(الصفحة 193)
الاشعار فقد تعرض للبدنة و لا يكون في شىء منها اشعار بوجود الاشعار في غيرالبدنة من سائر انواع الهدى مثل صحيحة عمر بن يزيد و صحيحة حريز و مرسلة جميل المتقدمة انه لا يلزم اقامة الدليل على اختصاص الاشعار بالبدنة بل يكفى بعد دلالة الادلة المتقدمة في التلبية الظاهرة في لزومها و تعيّنها في جميع انواع الحجو العمرة عدم قيام الدليل على جريان الاشعار في غير البدنة مع قيامه على جريان التقليد في جميع انواع الهدي في حج القران مضافا الى ما ربما يقال من عدم مناسبة غير البدنة مع الاشعار لضعف البقر و الغنم عنه و وقوعهما في معرض التلفو الهلاك و امّا جريان التقليد في جميع انواع الهدي في حج القران فلدلالة الروايات الكثيرة التي وقع في بعضها التصريح بالغنم و البقر و في بعضها التصريح بجريانه في البدنة كما سيأتى التعرض لبعضها انشاء الله تعالى.
الجهة الثالثة: انّ الاولى في البدنة الجمع بين القران و الاشعار لما رواه السكوني عن جعفر (عليه السلام) انه سئل ما بال البدنة تقلّد النعل و تشعر؟ فقال: امّا النعل فتعرف انّها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله، و امّا الاشعار فانه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث اشعرها فلا يستطيع الشيطان يمسّها (يتسنّمها)(1). فان ظاهر السؤال المفروغية عن الجمع بين الامرين الاشعار و التقليد و ان مورده هي علّة الجمع بينهما و الجواب تقرير له و بيان لتلك العلّة.
و صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال البدن تشعرفي الجانب الايمن و يقوم الرجل في الجانب الايسر ثم يقلّدها بنعل خلق قد صلّى فيها.(2)
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 22.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 4.
(الصفحة 194)
و لو لا دلالة الروايات الكثيرة و اتفاق الفتاوى على عدم لزوم الجمع بين الامرين لكان اللازم العمل بمقتضاهما و لكنها توجب حملهما على الاستحباب.
الجهة الرّابعة: ان الاولى الجمع في البدنة بين الاشعار و التقليد و بين التلبية ايضا خروجا من خلاف مثل السيد و ابن ادريس القائلين بتعين التلبية في انعقاد الاحرام في جميع اقسام الحج و العمرة كما عرفت.
الجهة الخامسة: انه ذكر في المتن ان الاحوط وجوب التلبية على القارن وجوبانفسيّا من غير فرق بين ما اذا كان الهدى هى البدنة او غيرها من دون ان يكون له مدخليّة في انعقاد الاحرام بوجه و استظهر ذلك السيد (قدس سره) في العروة.
و الاصل في هذه الجهة ما حكى عن كاشف اللثام في شرح عبارة القواعد:
و لو جمع بين التلبية واحدهما كان الثاني مستحبّا من ان الاقوى الوجوب لاطلاق الاوامر و التأسي و استظهره من عبارة الشرايع و من قبلهما يعنى المحقق و العلامة.
و امّا صاحب الجواهر فقد تعرض لهذا الامر في موردين:
احدهما فصل انواع الحج حيث قال: «انما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد من استحباب التلبية بعد عقد الاحرام و الاشعار و التقليد و لعلّ وجهه الاحتياط و اطلاق الاوامر بها في عقده و نحو ذلك مما يكفي في مثله و امّا احتمال الوجوب تعبّدا و ان انعقد الاحرام بغيرها كما هو مقتضي ما سمعته من كشف اللثام بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار و التقليد بعدها ايضا فهو في غاية البعد خصوصا الاخير فتأمل جيّدا».
ثانيهما: هذا المقام حيث حمل عبارتي الفاضلين على استحباب الثاني من حيث عقد الاحرام قال و هو لا ينافي الوجوب تعبّدا و انه يمكن استفادته ـ يعني الوجوب من اطلاق الامر بالتلبية و ما في موثق يونس من الامر بالتلبية بعد الاشعار و ما في بعض الروايات الاخر و لكن العمدة هما الاوّلان:
(الصفحة 195)
احدهما: اطلاق الامر بالتلبية الدال على وجوبها مطلقا و لو بعد الاشعارو التقليد الّذي به يتحقق الاحرام و ينعقد فلا محالة يكون واجبا نفسيّا.
و الجواب عنه ظاهر فانه لا ينبغي الاشكال في انّ الا و امر الواردة في التلبية ناظرة الى الاحرام و مدخليتها في انعقاده و لا اشعار في شىء منها الى الوجوب النفسي غير المرتبط بالاحرام و انعقاده اصلا.
ثانيهما: موثقة يونس بن يعقوب التي رواها الكليني (قدس سره) قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام) اني قد اشتريت بدنة فكيف اصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فافض عليك من الماء و البس ثوبك ثم انخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصلّ ثم افرض بعد صلوتك ثم اخرج اليها فاشعرها من الجانب الايمن من سنامها ثم قل: بسم الله اللّهم منك و لك اللهم تقبّل منّي ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبّه(1). و الهاء في فلبّه للسّكت و اشتمال الرواية على جملة من المستحبات لا يمنع عن دلالتها على الوجوب بالاضافة الى التلبية و لكن الاشكال انّما هو في ان الرواية رواها الصدوق مشتملة على زيادة في السؤال و الجواب و هي مع هذه الزيادة لا تكون مرتبطة بالمقام حيث ان السؤال فيها و الجواب عبارة عن قوله: «خرجت في عمرة فاشتريت بدنة و انا بالمدينة فارسلت الى ابي عبد الله (عليه السلام) فسئلته كيف اصنع بها فارسل الىّ ما كنت تصنع بهذا فانه كان يجزيك ان تشتري من عرفة قال انطلق و ذكر مثله(2). و من الواضح ان الرواية ترتبط بعمرة التمتع التي لا ينعقد احرامها الا بالتلبية فاللازم ان يقال باستحباب الاشعار اذاكان الهدى الذي هي البدنة معه حال الميقات و بالجملة لم يثبت ما يدل على
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 3.
(الصفحة 196)مسألة 10 ـ لو نسى التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها و ان لم يتمكن يأتي فيه التفصيل المتقدم في نسيان الاحرام على الاحوط لو لم يكن الاقوى، و لو اتى قبل التلبية بما يوجب الكفارة للمحرم لم تجب عليه لعدم انعقاده الاّ بها1.
الوجوب مع تردّد الرواية بين النقلين.
1 ـ قد تقدم البحث عن حكم نسيان الاحرام و انه قد ورد فيه روايات متعددة تدل على لزوم العود الى الميقات لتداركه مع التمكن منه و مع عدم التمكن فيه تفصيل مرّ البحث عنه مفصّلا.
انّما الكلام في هذه المسئلة في نسيان خصوص التلبية و انه هل يجري فيه ماذكر هناك و عمدته لزوم الرجوع الى الميقات للتدارك في صورة التمكن او لا يجري فيه؟ و التحقيق ان يقال بابتناء الحكم المذكور على ما تقدم في البحث عن ماهية الاحرام و حقيقته فان قلنا بانّها مركبة من النية و التلبية فقط او بضميمة لبس الثوبين فالظاهر جريان الحكم المذكور في تلك الروايات هنا لعدم تحقق الاحرام المركب بعد عدم تحقق احد جزئيه او اجزائه فيدخل المقام في نسيان الاحرام كما انه لو قلنا بانّها عبارة عن امر اعتباري يعتبره الشارع عقيب نيّة الحج او العمرة بضميمة التلبية كما يظهر مما افاده الماتن (قدس سره) في اوّل البحث عن كيفية الاحرام و من قوله في ذيل هذه المسئلة لعدم انعقاده الاّ بها و ان كان ما افاده تعليقا على العروة هناك يشعر بتردده فيه و احتماله ان يكون الاعتبار بعد النية فقط فالظاهر دخول نسيان التلبية في نسيان الاحرام الذي ورد فيه تلك الروايات و ان كان القدر المتيقن من موردها صورة ترك النية و التلبية معا الاّ ان مقتضي اطلاقها الشمول للمقام.
و امّا ان قلنا بانّ الاحرام عبارة عن مجرّد النيّة الظاهرة في نية ترك المنهيّات المعهودة و المحرمات المعروفة في باب الاحرام كما عن ظاهر المبسوط و الجمل
(الصفحة 197)
و استظهره صاحب المسالك فنسيان التلبية لا يرتبط بنسيان الاحرام و لا تشمله تلك الروايات لعدم كون الاحرام منسيّا بوجه و ـ ح ـ تكون التلبية من واجبات الاحرام و النسيان قد رفع وجوبها و بعد ارتفاع النسيان يلزم الاتيان بها لعدم شرطية مقارنتها مع النية في صحتها و ترتب الاثر عليها فالتلبية ـ ح ـ تكون كلبس الثوبين الخارج عن ماهية الاحرام و لكنه يكون من واجباته و لعلّه لذلك حكى عن الشيخ في النهاية و المبسوط: انه من ترك الاحرام ناسيا حتى يجوز الميقات كان عليه ان يرجع اليه و يحرم منه اذا تمكن منه و الاّ احرم من موضعه، و اذا ترك التلبية ناسيا ثم ذكر جدّد التلبية و ليس عليه شىء.
و لا مجال لدعوى لزوم الرجوع الى الميقات على هذا التقدير ايضا لانه كما يجب الاحرام من الميقات كذلك تجب التلبية منه و ذلك لعدم الدليل على لزوم كون التلبية منه لو لم تكن دخيلة في الاحرام كما انه لا تجب المقارنة بينها و بين النيّة كما هو المشهور ظاهرا.
و ممّا ذكرنا يظهر انه لو قيل بان ماهية الاحرام عبارة عن البناء النفسانيو الالتزام القلبي بترك محرمات الاحرام كما اختاره في «المستمسك» على ما تقدم لا يكون نسيان التلبية مشمولا لما ورد في نسيان الاحرام بوجه.
كما انه لو قيل بما احتملناه سابقا و يظهر من السيّد من ان اصل الاحرام ينعقد بمجرد النية و لكنه يجوز له ابطاله و نقضه و ارتكاب جميع محرمات الاحرام بعدها قبل التلبية او ما يقوم مقامها من الاشعار او التقليد لا يكون نسيان التلبية مشمولا لتلك الروايات لظهورها في نسيان اصل الاحرام و لا يشمل نسيان ما يوجب الاحرام و يؤثر في لزومه و عدم نقضه و ترتب حرمة المحرّمات عليه و لذا اورد على السيد (قدس سره) بان مقتضي ما ذكره في ماهية الاحرام لا يجتمع مع اجراء حكم نسيان الاحرام على نسيان التلبية.