(الصفحة 325)
تمرة و تمرة خير من جرادة(1). و صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن محرم قتل جرادا كثيرا قال: كفّ من طعام و ان كان اكثر فعليه شاة(2). و صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: اعلم انّ ما وطئته من الدّبا او اوطأه بعيرك فعليك فدائه(3). و الدّبا الصغير من الجراد.
الطائفة الثالثة: ما تدل على الجواز مع عدم امكان التحرز و عدم ثبوت الكفارة في هذه الصورة و مع عدم التعمّد و لازمه الحرمة مع غيرهما مثل:
صحيحة معاوية قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) الجراد يكون في ظهر الطريق و القوم محرمون فكيف يصنعون؟ قال يتنكّبونه ما استطاعوا قلت فان قتلوا منه شيئا فما عليهم؟ قال لا شىء عليهم(4). بل الجواب عن السؤال الاول يدل بالمطابقة على الحرمة بل على مفروغيتها عند السائل فقد ظهر ان النص و الفتوى متطابقان على الحرمة نعم يختص موردها بالجراد البرّي الذي يعيش في البرّ و لا يشمل الجراد البحري الذي يعيش في البحر كما لا يخفى.
الجهة السادسة:
في انه هل يختص تحريم الصيد البرى على المحرم بما اذا كان محلّل الاكل كالظبي و نحوه او يعم محرم الأكل ايضا كالذئب ـ مثلا ـ ذكر الفاضل النراقي في المستند: «الصيد المحرم يشمل كل حيوان ممتنع بالاصالة سواء كان مما يؤكل او
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الصيد الباب السابع و الثلاثون ح ـ 8.
- 4 ـ وسائل ابواب كفارات الصيد الباب الثامن و الثلثون ح ـ 2.
(الصفحة 326)
وفاقا للشرايع و التذكرة بل جملة من كتب الفاضل و جمع من المتأخرين و عن الراوندي انه مذهبنا معربا عن دعوى الاجماع ثم اخذ في اقامة الدليل عليه و استثنى من العموم الافعي و العقرب و الفارة الى ان قال: قد خالف هنا جماعة في الصيد المحرم اكله بل في المفاتيح حكى عن الاكثر فقيدوا الصيد المحرّم بالمحلل من الممتنع فجوّزوا صيد كل ما لا يؤكل امّا مطلقا او باستثناء الاسد و الثعلب و الارنب و الضب و اليربوع و القنفذ و الزنبور و العظاية فحرّموا صيدها ايضا كجماعة استنادا الى عدم وجوب كفارة في غير المأكول سوى الثمانية».
اقول المهمّ في هذه الجهة امران لا بد من ملاحظتهما:
الامر الاوّل: ان الصّيد بعد وضوح اختصاص مفهومه بالممتنع هل مفاده العموم لغة و عرفا بالاضافة الى محرّم الاكل ايضا ام لا ربما يقال بالثاني لقولهم: سيد الصيد الاسد و للتعبيرات الواقعة في كلمات الادباء نثرا و نظما سيّما ما وقع في كلام سيّدهم عليّ أمير المؤمنين ـ عليه افضل صلوات المصلين ـ من قوله ـ على ما نسب اليه ـ: صيد الملوك ثعالب و ارانب... و اذا ركبت فصيدي الابطال.
و انت خبير بان الاستعمال اعم من الحقيقة و اصالة الحقيقة لا اثر لها الاّ في استكشاف المراد لا في كيفية الاستعمال بعد وضوح المراد مع انه يحتمل في كلام المولى (عليه السلام) ان يكون المراد بالثعالب و الارانب هو الرجال غير الابطال الذين فيهم خصيصة الثعالب و الارانب لا ما هو مفاد العنوانين حقيقة و تؤيده قرينة المقابلة فتدبر و ظهور كون الصيد الواقعي للملوك هو الظبي و مثله من الحيوانات المحلّلة نوعا لا مثل الثعالب و الارانب الاّ نادرا و ان كان يمكن ان يقال بان مراده (عليه السلام) عدم اطلاع الملوك على فنّ الاصطياد ايضا.
الامر الثاني: الآيتان الواردتان في اصل مسئلة الصيد المتقدمتان في اول بحثه فنقول:
(الصفحة 327)
اما الآية الثانية و هي قوله تعالى:
(و حرم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرما) فربمايقال باختصاص الصيد الواقع فيه بالحيوان المحلّل لان الحيوان المحرم لا تختص حرمته بحال الاحرام لان ما لا يؤكل لحمه يحرم اكله مطلقا في حال الاحرام و عدمه مع ان ظاهرها الاختصاص بحال الاحرام فلا بد من الالتزام بالاختصاص بالمحلّل.
و اورد عليه بعض الاعلام ـ قدّس سرّه الشريف ـ بان الصيد المذكور في الآية اريد به معناه المصدري و هو اصطياد الحيوان و الاستيلاء عليه لا الحيوان المصيد مستشهدا على ذلك بصدر الآية الشريفة:
(احلّ لكم صيد البحر و طعامه متاعا لكم و للسيّارة) فان المراد من الصيد فيه هو الاصطياد لانه لو كان المراد به هوالمصيد لم يكن مجال لذكر قوله تعالى و طعامه متاعاً لكم فمعنى الآية، ان الاصطياد من البحر حلال مطلقا و الاصطياد من البرّ حرام في خصوص حال الاحرام و امّا في غيره فلا حرمة للاصطياد.
و الجواب عنه ـ مضافا الى ان قوله تعالى في الآية السابقة على هذه الآية:
(لا تقتلوا الصيد و انتم حرم...) لا خفاء في كون المراد من الصيد الواقع فيه هوالمصيد كما هو واضح و الظاهر اتحاد المراد من الصيد في الآيتين ـ ان لازم ما افاده كون مفاد الآية بيان الحكم في جانب الحلّية بالاضافة الى الاصطياد و الانتفاع بالحيوان المصطاد معا و في جانب الحرمة بيان الحكم بالنسبة الى الاصطياد فقط مع ان الغرض المهم في باب الصيد هي الاستفادة من الحيوان المصيد و من الواضح انه لا ملازمة بين حرمة الاصطياد و بين حرمة الاكل و حرمة الاصطياد لا تنافي ذكر اسم الله المعتبر في التذكية كتذكية الحيوان المغصوب فانّه مع كونه محرمة لا تنافي صحة التذكية المؤثرة في حلية الاكل و الطهارة و غيرهما و عليه فالظاهر ان المراد بالصيد في صدر الآية هو المصيد ايضا غاية الامر ان تعلق الحل
(الصفحة 328)
و الحرمة بالذوات ظاهر في تعلق الحكمين بجميع الافعال المتعلقة بهما و لا ينافي ذلك خروج بعضها لدليل فالمراد من طعام البحر هو صيده ايضا.
لكن المراجعة الى التفاسير ترشدنا الى ثبوت المغايرة بين الصيد و الطعام بعد اتّفاقها جلاّ في كون المراد من الصيد هو المصيد قال القرطبي في تفسيره الكبير الموضوع للجهات الفقهية القرآنية المسمّى ب «الجامع لاحكام القرآن» بعد تفسيرصيد البحر بكل ما صيد من حيتانه و ان الصيد يراد به المصيد: «هو ـ يعنى الطعام ـ عبارة عما قذف به البحر و طفا عليه، اسند الدار قطني عن ابن عباس في قول الله ـ عزّ و جلّ: احلّ لكم صيد البحر و طعامه متاعا لكم و للسيّارة ـ الآية ـ صيده ما صيد و طعامه ما لفظ (البحر) و روى عن ابي هريرة مثله و هو قول جماعة كثيرة من الصحابة و التابعين، و روى عن ابن عبّاس طعامه ميتته و هو في ذلك المعنى و روى عنه انه قال: طعامه ما ملّح منه و بقي و قاله معه جماعة، و قال قوم طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه و سائر ما فيه من نبات و غيره».
و شبيه هذا ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان من دون ان يكون احتمال كون الصيد بمعنى الاصطياد منقولا فيه عن احد من مفسّري الفريقين نعم لا مجال لاحتمال كون المراد من الطعام هي ميتة البحر على مذاق اصحابنا الامامية.
و في تفسير العيّاشي عن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال سئلته عن قول الله:
(احلّ لكم صيد البحر و طعامه متاعا لكم و للسيّارة) قال: هي الحيتان، المالح و ما تزودت منه ايضا و ان لم يكن مالحا فهو طعام.
و يدلّ ايضا على ان المراد بالصيد في قوله تعالى: احلّ... هو المصيد لا الصيدبالمعنى المصدري انّ الظاهر كون قوله متاعا لكم و للسيّارة ناظر الى احلال الصيد و الطعام معا لا الى خصوص الطعام و من الواضح انه لا ملائمة بين حلية الصيد بالمعنى المصدري و بين قوله متاعا بل الظاهر ان قوله: متاعا لكم ناظر الى الصيد
(الصفحة 329)
الذي يكون المراد منه هو الطّري الذي لا يكون صالحا للابقاء من دون علاجو قوله: للسيّارة ناظر الى الطعام الذي يكون فيه صلاحية البقاء لاجل كونه مملوحا و عليه فلا مجال لدعوى كون المراد من الصيد في مورد الحلية هو الاصطياد و مقتضى وحدة السياق كون المراد من الصيد في قوله: و حرم عليكم صيد البر... ايضاذلك و مقتضي تخصيص التحريم بحال الاحرام كون المراد هو الذي يكون محلّل الاكل و الاّ لا يبقى فرق بين المحرم و المحلّ بعد كون الغرض المهم في باب الصيد هي الاستفادة من لحمه فلا دلالة للآية على ازيد من تحريم صيد الحيوان البرّي المحلّل نعم لا دلالة لها ايضا على عدم تحريم غيره بل هي ساكتة عن ذلك و لا بد في استفادة التحريم من الاستناد الى دليل آخر.
و امّا الآية السابقة على هذه الآية و هي قوله تعالى:
(يا ايّها الذين ءامنوا لا تقتلواالصيد و انتم حرم و من قتله منكم متعمّدا فجزاء مثل ما قتل من النعم الى قوله:
(و من عاد فينتقم الله منه و الله عزيز ذو انتقام) فالمستفاد منه بعد وضوح كون الصيد فيه بمعنى المصيد ان حرمة القتل تختص بما كان فيه جزاء و كفارة خصوصا بعد كون الجزاء مثل المقتول في القيمة و المالية لا المثل المقابل للقيميو من الواضح انّ محرم الاكل لا كفارة فيه غير الموارد المنصوص عليها التي ذكرها في المستند في العبارة المتقدمة مع ان محرّم الاكل لا قيمة له و لا مالية فما لا كفارة فيه لا يحرم قتله و ما لا يحرم قتله لا يحرم صيده مطلقا.
و اورد عليه بمنع الملازمة بين حرمة القتل و ثبوت الكفارة و الآية صريحة في حرمة الاعادة و الانتقام منه الظاهر في عدم ثبوت الكفارة عليه كما وقع التصريح به في النصوص.
و الجواب ان الملازمة و ان كانت ممنوعة كما افيد الاّ ان ظهور الآية في الملازمة بين الحرمة و الكفارة في ابتداء القتل دون الاعادة لا مجال لانكاره بمعنى ان