(الصفحة 360)
قبلة الرحمة الناشئة عن محبة و عطوفة و لا مجال لما صنعه صاحب الجواهر (قدس سره) من الحمل على ارادة: انما يكره ما يحتمل الشهوة بخلاف الام و غيرها من المحارم، و مراده حمل الرواية على ان مراده تعلق القبلة بمن يجري في حقّها الشهوة نوعا و يحتملها كذلك من دون فرق بين ان تكون القبلة الخاصة الواقعة في حال الاحرام مع الشهوة او بدونها.
و انت خبير بوضوح فساد هذا الحمل و لا وجه لاحتماله اصلا فضلا عن حمل الرواية عليه.
الثالثة: ان قوله: انما تكره... في مقام بيان الضابطة و افادة القاعدة خصوصامع التصدير بكلمة الحصر فهل مورد هذه الضابطة خصوص الامّ التي هي مورد سؤال الرّواية او يعم سائر المحارم النسبية كالاخت ـ مثلا ـ او ان موردها مطلق التقبيل و لو كان الطرف هي الزوجة بل الاجنبية بل الغلام و الرجل اذا كان قبلتهما بشهوة؟ فيه وجوه و الظاهر هو الوجه الاخير لانها كما تدلّ على ان مطلق قبلة الرحمة لا مانع منه في الاحرام كذلك تدلّ على حرمة كل قبلة وقعت بشهوة من دون فرق بين مواردها اصلا.
ثم انه لو فرض كون الروايات السّابقة على هذه الرواية دالّة على حرمة التقبيل مطلقا لكان مقتضى هذه الرّواية المشتملة على الضابطة المذكورة تقييد اطلاق تلك الروايات و الحكم باختصاص الحرمة بما اذا كان التقبيل عن شهوة كما هو ظاهر.
الرّابعة انّ مورد اكثر الروايات المتقدمة بل هذه الرواية ايضا هو تقبيل الرجل المرئة و امّا تقبيل المرئة المحرمة لزوجها ـ مثلا ـ فقد ذكر بعض الاعاظم (قدس سره) على ما في تقريرات بحثه انه لا دليل على حرمته لان مورد النصوص هو تقبيل الرجل المحرم امرأته و لا وجه للتعدي عنه الى غيره الاّ دعوى كون حرمة التقبيل من
(الصفحة 361)
احكام المحرم مطلقا سواء كان رجلا ام امرأة لكن هذه الدعوي غير مسموعة لاناطتها بالغاء خصوصية الرّجولية و هو موقوف على احراز عدم دخل هذه الخصوصيّة، و كون الرجل مذكورا من باب المثال.
و انت خبير بملاحظة ما ذكرنا ان تعميم الحكم للمرئة لا يتوقّف على الغاءالخصوصيّة بوجه بل نفس هذه الضابطة المذكورة في رواية حسين بن حمّاد تدل على انّ المحرّم على المحرم هو التقبيل بشهوة من دون فرق بين الرجل و المرئة بل قد عرفت شمولها لتقبيل الغلام و الرجل ايضا فلا مجال للترديد في الحكم.
و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان حرمة القبلة بشهوة من احكام الاحرام و لا فرق بين مواردها و بين الرجل و المرأة.
الجهة الثالثة:
في حرمة مسّ المرأة و لمسها اذا كان بشهوة من دون فرق بين ان يتعقبه خروج المني و بين ما اذا لم يتعقبه الخروج و يدل على ذلك روايات متعددة:
منها: ذيل صحيحة مسمع ابي سيار المتقدمة في الجهة الثانية(1) المشتملة على التفصيل صريحا بين المس بشهوة و ثبوت دم شاة فيه و بين المس و الملازمة من دون شهوة و انه لا شىء عليه.
و منها: صحيحة سعيد الاعرج انه سئل ابا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينزل المرأة من المحمل فيضمّها اليه و هو محرم فقال: لا بأس الاّ ان يتعمّد و هو احق ان ينزلها من غيره(2). و الظاهر ان المراد من التعمد هو كون الضم مطلوبا له في
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثاني عشر ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثالث عشر ح ـ 2.
(الصفحة 362)
نفسه لاجل اللذة و التمتع لا لاجل الانزال من المحمل.
و منها: صحيحة الحلبي المتقدمة في الجهة الثانية(1) المشتملة على التفصيل فيوضع اليد على المرئة بين ما اذا لم يكن بشهوة فلا شىء عليه و بين ما اذا كان بشهوة فيهريق دم شاة و من المعلوم ان وضع اليد من مصاديق المسّ و اللمس و لا خصوصية فيه بوجه.
و منها: صحيحة اخرى للحلبي قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) المحرم يضع يده على امرأته قال لا بأس، قلت فينزلها من المحمل و يضمّها اليه قال لا بأس، قلت فانه اراد ان ينزلها من المحمل فلما ضمّها اليه ادركته الشهوة قال ليس عليه شىء الاّ ان يكون طلب ذلك(2). و الظاهر اتحادها مع الرواية السابقة و عدم كونها رواية واحدة بعد كون السائل هو الحلبي و السؤال الأوّل عن وضع المحرم يده على امرأته غاية الامر ان الراوي عن الحلبي في الرواية السّابقة هو الحماد و في هذه الرواية هو عبد الله بن مسكان و هو لا يوجب تعدد الرواية كما ان عدم اشتمال الاولى على السؤال على انزالها من المحمل لا يوجب ذلك فتدبر.
ثم انّ مقتضى اطلاق هذه الروايات انه لا فرق في حرمة المس بشهوة بين صورة انزال المني و صورة عدمه لكن هنا رواية ربما يتوهم دلالتها على الاختصاص بصورة الانزال و هي صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن محرم نظر الى امرأته فامنى او امذى و هو محرم قال لا شيء عليه و لكن ليغتسل و يستغفر ربّه، و ان حملها من غير شهوة فامنى او امذى و هو محرم فلا شىء
- 1 ـ وسائل قد عرفت انه اورد صدرها في الباب السابع عشر من ابواب كفارات الاستمتاع ح ـ 2 و ذيلهافي الباب الثامن عشرح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح ـ 5.
(الصفحة 363)
عليه، و ان حملها او مسّها بشهوة فامنى او امذى فعليه دم شاة، و قال في المحرم ينظرالى امرأته او ينزّلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة(1). فان قوله (عليه السلام) و ان حملها او مسّها بشهوة فامنى... و ان كان ظاهره بدوا مدخليّة الامناء زائدا على الشهوة في حرمة المسّ و الحمل الاّ ان التامّل يقضي بعدم المدخلية اصلا بل الملاك هو مجردكون اللمس بشهوة لوجهين: احدهما عطف الامذاء على الامناء لان الامذاء لا يترتب عليه اثر اصلا فهو قرينة على عدم مدخلية الامناء ايضا. ثانيهما قوله (عليه السلام) بعد ذلك في المحرم ينظر الى امرأته او ينزلها بشهوة حتّى ينزل... فان ظاهرالانزال فيه هو انزال المني لانه المنصرف اليه من اطلاق لفظ «الانزال» و عليه فمقتضي ثبوت البدنة و اشدية الحكم بالاضافة الى لزوم دم شاة مع اشتراك الفقرتين في انزال المرئة و حملها و اختصاص الفقرة الثانية بالنظر الذي هو اخف من المسّ، لا محالة عدم كون انزال المني دخيلا في الفقرة الاولى و ثبوت المدخلية له في الفقرة الثانية الاّ ان يقال ان التعبير بقوله: و قال، في الفقرة الاخيرة، لعلّه يكون قرينة على عدم صدورها متصلة بما قبلها و لكن الظاهر بعد هذا الاحتمال و الايلزم ان تكون رواية اخرى مستقلة مع ان ظاهر الوسائل و غيرها العدم.
هذا و لو فرض ظهورها في مدخلية الامناء لكن في مقابلها رواية صريحة في انه لا فرق بين صورة الامناء و عدمها و هي رواية محمد بن مسلم قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حمل امرأته و هو محرم فامنى او امذى قال ان كان حملها او مسّها بشيء من الشهوة فامنى او لم يمن، امذى او لم يمذ فعليه دم يهريقه، فان حملها او مسّها لغير شهوة فامنى او امذى فليس عليه شيء(2)
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب السابع عشر ح ـ 6.
(الصفحة 364)
و قد رواها الشيخ بطريقين احدهما صحيح و الاخر ضعيف باعتبار اشتماله على عليّ بن ابي حمزة البطائني الكذاب المعروف فهي قرينة على عدم مدخلية الامناء في حرمة المس بشهوة و ان المناط نفس هذا العنوان. ثم انّ الظاهر بملاحظة روايات الباب انه لا دليل على حرمة مسّ المرئة الاجنبية بالحرمة الاحراميّة لورود الروايات في مسّ امرأته او حملها او ضمّها او وضع اليد عليها و قول السائل في صحيحة الحلبي المتقدمة في مسئلة التقبيل المحرم يضع يده بشهوة و ان كان ظاهره مطلقا الاّ ان قوله في الصدر سئلته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرئته قرينة على ان مورد هذا السؤال ايضا ذلك و مسّ المرئة الاجنبية و ان كان محرّما في غير حال الاحرام الاّ ان الكلام في حرمته من حيث الاحرام و هنا محرمات كثيرة بل كبيرة لا ارتباط لها بالاحرام كالغيبة و شرب الخمر و مثلها كما ان الظاهر انه لا دليل على حرمة مسّ المرئة زوجها في حال الاحرام لورود الروايات في مسّ الرجل زوجته و لا دليل على التّسوية بينهما و قيام الدليل عليها في الجماع و التقبيل على ما عرفت لا يستلزم التساوي في المسّ و مثله مما اختص مورد دليله بعمل الرجل بالنسبة الى زوجته.
الجهة الرابعة:
في حرمة النظر و فيها اقوال ثلاثة الحرمة مطلقا من دون فرق بين الشهوة و عدمها، و عدم الحرمة كذلك و التفصيل كما في المتن و قد صرّح به غير واحد منهم المحقق (قدس سره) في الشرايع و ان قيل ـ كما في الجواهر ـ خلا كتب الشيخ و الاكثر عن تحريمه مطلقا اى التعرض لتحريمه و حكى القول الاوّل عن بعض و الثاني عن الصدوق و الميل اليه عن كشف اللثام.
و ربما استدل على التفصيل بوجوه اشار اليها في الجواهر: