(الصفحة 137)
القول في كيفية الاحرام
الواجبات وقت الاحرام ثلاثة:
الاوّل: القصد لا بمعنى قصد الاحرام بل بمعنى قصد احد النّسك فاذا قصد العمرة ـ مثلا ـ و لبّى صار محرما و يترتب عليه احكامه و امّا قصد الاحرام فلا يعقل ان يكون محقّقا لعنوانه، فلو لم يقصد احد النسك لم يتحقّق احرامه سواء كان عن عمد او سهو او جهل و يبطل نسكه ايضا اذا كان الترك عن عمد، و امّا مع السّهو و الجهل فلا يبطل و يجب عليه تجديد الاحرام من الميقات ان امكن و الاّ فمن حيث امكن على التفصيل المتقدم1.
اقول قد اختلفت الكلمات في المراد بالاحرام و معناه فعن ظاهر المبسوط و الجمل انه امر واحد بسيط و هو النّية، و عن ابن ادريس انه عبارة عن النية و التلبية و لا مدخل للتجرد و لبس الثوبين فيه، و عن العلامة (قدس سره) في المختلف انه ماهية مركبة من النية و التلبية و لبس الثوبين، و عن الشهيد انه قال: «و كنت قد ذكرت في رسالة انّ الاحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة الى ان يأتي بالمناسك و التلبية هي الرابطة لذلك التوطين نسبتها اليه كنسبة التحريمة الى الصلوة الى ان قال: فعلى هذا يتحقق نسيان الاحرام بنسيان النية و بنسيان التلبية» و ذيله شاهد على انّ مراده من التوطين ليس الاّ النّية فان قوله يتحقق
(الصفحة 138)
نسيان الاحرام بنسيان النية قرينة على انّ انّها المراد من التوطين و عليه فاحتمال كون مراده منه هو البناء النفساني و الالتزام كذلك في غير محلّه و ان ـ كان المحكّى عن الشيخ الانصاري (قدس سره) بل المنسوب الى المشهور ان المراد بالاحرام هو العزم على ترك المحرمات و توطين النفس عليه و لذا ذكروا انه لو بني على ارتكاب شىءمن المحرمات بطل احرامه لعدم كونه قاصدا للاحرام كما في الصوم اذا لم يقصد الامساك عن بعض ما يجب الامساك عنه فانه لا يتحقق الصوم بوجه.
و لكن يرد عليه ان لازم ذلك العلم بجميع محرمات الاحرام حتى يمكن ان يتحقق العزم على تركها و من الظاهر عدم توقف الصحّة على ذلك بل ربما يتحقق الاحرام من دون توجه الى شىء من محرّماته و لا مجال للحكم بالبطلان فيه اصلا مع ان مقتضاه بطلان الاحرام بارتكاب شىء من محرّماته خصوصا اذا كان عن عمد كما في الصّوم الذي يبطل في مثل هذه الصّورة.
و التحقيق في هذا الباب ان يقال بوقوع الخلط في كثير من الكلمات بين ماهية الاحرام و حقيقته و بين ما يتحقق الاحرام و يتحصل به و يكون سببا موجبا لحصوله خصوصا مع ملاحظة ان الاحرام بعد تحققه بحصول سببه يبقى الى ان يأتي بالاعمال و المناسك و يخرج منه بمثل الحلق او التقصير و هذا الامر الباقي المستمر اليه من دون ان يكون له حالة ضعف و قوة و شدة و نقيصة لا يلائم ان يكون عبارة اخرى عن التلبية بل لا يلائم ان يكون عبارة عن نيّة الحج او العمرة فانّها و ان كانت باقية الى اخر الاعمال لكن بقائها انّما هو بحسب الارتكاز بمعنى انه لو سئل عن عمله و التفت اليه يقول بانه مشتغل بالحج او العمرة كما في باب الصلوة مع ان الاحرام انما يكون باقيا حقيقة.
و على ما ذكرنا يظهر انّ الاحرام امر و ما يتحقق به امر آخر و لا محالة يكون ذلك الامر امرا اعتباريا وضعيا و يكون هو الموضوع للاحكام الكثيرة كما في مثل
(الصفحة 139)
الزوجية التي هى امر اعتباري كذلك و موضوع للاحكام المتعددة و يتحقق بسبب العقد المؤثر فيها و لقد اجاد بعض الافاضل الذي حكى صاحب الجواهر (قدس سره) حاصل كلامه و ان ذكر بعده انه لا حاصل معتدّ به له و لكن الحقّ ان كلامه مشتمل على التحقيق في هذا المجال و ان لم يكن بخال عن الاشكال في الجملة حيث قال: الاحرام هنا كالاحرام في الصلوة و من المعلوم ان معني الاحرام فيها الدخول فيها على وجه يحرم معه الكلام و الضحك و نحوهما مما هو مبطل للصّلوة، او الدخول فيها على وجه يكون مصلّيا و ان لزمه الاوّل كما ان الاوّل يستلزم الثانيو على كل حال يتحقق ذلك بتكبيرة الاحرام بل سميت بذلك لذلك و ان لم تكن هي السبب في الاحرام بل التكبيرة المقارنة للنية السبب فيه الاّ انه لمّا كانت الجزء الاخير من العلة نسب اليها الاحرام و ـ ح ـ فالاحرام بالعمرة و الحج هو الدخول فيهما و صيرورة الشخص معتمرا او حاجّا او دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على احدهما ما لم يتحلّل و ذلك امّا هو ايقاع التلبية المقارنة لنيّة العمرة او الحج و لو حكمية، او غيره من النيّة الفعليّة لاحدهما الواقعة في الموضع المعين او هي مع لبس الثوبين اى اللبس المقارن لها و امّا مجموع التلبية و النية و اللبس فهو راجع الى الاوّل لان المعلول ينسب الى الجزء الاخير من العلة انتهى ما اردنا نقله و الظاهر ان مراده من قوله امّا هو ايقاع التلبية الخ هو السبب الموجب لتحقق الاحرام لا انه نفس التلبية فقط او مع شىء آخر و الاّ لا يبقى وجه للتشبيه بالاحرام الصغير المتحقق في الصّلوة و لا للتعبير بان الاحرام هو الدخول في الحج او العمرة او في الحالة المذكورة كما لا يخفى فلا مجال لا يراد صاحب الجواهر (قدس سره) عليه بانه جعل الاحرام عبارة عن نفس التلبية. فالمستفاد من كلامه ان الاحرام امر مسبّبى يمكن تحققه من طريق السبّب و بعد تحققه يبقي الى ان يتحلّل و انّ النية بمعني نيّة الحج او العمرة دخيلة في السبب لا محالة غاية الامر ان الكلام انما هو في
(الصفحة 140)
كونها تمام السبب او ان لها متممة لا يتحقق تمامية السبب بدونها و هى التلبية اولبس الثوبين او هما معا.
و هذا حقّ لا محيص عنه نعم بين المقام و بين الصلوة فرق يسير و هو ان ما هوالجزء في باب الصلوة انّما هو السبب المؤثر في الاحرام الصغير و ما هو الجزء في باب الحج او العمرة هو الاحرام الذي يكون مسبّبا فان الجزء في الصلوة هى تكبيرة الاحرام و في الحج هو نفس الاحرام.
و يدلّ على ما ذكرنا روايات متعددة:
منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال يوجب الاحرام ثلاثة اشياء: التلبية و الاشعار و التقليد فاذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد احرم.(1) و هى تدل بوضوح على ان مثل التلبية امر يوجب الاحرام و يؤثر في تحققه لا انه بنفسه عبارة عن الاحرام كما انّها ظاهرة في عدم مدخلية شىء آخر في حصول الاحرام نعم لا مجال لاحتمال كون مطلق التلبية و لو لم تكن مقارنة لقصد الحج او العمرة مؤثرة في الاحرام فان التلبية الصادرة عن غير مريد الحج او العمرة لا اثر لها في الاحرام ضرورة فالرواية تدلّ على ان التلبية الصادرة عمن يريد احدهما و كذا الاشعار او التقليد اللذين هما مكان التلبية في العمرة و في حج التمتع مؤثرة بمجردها في الاحرام.
و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال من اشعر بدنته فقد احرم و ان لم يتكلّم بقليل و لا كثير(2).
ومنها: صحيحة حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليه السلام) الواردة فيما اذا
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 20.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 21.
(الصفحة 141)
كانت بدن كثيرة و اريد اشعارها المشتملة على قوله (عليه السلام) فانه اذا اشعرها و قلّدهاوجب عليه الاحرام و هو بمنزلة التلبية(1).
و الظاهر من الوجوب هو الثبوت الذي هو معناه لغة و دلالتها على ان الاحرام غير الاشعار و ان الاشعار موجب لتحقق الاحرام واضحة و كذا التلبية التي يكون الاشعار بمنزلتها.
و اصرح من الجميع المشتمل على التعرض للنية و التلبية معا و مدخليتهما في الاحرام صحيحة معاوية بن وهب قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للاحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) و قد ترى اناسا يحرمون فلاتفعل حتى تنتهي الى البيداء حيث الميل فتحرمون كما انتم في محاملكم تقول لبيك اللهم لبيّك لبيّك لا شريك لك لبيّك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك بمتعة بعمرة الى الحج(2). و دلالتها على مدخلية التلبية المشتملة على التلفظ بالنيّة المستحب في باب الحج كما تقدم واضحة لكن اشتمالها على النهي عن الاحرام في المسجد و لزوم التأخير الى البيداء يمنع عن الاستدلال بها الاّ ان يقال بالتفكيك بين الامرينو جواز الاستناد اليها بالاضافة الى الامر الثاني الذي هو المقصود في المقام و ان لم يجز الاستناد بالنسبة الى الوجه الاوّل او يقال بانّ المراد هو تأخير الاجهار بالتلبية الى البيداء حيث الميل لا تأخير الاحرام و لكن على هذا التوجيه لا تدل الرواية على المقام و مثل هذه الرواية من دون اشكال ما رواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال قال ابن سنان سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الاهلال بالحج و عقدته قال هو التلبية اذا لبيّ و هو متوجه فقد
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 91.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام اورد صدره في الباب الرابع و الثلثين ح ـ 3 و ذيله فى الباب الاربعين ح ـ 1.