(الصفحة 50)مسألة 4 ـ من لم يمرّ على احد المواقيت جاز له الاحرام من محاذاة احدها و لو كان في الطريق ميقاتان يجب الاحرام من محاذاة ابعدهما الى مكّة على الاحوط، و الاولى تجديد الاحرام في الاخر1.
يعرف كونه اوّلا او وسطا او آخرا فان الملاك هو احراز كونه ميقاتا لا كونه اوّلا ـ مثلا ـ و عليه ففي مثل العقيق لا بد و ان يحرم من موضع يتيقن كونه ميقاتا و لا وجه للاكتفاء بالظنّ اصلا كما لا يخفى.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسئلة في مقامين:
المقام الاوّل:
اصل جواز الاحرام من محاذاة الميقات مع عدم كونها ميقاتا من المواقيت التيوقتها الرسول (صلى الله عليه وآله) و قد نسب الجواز الى الشهرة بل الى الشهرة العظيمة بل قيل لا يظهر مخالف صريح في ذلك و ان استشكل فيه في المدارك و الذخيرة و الحدائق و بعض الكتب الآخر تبعا لما في مجمع البرهان للمقدس الاردبيلى (قدس سره) لكن عنوان المسئلة في الشرايع بنحو يكون فيه ابهام و اجمال حيث قال: «و لو حجّ على طريق لا يفضى الى احد المواقيت قيل يحرم اذا غلب على ظنّه محاذاة اقرب المواقيت الى مكّة».
و نسبته الى القول و ان كان فيها الاشعار بالتضعيف و لا اقل من الترديد الاّ انه حيث يكون القول المزبور مشتملا على خصوصيات ثلاثة: اصل الاحرام من المحاذى و كون الملاك اقرب المواقيت الى مكّة و الاكتفاء بغلبة ظن المحاذاة لا يعلم ان التضعيف او الترديد ناظر الى الخصوصية الاولى التي هي محلّ البحث هنا اوالى احدي الخصوصيتين الآخرتين.
و قد وقع الاختلاف في معني العبارة بين صاحبي المسالك و المدارك و كيف كان لا تكون صريحة بل و لا ظاهرة بل و لا مشعرة بالمخالفة في هذا المقام.
(الصفحة 51)
و قد استدل للجواز بصحيحتى عبد الله بن سنان:
احديهما: ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال من اقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق اهل المدينة الذي يأخذونه فليكن احرامه من مسيرة ستّة اميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء(1).
ثانيتهما: ما رواه الصدوق باسناده عن الحسن بن محبوب عنه عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: من اقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا او نحوه ثم بداله ان يخرج في غير طريق المدينة فاذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستة اميال فليحرم منها(2). و من الواضح وحدة الروايتين خصوصا مع كون الراوى عن ابن سنان في كلتيهما هو الحسن بن محبوب و لازم الوحدة عدم الاعتبار الاّ بالاضافة الى خصوص ما اتفقتا عليه فان اشتملت احديهما على امر زائد لم يعلم صدوره منه (عليه السلام) و لا دليل على الاعتبار بعد العلم بالوحدة فتدبّر.
و لا اشكال في دلالة الروايتين على اصل جواز الاحرام من المحاذاة في الجملةو ان كان فيهما قيود يأتي البحث عنها انشاء الله تعالى لكن في مقابلهما روايتان ظاهرتان في الخلاف.
احديهما: مرسلة الكلينى حيث قال بعد نقل صحيحة ابن سنان: و في رواية اخرى: يحرم ـ اى الشخص المفروض في الصحيحة ـ من الشجرة ثم يأخذ اىّ طريق شاء.(3)
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السابع ح ـ 2.
(الصفحة 52)
و لكنها لاجل الارسال لا تنهض في مقابل الصحيحة.
ثانيتهما: ما رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن جعفر بن محمد بن حكيم عن ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) قال سئلته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الايام يعنى الاحرام من الشجرةو ارادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له ان يحرم الاّ من المدينة(1).
و جعفر بن محمد بن حكيم من رجال كامل الزيارات الذين ورد فيهم التوثيق العام و هو حجة مع عدم تضعيف خاص في مقابله و الظاهر انّ المراد من قوله (عليه السلام) الاّ من المدينة ليس هي البلدة بل ميقاتها الذي هو مسجد الشجرة و الجمع الدلالي بينها و بين الصّحيحة ممكن لان مفاد هذه الرواية هو المنع عن العدول من الشجرة الى ميقات آخر و لا دلالة لها على نفى الجواز من محاذاتها اصلا و على تقدير عدم امكان الجمع و وقوع التعارض لا بد من الاخذ بالصحيحة لموافقتها للشهرة المحققة فلا يبقى مجال للاشكال في اصل المسئلة انّما الاشكال بعد تعين الصحيحة لكونهامستندة للحكم الذي هو على خلاف القاعدة المستفادة من ادلة المواقيت و نصوصها، يقع في جهات:
الجهة الاولى: ان مفاد الرواية جواز الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة و لا تعرض لها لغيرها مع انّ المشهور هو الجواز بالاضافة الى جميع المواقيت و ذكر السيد (قدس سره) في العروة انه لا يضر اختصاص الروايتين بمحاذاة مسجد الشجرة بعد فهم المثالية منهما و عدم القول بالفصل و قد تبع في الثاني جماعة منهم صاحب المستند.
و امّا الاوّل و هو الغاء الخصوصية فان كانت الرواية مشتملة على نفس
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الثامن ح ـ 1.
(الصفحة 53)
هذا الحكم فقط من دون اخذ قيود و خصوصيات اخرى لكان لالغاء الخصوصية مجال و ان كان الحكم على خلاف القاعدة الاّ انّ اخذ قيود و شروط في ترتب الحكم بصورة القضية الشرطية التي لا محيص عن الالتزام بثبوت الارتباط بينها و بين الحكم و ان كان الارتباط مخفيّا عندنا غير معلوم لنا مع ملاحظة كونهامأخوذة في كلام الامام (عليه السلام) دون الراوى لانه ليس في الرواية سؤال اصلا يوجب الترديد في الغاء الخصوصية من مسجد الشجرة فان اعتبار الاقامة بالمدينة شهرااو نحوه و اعتبار كونه مريدا للحج حال الاقامة دون غيره من التجارة و نحوها و كذا اعتبار ان يبدو له ان يخرج من غير طريق اهل المدينة الذي يمرّ على الميقات و ظاهره اعتبار عدم كون ارادته لخروج من غير ذلك الطريق من اوّل الامر مع ان هذه الامور مما لا نعلم ارتباطها بالحكم المذكور في الرواية يوجب ان لا يكون مجال لالغاء الخصوصية بالاضافة الى مسجد الشجرة خصوصا مع كونه افضل المواقيت فيحتمل الاكتفاء بمحاذاته لاجل هذه الجهة فتدبر و كيف كان في الرواية خصوصية تمنع عن الغاء الخصوصية و لاجله يشكل الحكم من جهة عدم فصل المشهور بين المواقيت اصلا و عدم التعرض لشىء من القيود المذكورة في الرّواية مع كونها هي المستندة الوحيدة في الباب و لا يمكن الالتزام بحجية فهم المشهور من الرواية و ان كانت الشهرة جابرة لضعف السند في مورده و مرجحة لاحدالمتعارضين على الآخر كما تدل عليه المقبولة المعروفة الاّ ان فهمهم لا دليل على اعتباره.
الجهة الثانية: انّ ظاهر الرواية لزوم الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة لكل من يريد الخروج من غير طريق اهل المدينة مع ان الظاهر اختصاص ذلك بخصوص من اراد الخروج من طريق واقع في جهة طريق اهل المدينة بان كان موازيا لهو الاّ فمن كان مريدا للخروج من جهة المغرب من دون ان يمرّ على المسجد او
(الصفحة 54)
محاذاته فميقاته الجحفة كما انه اذا اراد الخروج من جهة المشرق فميقاته العقيقو هذا ايضا اشكال على الرّواية.
الجهة الثالثة: انه ذكر بعض الاعلام ـ قدّس سره ـ ان الرواية على نقل الصّدوق تدل على لزوم الاحرام في خصوص مسيرة ستّة اميال في دائرة المحاذاة و مقتضاه انه اذا بلغ السّير الى سبعة اميال او اكثر لا يجوز له الاحرام و لو كان محاذيا كما اذا سار سبعة اميال بالخط غير المستقيم مع ان ظاهرها على نقل الكلينى ان العبرة بمطلق المحاذاة و ان السّير ستة اميال انّما هو على نحو القضية الشخصية الخارجية و لعلّ وجهه ان السّير المتعارف في ذلك الزمان كان ستة اميال و بالخط المستقيم.
و يرد عليه اوّلا: ان حمل الرواية على نقل الصدوق على ما افاده مبنى على ان تكون كلمة «حذاء الشجرة» اسما لكان و خبره ستة اميال فتدل على تقييد المحاذاة بذلك مع ان الظاهر كون كلمة «حذاء... » خبرا لكان و قوله: ستة اميال عطف بيان بالاضافة الى الحذاء و يؤيده الرواية على النقل الآخر و عليه فلا اختلاف بين النقلين.
و ثانيا: انّه على تقدير تسليم ما افاده ليس المراد من قوله: ستة اميال هي الستة التي سارها المريد للاحرام بل ستة اميال بالسير المتعارف و ان كان هذا الشخص سارها ازيد من ذلك فان ظاهر الستّة كونها الطريق المتعارف لا الطريق الخاص الذي سلكه مريد الاحرام كما لا يخفى.
الجهة الرّابعة: ظاهر الرواية عدم اختصاص جواز الاحرام من محاذاة مسجد الشجرة بمن لا يتمكن من الذهاب الى المسجد و المرور عليه بل يعمّ صورة التمكن ايضا كما هو ظاهر اطلاق الاصحاب كما في الجواهر و الوجه فيه ان قوله (عليه السلام)ثم بداله ان يخرج... يشمل كلتا الصورتين لو لم نقل بظهوره في صورة الاختيار و التمكن من المرور بالمسجد و عليه فالحكم شامل غير مختصّ كما هو ظاهر.