(الصفحة 95)مسألة 2 ـ لو نذر و خالف نذره عمدا او نسيانا و لم يحرم من ذلك المكان لم يبطل احرامه اذا احرم من الميقات و عليه الكفارة اذا خالفه عمدا1.
الامر بكيفية خاصة مضافة اليه تعالى باضافة مخصوصة.
و لكن حيث انّ المعيار هو فهم العرف و الظاهر عدم وضوح فهم الاطلاق بنحو يشمل اليمين ايضا يكون الحاقها بالنذر مشكلا و ان كان الحاق العهد به قويّا فالوجه الثالث من الوجوه المذكورة في كلام السيّد (قدس سره) غير بعيد.
1 ـ قال في المستمسك: «امّا في النسيان ـ يعنى صحة الاحرام من الميقات ـ فظاهر لوقوع الاحرام على الوجه المشروع فيصحّ و امّا في العمد فمشكل لانّ النذر يقتضى ملك الله سبحانه للمنذور على وجه يمنع من قدرة المكلف على تفويته، و الاحرام من الميقات عمدا لما كان تفويتا للواجب المملوك كان حراما فيبطل اذا كان عبادة».
و اورد عليه بعض الاعلام (قدس سره) بان النذر انما يوجب خصوصية زائدة في المأمور به كما اذا نذر ان يصلى جماعة ـ مثلا ـ فانه و ان كان يجب عليه الاتيان بتلك الخصوصية لاجل النذر الاّ ان هذا الوجوب انما نشأ من فعل المكلّف و نذره فهوتكليف آخر غير الوجوب الثابت لذات الفعل و المأمور به انّما هو الطبيعى الجامع بين الافراد و النذر لا يوجب تقييدا و لا تغييرا في المأمور به الاول بحيث لو اتى بغير المنذور كان آتيا بغير المأمور به فهو واجب في واجب.
اقول: في كلا المطلبين نظر و اشكال:
امّا الاوّل: فقد عرفت في مبحث نذر الحج ان مفاد صيغة النذر ليس بازيد من الالتزام بالاتيان بالمنذور لله تبارك و تعالى بمعنى انه يوجب على نفسه من ناحية الله العمل بمتعلق النذر و هذا الايجاب بضميمة قيام الدليل الشرعي على وجوب الوفاء بالنذر يقتضي لزوم العمل به و لو لم يكن هناك دليل شرعى على الوجوب المذكور لم يترتب على هذا الايجاب اثر اصلا و مجموع الصيغة و الدليل الشرعى
(الصفحة 96)
يقوم مقام مثل قوله تعالى
(لله على الناس حجّ البيت) فدعوى كون النذر مقتضيالثبوت الملكية لله تعالى بالنحو المذكور مدفوعة جدّا و قد مرّ التفصيل في ذلك المبحث.
و امّا الثاني: فيرد عليه ـ مضافا الى انّ النذر قد يتعلق بنفس اتيان الواجب اواتيان المستحب كصلوة الليل و لا مجال في مثله لدعوى كون النذر موجبا لخصوصية زائدة في المأمور به اصلا ـ انه لا شبهة في كون النذر متعلقا في المقام بغير ما هو المأمور به لان المأمور به انّما هو الاحرام من الميقات و النذر تعلق بالاحرام من الكوفة ـ مثلا ـ كما في بعض الرّوايات فهو متعلّق بغير ما هو المأمور به.
و لاجل ذلك لا بد في المقام من ملاحظة الدليل الدال على صحة نذر الاحرام من الكوفة ـ مثلا ـ و ان مفاد الدليل المذكور هل هو مجرد المشروعية و بيان انّ النذر يجعل ما هو غير مشروع مشروعا و يوجب اتصاف الاحرام قبل الميقات بالصحة من دون ان يترتب عليه الوجوب و لزوم الوفاء به و عليه فاللازم ان يكون الناذرمخيّرا بين ان يحرم من الميقات او من الكوفة مع انه خلاف النص و الفتوى الظاهرين في اقتضاء النذر لوجوب الوفاء مضافا الى الصحة و المشروعية، او ان مفاد الدليل المذكور تعين الاحرام من الكوفة في صورة النذر كتعين الاحرام من الميقات في غير هذه الصورة و عليه فاللازم بطلان الاحرام من الميقات لان مرجع الدليل الى ان ميقات الناذر هو المحلّ الذى تعلق النذر بالاحرام منه فلا مساغ للاحرام من غير ذلك المحلّ فاذا خالف و لم يحرم منه عمدا يجب عليه العود مع الامكان و لا يجزى الاحرام من الميقات بالاضافة اليه.
و لا يبعد ان يقال بان ظاهر قوله (عليه السلام) فليحرم من الكوفة هو الثاني و ليس هذا التعبير دالاّ على مجرد وجوب الوفاء بالنذر و الاّ كان اللازم الاقتصار عليه لما عرفت مرارا من ان تعلق النذر بشىء لا يقتضي تعلق الوجوب به بل الواجب هو عنوان
(الصفحة 97)ثانيهما: اذا اراد ادراك عمرة رجب و خشي فوتها ان اخّر الاحرام الى الميقات فيجوزان يحرم قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و ان اتى ببقية الاعمال في شعبان، و الاولى الاحوط تجديده في الميقات، كما ان الاحوط التأخير الى آخر الوقت و ان كان الظاهر جوازه قبل الضيق اذا علم عدم الادراك اذا اخّر الى الميقات، و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة و المنذور فيها و نحوه1.
الوفاء بالنذر فالتعبير بقوله: فليحرم... الظاهر في تعلق الوجوب بنفس عنوان الاحرام منها و كونه بنحو التعيين لا يكاد يلتئم الاّ مع تغير المأمور به و تبدل ميقات الناذر و مع التبدل لا يبقى مجال للحكم بصحة الاحرام من الميقات مع امكان العود الى الكوفة و الاحرام منها و هذا ظاهر في صورة العمد و الالتفات و لا يبعد ذلك بالاضافة الى صورة النسيان ايضا كما اذا نسى الاحرام من الميقات في غير صورة النذر فانه يجب عليه العود مع الامكان نعم الاختلاف في المقام بين الصورتين انما هو في الكفارة حيث انّها لا تترتب الاّ على المخالفة العمدية.
ثم ان قوله (عليه السلام) عليه ان يتم في موثقة ابي بصير ايضا راجع الى ما ذكرنا بعد كون المراد بالاتمام هو الاحرام من خراسان فتدبر.
1 ـ الظاهر اتفاق المتعرضين لهذه المسئلة على جواز التقديم فيها اجمالا فعن المعتبر: عليه اتفاق فقهائنا، و عن المنتهى: على ذلك فتوى علمائنا، و عن المسالك:
هو موضع نص و وفاق، و في الجواهر: بلا خلاف اجده فيه.
و لكن المحكّى عن كشف اللثام ان هذا الحكم لم يتعرض له كثير من الاصحاب و لعلّه يستشمّ منه رائحة الخلاف و ان كان يمكن ان يكون الوجه في عدم التعرض كون الموضوع هى العمرة الرجبيّة و هي تقع مستحبة غالبا و لكن مع ذلك كان ينبغي التعرض له تبعا للنص الوارد فيه و لاجله يتحقق الموضوع للاحتياط غير اللزومى بتجديد الاحرام في الميقات على ما في المتن و كيف كان فالدليل على الحكم روايتان:
(الصفحة 98)
احديهما: موثقة اسحاق بن عمّار قال سئلت ابا ابراهيم (عليه السلام) عن الرجل يجىء معتمرا ينوى عمرة رجب فيدخل عليه الهلال (هلال شعبان) قبل ان يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب ام يؤخّر الاحرام الى العقيقو يجعلها لشعبان قال يحرم قبل الوقت لرجب فانّ (فيكون) لرجل فضلا و هو الذي نوي.(1) و قد عبّر عنها في العروة تبعا لصاحب الجواهر بالصحيحة و جعل المروى عنه هو ابا عبد الله (عليه السلام) مع انّ الرواية قد رواها الكليني و الشيخ بطريقين صحيحين عن اسحاق بن عمّار و هو موثق و هو يروي عن ابي ابراهيم (عليه السلام).
ثانيتهما: صحيحة معاوية بن عمار التي رواها الشيخ و الكليني ايضا قال سمعت ابا عبد الله (عليه السلام) يقول ليس ينبغي ان يحرم دون الوقت الذي وقتّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الاّ ان يخاف فوت الشهر في العمرة(2). و عليه فلا يبقى مجال للاشكال في اصل الحكم و بعده يقع الكلام في جهات:
الجهة الاولي: ان مقتضي اطلاق الصحيحة عدم اختصاص الحكم بالعمرة الرجبيّة و شموله لجميع الاشهر كشعبان و نحوه لان لكل شهر عمرة لكن الاصحاب خصّصوا الحكم برجب و ذكر في الجواهر انه لم يجد به عاملا في غيررجب ثم قال: و لعلّه للعلّة التي اشار الامام (عليه السلام) اليها في الصحيح الآخر ـ يعنى الموثقة ـ مضافا الى ما روي من ان العمرة الرجبية تلى الحج في الفضل و يكفي في ادراكها ادراك احرامها فيه كما دلّ عليه الصحيح.
اقول: صلاحية العلة المذكورة في الموثقة و هي قوله (عليه السلام) فانّ لرجب فضلا، لتقييد الاطلاق في الصحيحة الذي لا مجال للخدشة فيه تبتنى على ان يكون المراد
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني عشر ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثاني عشر ح ـ 1.
(الصفحة 99)
بها هي مقايسة العمرة الرجبية مع عمرة سائر الشهور و انّ لها فضلا بالاضافة اليهاو ذات مزيّة زائدة عليها لانها تلى الحج في الفضل فمرجعها الى ان جواز تقديم احرامها على الميقات لادراك الشهر انّما هو لاجل اختصاص عمرته بمزية زائدة لا توجد في غيرها من عمر سائر الشهور.
و امّا لو كان المراد منها هو ثبوت الفضل في مقابل ترك العمرة و انه لو اخرالاحرام الى الميقات يفوت عنه عمرة الشهر مع ان لكل شهر عمرة كما تقدم في بحث العمرة المفردة فلا تصلح العلة المذكورة للتقييد بوجه بل مرجعها الى احتفاظ العمرة في كل شهر و عليه فان ثبت ظهور العلّة فيما ذكره صاحب الجواهر امكن رفع اليد عن الاطلاق في الصحيحة و مع عدم ثبوت الظهور و تردد العلة بين الاحتمالين لا مجال لرفع اليد عن الاطلاق الاّ ان يقال بان الصحيحة معرض عنها و الموثقة لا دلالة لها على ازيد من جواز التقديم في العمرة الرجبية كما لا يخفى.
الجهة الثانية: انه هل يشترط في جواز التقديم ضيق الوقت بمعنى لزوم التأخيرالى آخر الوقت من الشهر بحيث لو لم يحرم فيه لا يتحقق الاحرام في رجب او انه يجوز الاحرام قبل الضيق مع العلم بعدم ادراك الاحرام في رجب لو اخره الى الميقات و لو كان في وسط الشهر كما اذا كان الفصل بينه و بين الميقات كثيرا و يعلم بعدم الادراك مع التأخير الى الميقات فانه يجوز له الاحرام من محلّه و منزله و ان كان في وسط الشهر بل ربما يكون اولى لطول زمان الاحرام الذي هو عبادة فيه وجهان لا ينبغي الارتياب في ان مقتضي الاحتياط هي رعاية الضيق و لكن المستفاد من النص ان الملاك في جواز التقديم خوف فوت عمرة الشهر او دخول هلال شعبان قبل ان يبلغ العقيق و هو متحقق قبل الضيق ايضا فلا دلالة له على اعتبار الضيق ايضا مضافا الى الخوف المذكور.
الجهة الثالثة: استظهر في المتن انه لا فرق بين العمرة المندوبة و الواجبة ـ يعنى