(الصفحة 295)
و هو ما اذا كان رفع المظلة فوق رأسه لا يؤثر شيئا ابدا و لا يمنع عنه شيئاو كان وجوده كعدمه نظرا الى عدم صدق الاستظلال و الاستتار على ذلك لان الممنوع ليس مجرّد وجود المظلة على رأسه بل هو التحفظ من الشمس و الريح العاصف و المطر و البرد و اشباهها فلا منع فى غير هذه الصورة لكنه فرض نادر هذا و لكن في رواية عثمان اشكال و هو ان ظاهرها كون الاضحاء مقابلا للتظليل عن البرد مع انّك عرفت ان معناها هو البروز للشمس فهل مفادها عدم كون معناها ذلك بل مطلق البروز و عدم التستر و لو كان ذلك في الليل فينا في ما تقدم منا في معناها او انّ امر الرّاوي بالاضحاء في الذيل قرينة على كون مورد السؤال هو البرد الشديد المتحقق في النّهار و التعبير بالتظليل بلحاظ ملازمته مع التحفظ عن البرد فالاضحاء باقية على معناها و هو البروز للشمس و هذا هو الظاهر.
هذا و لكن التحقيق بالاضافة الى هاتين الطائفتين يتوقف على بيان امور:
الامر الاوّل: ان المستفاد من اللغة انّ مادّتهما و هي الظلّ لا يتحقق الاّ في النهارفقد صرّح الراغب في مفرداته بانّ الظلّ ضدّ الضحّ و قد عرفت اختصاص الاضحاء و كل ما هو من هذه المادة بالنّهار لانه من شؤون الشمس و خصوصياتهاو في كتاب مقاييس اللغة لابن فارس الذي هو من المنابع الاصلية في باب اللغة ان ذكر انه يدل على ستر شىء لشىء و ان الظلّ ظل الانسان و غيره و يكون بالغداة و العشىّ و الفىء لا يكون الا بالعشىّ لكنه قال: و الليل ظلّ الى ان قالو من الباب قولهم: ظلّ يفعل كذا و ذلك اذا فعله نهارا و انّما قلنا انه من الباب لان ذلك شىء يخصّ به النهار و ذلك ان الشىء يكون له ظلّ نهارا و لا يقال ظلّ يفعل كذا ليلا لان الليل نفسه ظلّ.
و من الواضح انه لا يعقل التظليل في الظلّ و عليه فالمستفاد من اللغة
(الصفحة 296)
اختصاص هذه المادة بالنهار و عدم شمولها للليل حتى بالاضافة الى القمر في الليالي المقمرة التي تتبع الظلّ العرفي.
الأمر الثاني: انّ مسئلة التظليل في الليل من المسائل التي كانت مبتلى بها من قديم الايام و من زمان صدور الروايات الى يومنا هذا من دون فرق بين ان يكون المركب هو مثل المحمل او مثل السّيارة المتداولة في هذه الايام او الطيارة و عليه لوكانت حرمة التظليل شاملة للليل و لم تكن مختصة بالنهار لكان اللازم الاشارة بل التصريح بالتعميم في الرّوايات مع انه لم يرد في شىء منها لا سؤالا و لا جوابا و لا ابتداء بل و لم تقع الاشارة اليه في كلمات الفقهاء من المتقدمين و المتوسطين و دعوى ان عنوان التظليل و شبهه شامل للتظليل في الليل مدفوعة مضافا الى ماعرفت في الامر الاوّل من دلالة اللغة على الاختصاص بالنّهار بانه على تقدير الشمول و العموم لم يكن بمثابة من الوضوح بحيث لا تكون حاجة حتى الى الاشارة اليه بل يظهر من كلمات بعض الفقهاء الاختصاص قال الشهيد في محكى الدروس: «فرع: هل التحريم في الظلّ لفوات الضحى او لمكان السّتر فيه نظر لقوله (عليه السلام): اضح لمن احرمت له و الفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا للشمس و فيمن تظلّل به و ليس فيه» و في كشف اللثام يعني يجوز الاوّل على الثاني دون الاوّل و الثاني بالعكس. ثم قال فيهما و في الخلاف لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسّه فوق رأسه و عن نسخة «ما لم يكن» و قضيته اعتبار المعني الثاني.
و انت خبير بان مورد كلا الاحتمالين و الثمرة الحاصلة في البين انّما هو النّهارمن دون اشارة الى الليل اصلا.
الامر الثالث: انّك عرفت ان الروايات الواردة في المقام على خمس طوائفو الظاهر ان المتأمل فيها يحصل له الاطمينان بانّ الحكم من هذه الجهة ليس الاّ
(الصفحة 297)
حكما واحدا متعلقا بعنوان واحد و يؤيده بل يدل عليه عدم التعرض في شىء من كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم اجمعين ـ الاّ لعنوان واحد فيما يرتبط بالتظليل و لا اشارة فيه فضلا عن الصراحة بثبوت حكمين و تعلّقهما بعنوانين او احكام ثلاثة ـ مثلا ـ متعلقة بعناوين ثلاثة كذلك و عليه فاحتمال كون لزوم تحمل المطر و عدم الممانعة عن اصابته الاّ عند الضرورة كما حكى عن بعض المتأخرين زائدا على حرمة التظليل لا وجه له اصلا كما ان ما افاده بعض الاعاظم من المعاصرين على ما في تقريرات بحثه من ان المحرم حال الاحرام عنوانان بالاستقلال احدهما الاستتار من الشمس بايجاد ما يظل به و الالتجاء به او التسبب و التعمد في الاستظلال و ان لم يكن ايجاد المظلة بيده و ثانيهما التظليل بالقبة و الهودج و الكنيسة و ما يضاهيها في النهار و الليل في اليوم الذي فيه غيم او لم يكنو قد يفترق كل من العنوانين عن الاخر كما قد يجتمع ليس على ما ينبغي بعد ما عرفت من كون التأمل في الروايات و ملاحظة الفتاوى يقتضيان بعدم ثبوت غير حكم واحد في هذا المقام.
الامر الرّابع: ان عنوان التظليل الذي يكون متعلقا للحرمة يراد به التظليل الفعلي الحالي و هو ايجاد المانع عن وقوعه في معرض الشمس ببروزه لها و اطلاق المظلة على مثل الخيمة ليس بلحاظ كونها كذلك حتى في الليل و الغيم بل بلحاظ كونه موجبا لتحقق الظل فى مقابل الشمس فلا يصدق على الوقوع تحتها عنوان التظليل الاّ في مورد وجود الشمس.
الامر الخامس: انّه و ان كان مفاد جملة من الروايات عدم جواز الاستظلال من المطر و ثبوت الكفارة فيه كرواية الحميري المتقدمة التي نقلها في الاحتجاج و المكاتبة المضمرة لعلى بن محمد قال: كتبت اليه المحرم هل يظلل على نفسه اذااذته الشمس او المطر او كان مريضا ام لا؟ فان ظلّل هل يجب عليه الفداء ام
(الصفحة 298)
لا؟ فكتب يظلّل على نفسه و يهريق دما ان شاء الله(1). و رواية محمد بن اسماعيل قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام) عن الظلّ للمحرم من اذى مطر او شمس فقال ارى ان يفديه بشاة و يذبحها بمنى(2). و رواية ابراهيم بن ابي محمود قال قلت للرّضا (عليه السلام) المحرم يظلّل على محمله و يفدي اذا كانت الشمس و المطر يضرّان به قال: نعم قلت كم الفداء قال شاة(3). و من الظاهر انه لا يكون المراد اضرار الشمس و المطر معا في آن واحد لعدم امكانه نوعا.
و بعض الروايات الاخر، الاّ ان الظاهر ان هذه الروايات مع ضعف سندبعضها ناظرة الى التوسعة في معنى التظليل الذي يكون متعلقا للحرمة على الرجل المحرم في حال السّير و الحركة و ان العنوان المحرّم يكون شاملا للاستظلال من المطربعد كون معناه العرفي و اللغوي هو الاستظلال من خصوص الشمس لا ان يكون في البين حكمان متعلقان بالظل من الشمس و من المطر كما عرفت حكاية احتماله عن بعض المتأخرين.
و دعوى أنّ التعبير بالظلّ بالاضافة الى المطر قد وقع في الروايات في كلام السائلين و الرواة دون كلام الامام (عليه السلام) فمن اين يستفاد منه التوسعة المذكورة بل هو شاهد على عمومية معنى الاستظلال و عدم اختصاصه بالشمس.
مدفوعة مضافا الى انه يحتمل قويّا ان يكون الوجه في ذلك هو التغليب نظراالى تحقق الشمس غالبا و وقوع المطر احيانا خصوصا في تلك المناطق و البلاد التي
- 1 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 3.
- 3 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 5.
(الصفحة 299)مسألة 39 ـ اذا اضطر الى التظليل حال السّير لبرد او حرّ او مطر او غيرها من الاعذار جاز و عليه الكفارة1 .
مسألة 40 ـ كفارة الاستظلال شاة و ان كان عن عذر على الاحوط و الاقوى كفاية شاة في احرام العمرة و شاة في احرام الحج و ان تكرّر منه الاستظلال فيهما2.
يسير فيها المحرم بانّ منشأ التوسعة المذكورة هو تقرير الامام (عليه السلام) الكاشف عنها و كيف كان فمجرد حرمة التظليل من المطر لا دلالة لها على حرمة التظليل في الليل بوجه خصوصا بعد ما عرفت من اللغة و من عدم تعرض الروايات و الفتاوى للاستظلال في الليل بوجه و يؤيده الجمع في المتن بين الحكم بجواز التظليل في الليل و بين الحكم بثبوت الكفارة في التظليل من المطر كما في المسئلة الآتية فالاقوى بمقتضي ما ذكرنا جوازه كما نفي خلوه عن القوة في المتن.
ثم ان مقتضي ما ذكرنا جواز الاستظلال في النهار اذا لم يكن الشمس ظاهرة بل كانت مستظلة بالسحاب و كان الغيم موجودا كجوازه في الليل على ما عرفت و امّا الاستظلال من المطر في النهار فهو غير جائز كما مرّ و امّا في الليل فهل المستفاد من الروايات اطلاق الحكم في المطر بالاضافة الى اللّيل او ان ذكر المطر في عدادالشمس لعلّه يصير قرينة على الاختصاص بالنهار فيه وجهان و مقتضي الاحتياط الاوّل لكن الظاهر انّ الاستظلال من المطر يرجع الى الالتجاء من اصابته الى محلّ مسقف من المحمل او السيارة و امّا لو كان فيهما ثم في الاثناء امطرت السّماءلا يتحقق الاستظلال بالبقاء فيهما بحيث يكون الواجب عليه الخروج منهما او رفع سقفهما فتدبّر.
1 و 2 ـ في هاتين المسئلتين جهات من الكلام: