(الصفحة 380)
و امّا النص فالرواية المنحصرة في هذا الباب هي صحيحة معاوية المذكورة في كلام المدارك و امّا سائر الروايات فهي دالة على ثبوت الكفارة و لا ملازمة بينها و بين الفساد كما هو ظاهر و قد عرفت وقوع البحث فيها من حيث دلالتها على الفساد او اشعارها به او عدمهما معا لكن الّذي اوجب حمل الرواية على عمرة التمتع قول السائل: و لم يقصر بلحاظ تعين القصر في خصوص عمرة التمتّع مع انّ الظاهر كما نقل الرواية بعينها صاحب الوسائل في باب آخر ان قوله كان: و لم يزد مكان و لم يقصّر. و اليك بملاحظتها قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن متمتّع وقع على اهله و لم يزر قال ينحر جزورا و قد خشيت ان يكون قد ثلم حجّه ان كان عالما و ان كان جاهلا فلا شيء عليه، و سئلته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة، و ان كان جاهلا فليس عليه شيءالحديث(1). و انت خبير بان الرواية على هذا النقل واردة في حج التمتع و لا ارتباط لها بعمرته فان قوله لم يزر يكون المراد به عدم اتيانه بطواف الحج الذي يسمّى بطواف الزيارة كما ان سؤاله عن الوقاع قبل طواف النساء عقيب السؤال الاول يختص بالحج و الفرق بينه و بين السؤال الثاني هو تحقق الوقاع في السؤال الاول قبل طواف الحج و في السؤال الثاني قبل طواف النساء و هذا يناسب مع التعبير بالثلمة في الحج و الاّ فلا ارتباط ظاهرا بين تحقق الوقاع في العمرة و ثبوت خشية الثلمة في الحج كما لا يخفى نعم في نقل الصدوق: و لم يقصر لكن الرواية التي تردد نقلها بين امرين لا يكون احدهما مرتبطا بعمرة التمتّع لا مجال للتمسك بها كما هو ظاهر.
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب التاسع ح ـ 1 و اورد ذيلها في باب 18 من هذه الابواب ح ـ 2و هو قوله سئلته عن رجل قبل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هى قال عليه دم يهريقه من عنده.
(الصفحة 381)
نعم هنا وجوه اخر استدل بها لفساد عمرة التمتع ينبغي التعرض لها و ملاحظة صحّتها و سقمها فنقول:
منها: انّك عرفت ان مقتضى النص و الفتوى بطلان العمرة المفردة بالجماع قبل السّعي و الظاهر انه لا فرق بينها و بين عمرة التمتّع بعد كونهما طبيعة واحدة و اشتراكهما في جلّ الاعمال و مجرد الاختلاف في وجوب طواف النساء في الاولى و استحبابه في الثانية و في لزوم وقوع الثانية قبل الحج و في اشهره و ارتباطها بالحج دون الاولى لا يوجب الاختلاف في هذه الجهة التي هي مورد البحث.
و الجواب عنه واضح فانه لم ينهض دليل على اشتراكهما في جميع الاحكام الاّ ما خرج بدليل خاص و مجرّد اشتراكهما في عنوان العمرة و في جلّ الاعمال لا يقتضي ذلك بوجه كما هو ظاهر.
و منها: ما سيأتي من دلالة روايات متعددة على ان الجماع قبل الوقوف بالمشعريوجب فساده و لزوم اعادته في العام القابل و حيث انّ عمرة التمتّع جزء للحج و واقعة قبله يكون مقتضى اطلاق تلك الروايات الشمول للجماع فيها لانه يصدق عليه انّه جماع قبل الوقوف بالمشعر.
و فيه: مضافا الى ان مقتضى ذلك البطلان بسبب الجماع بعد السعي و قبل التقصير مع انّ الظاهر انه لم يقل به احد انّ عمرة التمتّع و ان كانت جزء للحج الاّ ان عنوان العمرة مطلقا مغاير لعنوان الحج في الكتاب و السنّة قال الله تعالى:
(و اتمّوا الحج و العمرة لله) و قال ايضا
(فمن حجّ البيت او اعتمر) و قال ايضا في ذيل الآية الاولى: فمن تمتّع بالعمرة الى الحج و عليه فالاحكام الثابتة في مورد الحج لا تشمل العمرة بوجه الاّ مع قيام الدّليل فالمراد من تلك الروايات هو الجماع قبل الوقوف في الحجّ.
و منها: اطلاق بعض الرّوايات الدالة على الفساد و عدم اختصاصها بالحجّ
(الصفحة 382)
كصحيحة زرارة قال سئلته عن محرم غشى امرأته و هي محرمة قال: جاهلين اوعالمين؟ قلت: اجنبي في (عن خ) الوجهين جميعا قال: ان كانا جاهلين استغفرا ربّهما و مضيا على حجّهما و ليس عليهما شيء، و ان كانا عالمين فرّق بينهما من المكان الذي احدثا فيه و عليهما بدنة و عليهما الحجّ من قابل، فاذا بلغا المكان الذي احدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما، و يرجعا الى المكان الّذي اصابا فيه ما اصابا، قلت فايّ الحجتين لهما؟ قال: الاولى التي احدثا فيها ما احدثا، و الاخرى عليهما عقوبة(1). فان مقتضى اطلاق السؤال الشمول لعمرة التمتّع ايضا.
و اجاب عنه بعض الاعلام بما حاصله: «ان كان المراد بالامر بالحج من قابل فساد الحج الذي وقع فيه الجماع فسادا حقيقيا و مرجعه الى ان ما اتى به لا يحسب من الحج و ان وجب عليه اتمامه و يجب عليه الحج من قابل فعدم صحّة الاستدلال بالرواية بالنسبة الى عمرة المتعة واضح جدّا لان فسادها لا يوجب عليه الحج من قابل لان تداركها امر سهل غالبا فيخرج الى خارج الحرم كالتنعيم و نحوه و مع عدم التمكّن ينقلب حجّه الى الافراد فذكر الحج من قابل قرينة على وقوع الجماع في احرام الحج.
و ان قلنا بان الحج الاوّل حجّه و الثاني عقوبة عليه و الحكم بالفساد تنزيلي باعتبار لزوم الاتيان به في القابل و لو عقوبة فهذا يمكن فرضه في عمرة المتعة بان يجب عليه الحج من قابل عقوبة عليه و لكن الروايات لا تشملها لان الامربالتفريق في الحج الثاني حتى يقضيا نسكهما و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا قرينة قطعية على وقوع الجماع في الحج لا العمرة اذ لا يتصور في عمرته الرجوع الى المكان المذكور غالبا بخلاف الحاجّ فانه اذا حدث هذا الحدث في مكّة
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 9.
(الصفحة 383)
ـ مثلا ـ يتحقّق بالنسبة اليها ذلك لان الغالب في الحجاج الرجوع الى مكّة و هذاالمعنى لا يتحقق بالنسبة الى المتمتع الذي يحرم من احد المواقيت فانه اذا جامع بعد الاحرام في طريقه الى مكة لا يتقيّد بالرجوع الى نفس هذا المكان بل يمكن ان يرجع من مكان آخر».
و يرد عليه ـ مضافا الى انه لا مجال للترديد في الرّواية بالاضافة الى ان الحج الاول فاسد و الثاني واجبه او بالعكس بعد تصريح ذيل الرّواية بالثاني في الجواب عن السؤال عن انّ ايّ الحجّتين لهما و الى انه لا تعرض فيها للفساد بالاضافة الى الحج الاوّل حتى يحمل على الفساد التنزيلي نعم يجرى الترديد في مثل رواية جميل بن درّاج قال: سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن محرم وقع على اهله قال: عليه بدنة قال: فقال له زرارة: قد سئلته عن الذي سئلته عنه فقال لي: عليه بدنة، قلت: عليه شيء غير هذا؟ قال عليه الحج من قابل(1) انّ ما افاده من القرينة القطعية ممنوع جدّا فانه كما يمكن وقوع الجماع في احرام عمرة التمتّع في طريقه الى مكة كذلك يمكن وقوعه في احرام حج القران اوالافراد في الطريق المذكور فانّ تعيّن وقوع احرام عمرة التمتّع من احد المواقيت الخمسة او الستّة لا يلازم الانحصار فانّ مريد احد الحجين اذا مرّ من احدها يجب عليه الاحرام له منه كما هو ظاهر.
كما انه في عمرة التمتّع ربما يتحقق الجماع في مكّة الذي يجب على الحاج الرجوع اليها بعد قضاء المناسك فالقرينة المذكورة ممنوعة جدّا و في بعض الروايات بعد حكمه (عليه السلام) بلزوم التفريق حتى يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا ذكر الرّاوي: قلت ارأيت ان اخذا في غير ذلك الطريق الى ارض اخرى يجتمعان
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 3.
(الصفحة 384)
قال: نعم(1). لكن في بعض الروايات قوله: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء حتى يبلغ الهدى محلّه(2). و هذا يختص بالحج و في كلامه (قدس سره) مواضع اخرى للنظر و الاشكال فتدبر.
و العمدة في الجواب ان يقال انّ الجواب المتعرض للحكم بوجوب الحج من قابل قرينة على كون مراد السائل الوقاع في احرام الحج و ان كان مقتضى اطلاقه الشمول للعمرة و يؤيّده انه لا مجال للحكم المذكور بالاضافة الى العمرة المفردة مع ان اطلاق السؤال شامل لها ايضا.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم ينهض دليل على بطلان عمرة التمتع بالجماع قبل السّعي كما انه لم يثبت شهرة فتوائية على ذلك و لكن يظهر من بعض الكلمات اقامة الدليل على الصّحة في خصوص صورة ضيق الوقت عن اعادة عمرة التمتّع و هو ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) من انه يلزم ـ اى على تقدير البطلان في الصورة المذكورة ـ احد امرين امّا تاخير الحج الى قابل او الاتيان به مع فساد عمرته و هو يستلزم امّا فساده مع الاتيان بجميع افعاله و التجنب فيه عن المفسد، او انتقاله الى الافراد و اذا انتقل الى الافراد سقط الهدي و انتقلت العمرة مفردة فيجب لها طواف النساء و في جميع ذلك اشكال.
اقول: امّا في صورة سعة الوقت فلا مانع من الالتزام بوجوب عمرة مستأنفة و الظاهر ان احرامها لا بد و ان يكون من احد المواقيت الخمسة او الستّة المعروفة مع التمكّن لا ادنى الحلّ كالتنعيم و نحوه كما عرفت في كلام بعض الاعلام (قدس سره).
و امّا في صورة الضيق عن الاستيناف فلا مانع من الانتقال الى الافراد كما في
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 14.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 5.