(الصفحة 205)
و منها: ما يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) الميل اليه و اختاره جماعة من ان المرادمن اخبار تأخير التلبية الى البيداء تأخير الجهر بها لا اصل التلفظ بها و حكى عن العلامة في المنتهى الجزم بذلك في مقام الجمع بينها و بين ما دل من النصوص على عدم تجاوز الميقات الاّ محرما لان الفرض ان بين البيداء و ذى الحليفة الذي هوالميقات ميلا.
و يرد عليه انه ليس في شىء من اخبار التأخير اشعار بتأخير الاجهار و ما وقع فيه التعرض للجهر قد صرّح اوّلا بالاجهار بالاهلال و التلبية من المسجد كما في صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة فلا مجال لهذا الوجه ايضا.
و منها: ما ذكره بعض الاعلام (قدس سره) في شرحه على العروة مما يرجع حاصله الى انّ ادلة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا احرام مطلقة من حيث عدم حصول الاحرام منه اصلا و رأسا و من حيث تحقق الاحرام بعد مكان قليل و زمان يسير و عليه فلا مانع من تقييد اطلاقها بالروايات الدالة على جواز تأخير التلبيةو الاحرام الى البيداء فيختص المنع و النهى بخصوص الصورة الاولى و حيث ان الاحرام من الميقات جائز قطعا كما عرفت فتحمل هذه الروايات على الافضليّة.
و يرد عليه: انّ اخبار تأخير التلبية مفادها تأخير التلبية عن مسجد الشجرة و التفكيك بينه و بين عقد الاحرام الواقع في المسجد ففي صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة التصريح بقوله: احرم بالحج او بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد الى اوّل البيداء و كذا في غيرها و ـ ح ـ ان كان مراده تأخير الاحرام الذي تكون مدخلية النية فيه امرا ضروريّا لا مجال للارتياب فيه، فيرد عليه مضافا الى ان ذلك لا يجتمع مع توقيت مسجد الشجرة و جعله ميقاتا لانه لا يترتب على كونه ميقاتا اثر اصلا بل المناسب ـ ح ـ جعل البيداء ميقاتا و لا اقل من جعلهما معا كذلك لعدم الفرق في جواز الاحرام بين مسجد الشجرة و البيداء اصلا. و ان كان مراده تأخير
(الصفحة 206)
التلبية فقط و عقد الاحرام بالنيّة في المسجد فهذا ليس تقييدا لاطلاق ادلة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا احرام فهذا الوجه ايضا غير تامّ.
ثمّ انه ذكر صاحب جامع المدارك (قدس سره): «و قد وردت اخبار بتأخير التلبية فان كان المراد الاحرام بالتلبية فكيف تؤخر التلبية عن الميقات و ان كان المراد من الاحرام نفس النيّة فالنيّة حاصلة لمريد العمرة و الحج قبل الوصول الى الميقات فما معني عدم صحة الاحرام قبل الميقات و ان الاحرام قبله كالصلوة قبل الوقت فلا بدّ امّا من طرح الاخبار الدالة على تأخير التلبية الواجبة المحققة للاحرام عن الميقات او الحمل على التلبيات المستحبة او الاجهار بها... » و قد ظهر مما ذكرناانه ليس المراد من تلك الاخبار الاّ مجرد تأخير التلبية مع فرض عقد الاحرام في مسجد الشجرة فليس فيها دلالة على تأخير الاحرام عن المسجد و دعوى انه لو كان المراد من الاحرام هى النيّة فهى حاصلة قبل الوصول الى الميقات مدفوعة بانّ مجرّد النيّة لا يكفي في تحقق الاحرام بل النية المقارنة للشروع الذي لا يمكن ان يتحقق قبل الميقات فهذا القول ايضا لا وجه له.
و الذي يقتضيه النظر الدقيق بعد ملاحظة ما ذكرنا من عدم اعتبار مقارنة التلبية للنية و عدم اعتبار وقوع التلبية في نفس المسجد و بعد ملاحظة ما تقدم سابقا من عدم حرمة محرمات الاحرام بمجرّد عقده قبل التلبية و قد مرّ بعض الروايات الدالة على ذلك و في بعضها الاخر ان الصادق (عليه السلام) بعد احرامه من المسجد قد اتى بخبيص فيه زعفران فاكله(1). و الخبيص طعام مركب من التمر و الزبيب و السّمن ان يقال انّ اصل الاحرام الذي يعتبر بعد النيّة المتعلقة بالحج او العمرة لا بد و ان تقع في المسجد و لا دلالة لادلة المواقيت على ازيد من
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 3.
(الصفحة 207)
ذلك لكن وجوبه و عدم جواز نقضه و ثبوت حرمة محرمات الاحرام يتوقف على التلبية او ما يقوم مقامها من الاشعار او التقليد اللذين عرفت انه لا مجال لوقوعهما في المسجد و عليه فهنا امران اصل الاحرام و لزومه و ترتب حرمة المحرمات و بعد ذلك يكون مفاد ادلة المواقيت النهي عن ايجاد الاحرام في غيرها و التجاوز عنهابلا احرام و مقتضي الروايات الدالة على تأخير التلبية الى البيداء الارشاد الى انه لا ضرورة في التعجيل بالتلبية الموجبة للزوم الاحرام و ترتب الآثار عليه بل الشارع قد رخّص في تأخيرها الى البيداء الموجب للخروج عن المدينة كلاّ و البعد عن المسجد و لا يكون غرض ـ ح ـ الاّ السير و الحركة الى جانب مكّة فالروايات انّما هي للارشاد الى عدم لزوم التعجيل و لا يستفاد منها افضلية التأخير ايضا بل غاية مفادها دفع توهّم لزوم كون التلبية في المسجد بحيث كان الخروج منه ملازما للاحرام اللازم غير القابل للنقض و الموضوع للآثار و عليه فلا منافات بينها و بين ادلة المواقيت و ما يشابهها من الروايات المتقدمة اصلا فافهم و اغتنم.
المقام الثاني: فيمن حجّ من غير طريق المدينة من العراق او غيره و قد ورد فيه روايتان:
احديهما: ذيل صحيحة البزنطى المتقدمة في المقام الاوّل و هو قوله: قلت ارأيت اذا كنت محرما من طريق العراق قال: لبّ اذا استوى بك بعيرك(1). و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين ما اذا عقد الاحرام من اوّل ميقات اهل العراق او منوسطه او من آخره المسمّى بذات عرق كما ان مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون استواء البعير به في الميقات او خارجا عنه كما ان الظاهر انّ ذكر طريق العراق انّما هو في مقابل مسجد الشجرة و البيداء المذكور في صدر الرواية
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الثلاثون ح ـ 7.
(الصفحة 208)
لا لخصوصية في هذا الطريق بالاضافة الى سائر المواقيت.
ثانيتهما: صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال ان احرمت من غمرة و من بريد البعث صلّيت و قلت كما يقول المحرم في دبر صلوتك و ان شئت لبّيت من موضعك و الفضل ان تمشي قليلا ثم تلبّي(1). و الظاهر ان المراد بقوله (عليه السلام): ان احرمت من غمرة... ما يقابل الاحرام من مسجد الشجرة من طريق المدينة لا ما يقابل الاحرام من ذات عرق الذي هو آخر ميقات اهل العراق و عليه فمقتضي اطلاقه ان الفضل ان يمشي قليلا و لوخارج الميقات كما انه لا فرق بين ميقات اهل العراق و بين سائر المواقيت.
و يمكن الاستدلال لهذا المقام ايضا باطلاق موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة الشامل للاحرام من مسجد الشجرة و من غيره من المواقيت غاية الامر ان مفادها التخيير بخلاف الروايتين الدالتين على ان الفضل في التأخير و لا منافاة بينهما كما لا يخفى.
المقام الثالث: فيمن حجّ من مكّة متمتعا كان او غيره و قد وردت فيه روايات.
منها: صحيحة حفص بن البختري و معاوية بن عمّار و عبد الرحمن بن الحجاجو الحلبي جميعا عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: و ان اهللت من المسجد الحرام للحج فان شئت لبّيت خلف المقام و افضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء و تلبّي قبل ان تصير الى الابطح(2). و الظاهر انه ذيل صحيحة الفضلاء المتقدمة في المقام الاوّل و قد وقع تفسير الرقطاء و الابطح في عبارة السيد (قدس سره) في
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الخامس و الثلاثون ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب السادس و الاربعون ح ـ 1.
(الصفحة 209)مسألة 12 ـ المعتمر عمرة التمتّع يقطع تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة و الاحوط قطعهاعند مشاهدة بيوتها في الزمن الذي يعتمر فيه ان وسع البلد. و المعتمر عمرة مفردة يقطعها عند دخول الحرم لو جاء من خارجه، و عند مشاهدة الكعبة ان كان خرج من مكة لاحرامها. و الحاجّ بايّ نوع من الحج يقطعها عند زوال يوم عرفة، و الاحوط انّ القطع على سبيل الوجوب1.
العروة التي تقدم نقلها.
و منها: رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال اذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ثم صلّ ركعتين خلف المقام ثم اهلّ بالحج فان كنت ماشيا فلبّ عند المقام و ان كنت راكبا فاذا نهض بك بعيرك و صلّ الظهرّ ان قدرت بمنى الحديث(1). و مقتضي اطلاقها جواز تأخير التلبية عن مكّة اذا كان بعيره خارجا عنها.
و امّا ما في كلام السيد (قدس سره) المتقدم من وجود القول بان الافضل تأخير التلبية الى الابطح فلم يدلّ عليه دليل بل الدليل دلّ على رفع الصوت بالتلبية عنده و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال اذا انتهيت الى الردمو اشرفت على الابطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى(2).
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة في مقامات:
المقام الاوّل:
في عمرة التمتع التي لا بد من الاحرام لها من احد المواقيت المعروفة او محاذيه كما تقدّم و في المتن انه يقطع المعتمر بهذه العمرة تلبيته عند مشاهدة بيوت مكّة
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب السادس و الاربعون ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب السادس و الاربعون ح ـ 4.