لما عرفت من ان الامر بالاحرام من الميقات و ان كان كذلك الاّ ان النهى عن التجاوز عن الميقات من دون احرام امر آخر لا يرتبط بذلك و ليس متعلقه عبادة و لا معاملة و تتحقق مخالفته بالتجاوز عن الميقات بدونه سواء احرم بعده ام لم يحرم اصلا.
ثم انّ هنا عنوانين آخرين يكون ظاهر النصوص الواردة فيهما تعلق النهى الذاتى بهما سواء قلنا بثبوت الحكمين أم قلنا برجوعها الى حكم واحد و هما عنوان الدخول فى الحرم بغير احرام و ثانيهما عنوان الدخول في مكة كذلك و لا باس بالتعرض لهما لارتباطه بذيل المسئلة المذكورة في المتن ايضا.
فنقول قد ورد فيهما روايات و لكن نقتصر منها على روايتين:
احديهما صحيحة عاصم بن حميد قال قلت لابى عبد الله (عليه السلام) يدخل الحرم احد الاّ محرما؟ قال لا الاّ مريض او مبطون(1).
ثانيتهما صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت ابا جعفر (عليه السلام) هل يدخل الرجل مكة بغير احرام قال: لا الا مريضا او من بطن(2). ثم ان المحكّى عن جماعة من الاصحاب، كالعلامة في التذكرة و صاحب الجامعو كاشف اللثام و النراقى في المستند استظهار ثبوت حكمين او الميل اليه و حكى عن المدارك انه قال: قد اجمع العلماء على ان من مرّ على الميقات و هو لا يريد دخول مكّة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه الاحرام. و ظاهره ثبوت حكم واحد متعلق
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخمسون ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخمسون ح ـ 4.
(الصفحة 104)
بدخول مكة.
و قد ذكر بعض الاعلام ـ قدس سره الشريف ـ ما ملخّصه انّ التأمل في الطائفتين من الروايات يقضى بوجوب الاحرام لدخول مكّة فقط و حمل اخبار الحرم على مريد الدخول الى مكّة لان جعل الحكمين معا يستلزم اللغوية لان الحكم بوجوب الاحرام لو كان مختصّا بمن كان داخل الحرم لامكن جعل الحكمين معا في حقّه الاّ ان مقتضي بعض الروايات ثبوت هذا الحكم لعامّة المسلمين و عدم اختصاصه بطائفة دون اخرى فلا يمكن تخصيص الحكم بداخل الحرم و عليه فجعل الحكمين معا يصبح لغوا لانه لو وجب الاحرام لدخول الحرم فانّما هو لاداء المناسك ضرورة ان مجرد الاحرام بدون الاعمال لا يحتمل وجوبه و من الواضح ان مكة المكرمة محاطة بالحرم فاذا دخل الحرم محرما لاداء المناسك فجعل وجوب الاحرام الثاني لدخول مكة لغو لا اثر له.
و يرد عليه مضافا الى عدم كون الحرم محاطا بمكة في هذه الازمنة لان النسبة بينهما عموم من وجه لوقوع مسجد التنعيم الذي هو ادني الحلّ في داخل مكة و قد مرّ انه ليس المراد من مكّة ما كان في زمن صدور الروايات بل يشمل الدور و الابنية الجديدة الكثيرة الموجبة لاتسّاعها جدّا بحيث يكون الفصل بين بعض محلاّتهاو المسجد الحرام ازيد من فرسخين.
انّه على تقدير كون النسبة عموما مطلقا و كون الحرم محيطا بمكة تظهر ثمرة الحكمين فيمن يريد الدخول الى الحرم من دون ان يريد الدخول الى مكّة فاللازم على تقدير التعدد لزوم الاحرام بالاضافة اليه.
و الظاهر ان منشأ الكلام المزبور تخيل ان الحكم الثابت في المقام هو الحكم الوجوبى المتعلّق بالاحرام لدخول الحرم او مكّة كما وقع التعبير به في الكلمات و قد مرّ سابقا ان صاحب المدارك وجّهه بالوجوب المقدمى الذي لازمه الانحصار
(الصفحة 105)
بصورة وجوب الدخول للاتيان بالمناسك لعدم وجوب المقدمة مع عدم وجوب ذيها كما انه قد سبق ان بعض الاعلام فسرّ الوجوب بالوجوب الشرطي الذي مرجعه الى شرطية الاحرام لصحة الافعال و المناسك و عدم صحتها بدونه كالوضوء بالاضافة الى صلوة الليل ـ مثلا ـ و قد تبع في ذلك صاحب الجواهر (قدس سره).
و الحق انه ليس في المقام حكم وجوبي متعلق بالاحرام اصلا بل الثابت انماهو الحكم التحريمى النفسي المتعلق بالدخول من غير احرام و مدخلية الاحرام انّما هى لاجل ان وجوده يمنع عن تحقق متعلق النهى لانه معه لا يتحقق الدخول بغير احرام فهو رافع للحرمة و مانع عن تحقق متعلقه نظير الوضوء بالاضافة الى مسّ كتابة المصحف الموجب للتخلّص عن الحرمة و ارتفاعها به و عليه فلا يبقى مجال لرفع اليد عن ظاهر الروايات الدال على ثبوت حكمين تعلق احدهما بالدخول في الحرم بغير احرام و الثاني بالدخول في مكة كذلك خصوصا اذا قلنا بما احتمله صاحب الجواهر في صدر كلامه من انه ان لم يكن اجماع على عدم كون الاحرام عبادة مستقلة و يلزم ان يكون امّا بحج او عمرة امكن الاستناد في مشروعية نفسه الى اطلاق الادلة في المقام و غيرها و كونه جزء منهما لا ينافي مشروعيته في نفسه فانه ـ ح ـ يكون ثبوت الحكمين ظاهرا لكنه رجع عنه في ذيل كلامه و قال يمكن بعد التأمّل في النصوص استفادة القطع بتوقف الاحلال من الاحرام في غير المصدود و نحوه ممّا دل عليه الدليل على اتمام النسك و ليس هو الا افعال عمرة او حجة.
لكن ما ذكرناه من التعدد لا يبتني على الاحتمال المذكور بل منشأه ما ذكرنامن كون الحكم حكما تحريميّا ذاتيّا منشأه رفعة شأن الحرم و مقام مكة نعم لا بد بعد الاحرام من الاتمام بالدخول في مكة و الطواف و السعي و غيرهما كمالا يخفى.
(الصفحة 106)
الجهة الثانية:
اذا كان في طريقه الى مكة ميقاتان كطريق المدينة اليها المشتمل على مسجدالشجرة و الجحفة ففيه بحثان:
احدهما: الحكم الوضعى المتعلق بالاحرام من جهة الصحة و البطلان و قد مرّالبحث عنه في بعض المسائل السّابقة و ان المشهور شهرة عظيمة هو عدم جواز التأخير عن الميقات الاوّل الاّ مع الضرورة لمرض او ضعف او غيرهما من الاعذارو تقدم ما ورد فيه من الرّوايات.
ثانيهما: الحكم التكليفي التحريمي الذاتي المتعلق بالتجاوز عن الميقات بغير احرام و الظاهر ان مقتضى اطلاق الروايات الناهية عدم جواز التجاوز عن الميقات الاوّل من دون احرام لانه مع التجاوز عنه يصدق انه جاوز الميقات من غير احرام و ان احرم من الميقات الثاني فانّ الاثبات بالاضافة اليه لا ينافي النفي بالنسبة الى الاوّل نعم في بعض الروايات المتقدمة استثناء صورة العلة من عدم الجواز هنا ايضا و الانصاف وقوع الخلط بين الحكمين في الكلمات التي منها المتن فتدبّر.
الجهة الثالثة:
في المحاذي و فيه بحثان ايضا:
احدهما: الحكم التكليفي التحريمي المتعلق بالتجاوز عن المحاذي بلا احرام كالتجاوز عن الميقات و الظاهر انه لا دليل على هذا الحكم لان ما ورد ممّا يدل على المنع عن التجاوز عن الميقات لا يشمل التجاوز عن المحاذي بوجه و الروايات الواردة في المحاذاة و مشروعية الاحرام من المحاذي غايتها الدلالة على لزوم الاحرام
(الصفحة 107)
منه الذي يكون مرجعه الى شرطية الاحرام منه في صحته بالاضافة الى من يمرّ في طريقه اليه و امّا حرمة التجاوز عنه من غير احرام بالحرمة الذاتية فلا دلالة لها عليها.
و بعبارة اخرى غاية ما يستفاد منها كون المحاذي بمنزلة الميقات في صحة الاحرام منه بل لزومه و امّا ترتب جميع احكام الميقات التي منها حرمة التجاوز بلا احرام فلا يستفاد منها بوجه و عليه فكما انه لا مجال للفتوى بالحرمة الذاتية كذلك لا يبقى مجال للاحتياط الوجوبي الذي يدلّ عليه المتن و ان كان قد عرفت وقوع الخلط فيه بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي كما في سائر العبارات.
ثانيهما: الحكم الوضعى المتعلق بالاحرام من المحاذي لا اشكال بمقتضي ماذكرنا في بحث المحاذاة في مشروعية الاحرام من المحاذي و صحته مع رعاية الخصوصيات المعتبرة في المحاذاة العرفية التي تكلمنا فيها و قد مر ايضا عدم اختصاص الحكم بخصوص محاذي مسجد الشجرة بل يشمل المحاذي لساير المواقيت ايضا انما الاشكال في انه هل يتعين الاحرام من المحاذى و ان كان امامه ميقات آخر أو يجوز له تأخير الاحرام الى الميقات ربما يقال بالاوّل نظرا الى ان قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدمة: فاذا كان حذاء الشجرة و البيداء ستة اميال فليحرم منها، ظاهر في تعين الاحرام من المحاذي مع وجود الجحفة امامه و لكن يمكن ان يقال بانّه حيث كان الامر بالاحرام من المحاذي في مقام توهم الحظر لان المعهود بلحاظ توقيت الرسول (صلى الله عليه وآله) مواقيت خاصة هو تعين الاحرام من نفس تلك المواقيت دون غيرها فالامر بالاحرام من المحاذي لا يكون ظاهرا في التعين بل غاية مدلوله مجرد المشروعية و الصحة و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط بعدم تأخير الاحرام عن المحاذي و ان كان امامه ميقات آخر.