(الصفحة 370)
لا شيء عليه اذا لم يكن غير النظر(1). و يجري ما ذكره صاحب الجواهر من حمل نفي الشىء عليه على الكفارة من دون ان يرد عليه ما اوردناه عليه في حمل الموثقة و يمكن ان يقال بدلالته على جواز النظر مطلقا و اطلاقه يقيد بما يدل على حرمته اذا كان بشهوة و دعوى كون النظر الى الفرج المذكور في الرواية ملازما للشهوة مدفوعة بمنع ذلك و عدم كون الغلبة موجبة للانصراف كما حقق في محلّه و عليه فاللازم هو الالتزام بما هو المشهور من الحكم بحرمة النظر اذا كان بشهوة دون ما اذا لم يكن كذلك هذا كلّه في النّظر بشهوة الى الزوجة او الامة.
و امّا النظر بشهوة الى غيرهما فقد ذكر صاحب المدارك في شرح عبارة الشرايع التي هي مطلقة خالية عن الاضافة الى الزوجة كعبارة الماتن ـ قدس سره الشريف ـ ما هذا لفظه: «قال الشارح ـ يعني صاحب المسالك (قدس سره) و لا فرق في ذلك ـ يعني تحريم النظر بشهوة ـ بين الزوجة و الاجنبيّة بالنّسبة الى النظرة الاولى ان جوّزناهاو الاّ فالحكم مخصوص بالزوجة، و كان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر الى الاجنبيّة على هذا التقدير و عدم اختصاصه بحالة الشهوة و هو جيّد الاّ ان ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الاحرامى بما كان بالشهوة كما اطلقه المصنّف ـ رحمه الله ـ ». و قد تبعه في عدم المنافاة المذكور في ذيل كلامه صاحب الجواهر (قدس سره) و ان كان صاحبا كشف اللثام و الحدائق قد تبعا الشهيد في الاطلاق بالاضافة الى الاجنبيّة و انه لا فرق في حرمة النظر اليها في حال الاحرام بين صورة كونه بشهوةو عدم كونه كذلك.
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح ـ 4.
(الصفحة 371)
اقول هنا مطلبان:
احدهما: ان المستفاد من هذه الكلمات و كذا صريح كلام الجواهر ان عدم الفرق بين الزوجة و الامة و بين كل امرأة يجوز النظر اليها في غير حال الاحرام كالامة التي يريد ابتياعها و المرأة المخطوبة التي يريد تزويجها و الاجنبيّة بالاضافة الى النظرة الاولى على تقدير جوازها امر مسلّم و انّ الجميع مشترك في التفصيل الموجود في الزوجة بين صورة الشهوة و صورة عدمها من دون ترديد.
مع انك عرفت ان مورد الروايات امّا الزوجة او هي مع الامة المملوكة للمحرم و مجرد اشتراكهما مع المذكورات في جواز النظر في غير حال الاحرام لا يوجب الاشتراك في الحرمة الاحرامية فمن الممكن ان لا يكون النظر الى الاجنبيّة في حال الاحرام محرّما من جهة الاحرام بوجه و ان كان محرّما في نفسه و لذا نقول حيث ان مورد الروايات الرجل المحرم الّذي ينظر الى زوجته او امته لا مجال لدعوى تعميم الحكم بالاضافة الى المرئة المحرمة اذا نظرت الى زوجهابشهوة و كذا الامة المحرمة اذا نظرت الى مولاها كذلك لعدم الدليل على الغاء الخصوصية و عدم الاحاطة بالملاك اصلا و بالجملة فهذه الجهة التي هي كالمسلّمة بينهم لم ينهض عليها دليل اصلا.
ثانيهما: في الاجنبية التي لا يجوز النظر اليها في غير حال الاحرام من دون فرق بين ما اذا كان بشهوة و ما اذا لم يكن كذلك فهل الحرمة الاحراميّة المتعلّقة بالنظر اليها مختصة بما اذا كان بشهوة كالزوجة او تعم صورة عدم الشهوة أيضا، و البحث فيها انّما هو بعد الفراغ عن ثبوت حرمة احرامية بالاضافة اليها و ذلك لوجود بعض الروايات الدالة على ذلك و لولاها لكان مقتضى القاعدة نفى هذا الحكم رأسا لما عرفت في المطلب الاوّل و عليه فاللازم ملاحظتها من هذه الجهة فنقول:
(الصفحة 372)
امّا الرّوايات فمنها: موثقة ابي بصير قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) رجل محرم نظر الى ساق امرأة فامني فقال ان كان موسرا فعليه بدنة و ان كان وسطا فعليه بقرة، و ان كان فقيرا فعليه شاة ثم قال: اما انّى لم اجعل عليه هذا لانّه امني انما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له(1). و فيما رواه الصدوق باسناده عن ابي بصير عطف قوله الى فرجها على ساق امرأة.
و قد ذكر بعض الاعلام (قدس سره) ان مراده (عليه السلام) يعني من التعليل ان الحكم بالكفارة لم يجعل لمجرد الامناء بل للامناء المترتّب على النظر المحرم فموضوع الحكم بوجوب الكفارة، النظر المنتهى الى الامناء لا الامناء فقط و لو كان خاليا عن النظرالمحرم و لا النظر المحرم وحده و بالجملة ليس معنى الرواية ان مجرد ارتكاب الحرام يوجب الكفارة بل معناها ان النظر المحرم المترتب عليه الامناء يوجب الكفارة.
و يرد عليه اوّلا: ان كلامه يشعر بل يدلّ على انه جعل معنى التعليل الذي نفاه، كون ارتكاب الحرام موجبا للكفارة و ظاهره ان ارتكاب كلّ محرم يكون كذلك مع انه على هذا التقدير لا بدّ من فرض وجود النظر و تعميم الحكم في مورده بمعنى ان النظر الى كل ما لا يحلّ كذلك سواء كان ساق امرأة اجنبيّة او بعض اعضائهاالاخر او عورة الرجل ـ مثلا ـ او غيرها من الامور التي لا يجوز النظر اليه.
و ثانيا: و هو العمدة ـ انّ ظاهره كون الرواية المشتملة على العلة المذكورة ظاهرة في نفسها في ثبوت الكفارة على النظر المحرم الذي يتعقّبه الامناء مع ان الانصاف انّ الرواية لو خلّى و طبعها ظاهرة في كون العلة لثبوت الكفارة مجرد تحقق النظر الى ما لا يحلّ له و لا مدخلية للامناء فيه بوجه و حمل قوله (عليه السلام) اني لم اجعل عليه لانّه امني، على كون المراد نفي مدخلية الامناء فقط مع كون الضمير يرجع الى الرجل
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح ـ 2.
(الصفحة 373)
المحرم الذي نظر الى ساق امرأة اجنبية لا مطلق الرجل المحرم في غاية البعد كما ان حمل قوله (عليه السلام) انّما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحلّ له على كون المراد هو النظر المحرم الذي يتعقبه الامناء ايضا كذلك و لو كان المراد ذلك لما كان للنفي و الاثبات المذكورين في الرّواية مع كون موردها هو النظر المحرم الخاص مجال اصلا كما لا يخفى.
و بعبارة اخرى لو كان المراد من التعليل ما ذكر لما كان لدفع التوهم الواقع في ذيل الرواية فائدة اصلا لدلالة الصدر بنفسه على مدخلية النظر المحرم المتعقب للامناء من دون حاجة الى الذيل فانّه لا دلالة لها على ثبوت الكفارة على الاعمّ من موردها فتصير الرواية ـ ح ـ نظير صحيحة زرارة قال: سئلت ابا جعفر (عليه السلام) عن رجل محرم نظر الى غير اهله فانزل قال عليه جزور او بقرة فان لم يجد فشاة(1). هذا و لكن هنا رواية اخرى صحيحة تدل على ان المراد من التعليل الواقع في الموثقة ما افاده بعض الاعلام (قدس سره) و هي ما رواه معاوية بن عمّار في محرم نظر الى غير اهله فانزل قال عليه دم لانه نظر الى غير ما يحلّ له، و ان لم يكن انزل فليتق الله و لا يعد و ليس عليه شىء(2). و ربما يستشكل في كونها رواية عن الامام (عليه السلام) لعدم التعرض له (عليه السلام) و لو بالاضمار و عليه فيحتمل كون الرواية فتوى شخص معاوية بن عمّار و هي فاقدة للحجية و الاعتبار.
و لكن يدفع الاشكال ظهور كون الرواية تتمة لصحيحة معاوية بن عمار
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السادس عشر ح ـ 5.
(الصفحة 374)
المتقدمة المشتملة على الاسئلة المتعددة في نظر الرجل المحرم و لمسه و مسّه مع انّ الكليني (قدس سره) الذي نقل الحديث التزم في ديباجة كتابه بان لا يروي فيه الاّ ما كان منتهيّا الى الإمام (عليه السلام) و الانصاف انه لا مجال لهذا الاشكال.
و امّا الدلالة فلا ينبغي الارتياب في كون مفادها عدم ثبوت الكفارة في صورة عدم الانزال مع النظر الى غير اهله و هذا يدل على ان المراد من التعليل الواقع في الفرض الاوّل هو النظر المتعقب للانزال و ان لم يقع التعرض له في العلة بوجهو الحكم بوجوب الاتقاء و النهي عن العود لاجل كون النظر محرّما في ذاته من دون فرق بين ما اذا كان بشهوة و بين ما اذا لم يكن كذلك فهذه الرواية تصير قرينة على كون المراد من الموثقة ما افاده بعض الاعلام (قدس سره).
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا دلالة للموثقة و كذا صحيحة معاوية على ان النظر الى الاجنبية اذا كان بشهوة، محرم حال الاحرام من دون فرق بين الامناء و عدمها كما استفاد منهما صاحب الجواهر (قدس سره) و تبعه بعض الاعاظم (قدس سره) فانه قد ظهر لك عدم انطباق الروايتين على المدّعى فان المدّعي التفصيل بين صورة الشهوة و عدمها كما انه مطلق من جهة الامناء و عدمها و الروايتان مطلقتان من جهة الشهوة و مقيدتان بالامناء و لا ملازمة بين الامناء و بين الشهوة فانه قد وقع التصريح في بعض الروايات بحصول الامناء من دون شهوة مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة المشتملة على قوله (عليه السلام): فان حملها ـ يعنى امرأته ـ او مسّها لغير شهوة فامنى او امذى فليس عليه شيء(1). و كيف كان فظاهر قوله في المتن: او نظرا بشهوة كما في الشرايع و نحوها و ان كان هو جريان التفصيل في الاجنبية من دون تقييد بالامناء كما في الزوجة الاّ
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح ـ 6.