(الصفحة 218)
و انت خبير بوضوح بطلان التلازم بعد كون المسجد الحرام واقعا في مكان اسفل من بيوت مكّة مع كونها محاطة بالجبال المتفرقة المختلفة من حيث العلوّ و الارتفاع و من جهات اخرى و لاجلها لا يكون نفس المسجد ايضا مشاهدا الاّعند الوصول الى قريب منه فضلا عن الكعبة التي تكون محاطة بابنية المسجد كما لا يخفى.
فلا محيص من الالتزام بالاعراض عن هذه الرواية لعدم كونها موردا للفتوى حتى ان الصدوق جعل احد طرفي التخيير مشاهدة الكعبة و الشيخ ايضا التزم بان الغاية في هذه الصورة مشاهدتها لا مشاهدة البيوت فلا مانع من طرحها لاجل الاعراض و عليه فينقدح انّ الحق ما افاده في المتن تبعا للمشهور غاية الامر انك عرفت عدم اختصاص جعل الغاية النظر الى الكعبة بخصوص من خرج من مكّة مريدا للعمرة بل يشمل كل من كان يحرم من ادني الحل لها.
المقام الثالث:
في الحاج مطلقا بجميع انواعه سواء كان احرامه من احد المواقيت التي عرفت انّ منها دويرة الاهل و منها الجعرانة في بعض الموارد او من مكّة كما في التمتع و في القران و الافراد بالاضافة الى اهالى مكّة و لا خلاف فيه ظاهرا في انه يقطع التلبية عند زوال الشمس يوم عرفة الذي هو وقت شروع الوقوف بعرفات و يدل عليه اخبار مستفيضة:
منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) انه قال: الحاجّ يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس(1). و اطلاق الحاجّ يشمل المتمتع و القارن و المفرد.
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الاربعون ح ـ 1.
(الصفحة 219)
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: قطع رسول الله (صلى الله عليه وآله) التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة و كان على بن الحسين (عليهما السلام) يقطع التلبية اذا زاغت الشمس يوم عرفة، قال ابو عبد الله (عليه السلام) فاذا قطعت التلبية فعليك بالتهليل و التحميد و التمجيد و الثناء على الله ـ عزّ و جلّ ـ(1). و حكايته (عليه السلام) قطع رسول الله (صلى الله عليه وآله) التلبية في الزمان المذكور و ان كانت لا دلالة لها على اطلاق الحكم لما عرفت سابقا من ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يحج حج التمتع قطّ الاّ ان حكايته لقطع على بن الحسين (عليه السلام) تدلّ على الاطلاق و الشمول لحجّ التمتع ايضا.
و منها: صحيحته الاخرى عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: اذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس(2).
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالة عليه.
و هنا شىء لم ار من تعرض له و هو انّ مورد الروايات المتقدمة هل يختص بمن كان بعرفات او يعمّ الحاجّ الذي زالت الشمس عليه يوم عرفة و لكنه لم يكن بعرفات كالمتمتع الذي قدم مكّة و رأى انّه ان قضى متعته و اتم عمرة التمتع لا يدرك الوقوف بعرفة حتى الجزء الركني منه فانه يتبدل عمرته الى حج الافراد كما مرّ البحث عنه مفصّلا فانه بعد التبدل يكون حاجّا و لا يكون عند الزوال بعرفات فهل يقطع التلبية حين الزوال ام لا وجهان و دعوى عدم استحباب التلبية عليه بعد التبدل خصوصا بعد كونه قد قطعها عند النظر الى بيوت مكة مدفوعة بان القطع هناك انّما هو لاجل انّه كان معتمرا بعمرة التمتع و المفروض انه بالفعل
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الاربعون ح ـ 2.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع و الاربعون ح ـ 5.
(الصفحة 220)مسألة 13 ـ الظاهر انه لا يلزم في تكرار التلبية ان يكون بالصورة المعتبرة في انعقادالاحرام بل يكفي ان يقول: لبيك اللّهم لبيك بل لا يبعد كفاية لفظ لبّيك1.
حاجّ و يشمله ادلّة استحباب التلبية و الاكثار منها.
هذا و لا يبعد دعوى كون الفهم العرفي مساعدا للاختصاص و ان كان مقتضي الاطلاق و عدم التقييد بمن كان بعرفات العدم.
بقي الكلام: في المقامات الثلاثة في ان القطع هل هو على سبيل الوجوب او انه على سبيل الاستحباب؟ حكى عن الخلاف و الوسيلة النص على الاوّل بل عن الاوّل الاجماع عليه لكن ذكر السيد (قدس سره) في العروة انه قد يقال بكونه مستحبّا.
اقول ظاهر الروايات بلحاظ الامر بالقطع او ما هو بمنزلته هو الوجوب لكن البحث انّما هو في انّ هذا وجوب تكليفي متعلق بالقطع او ان مفاده نفي المشروعية و عدم كون الرجحان و الاستحباب الثابت لها متحققا في المواضع المذكورةو الغايات المعينة و بعد عدم الرجحان يكون الاتيان بالتلبية بعنوان العبادة غير مشروعة لعدم تعلق الامر بها و عدم وجود المناط فيها و عليه فتكون الحرمة تشريعية كما انه لا يبقي فرق ـ ح ـ بين القول بوجوب القطع او القول باستحبابه لاشتراكهما في عدم المشروعية لا يبعد ترجيح الوجه الثاني و ان كان ظاهر العباراتو الكلمات و منها المتن هو الاوّل فتدبّر.
1 ـ الوجه في ذلك مضافا الى اطلاق بعض الروايات الآمرة باكثار التلبيةو التكرير بها خصوص صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صورة التلبية الواجبة المشتملة بعد بيان صورة مفصّلة للتلبية و بيان الاكثار بها ما استطاع على امرين احدهما قوله (عليه السلام): و ان تركت بعض التلبية فلا يضرّك غير ان تمامها افضل و ثانيهماقوله (عليه السلام) و اعلم انه لا بد من التلبيات الاربع التي كنّ في اوّل الكلام و هي الفريضة(1)
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الاربعون ح ـ 2.
(الصفحة 221)مسألة 14 ـ لو شك بعد التلبية انه اتى بها صحيحة ام لا بنى على الصحّة. و لو اتى بالنّية و لبس الثوبين و شك في اتيان التلبية بنى على العدم مادام في الميقات، و امّا بعد الخروج فالظاهر هو البناء على الاتيان خصوصا اذا تلبّس ببعض الاعمال المتأخرة1.
فان مقتضي اطلاق ترك بعض الصورة المذكورة قبله كفاية لفظ لبيك فقط فضلا عن لبيك اللهم لبيك و ما زاد عليه.
1 ـ في هذه المسئلة فرعان:
الفرع الاوّل:
الشك في صحة التلبية بعد احراز الاتيان بها و لا شبهة في ان مقتضي اصالة الصحة الجارية في العمل الواقع الذي شك في صحته و فساده هو البناء على الصحة و الشاهد لها مضافا الى بناء العقلاء الروايات و النصوص في الموارد المتعددة.
الفرع الثاني:
الشك في اصل الاتيان بالتلبية و له صورتان:
احديهما: الشك فيه قبل الخروج من الميقات اى من المحلّ الذي لا يجوز تأخيرالتلبية عنه كالبيداء بالاضافة الى المدني بناء على جواز تأخير التلبية اليه كما اخترناه و وجّهناه و الظاهر ان مقتضي اصالة العدم هو لزوم البناء عليه فيأتي بها وجوبا.
ثانيتهما: الشك في الاتيان بها بعد الخروج عن الميقات بالمعني المذكور كما اذا شك فيها بعد مسيرة عشرة اميال من مسجد الشجرة ـ مثلا ـ و الظاهر فيها كما في المتن هو البناء على الاتيان خصوصا اذا تلبس ببعض الاعمال المتأخرة كالطواف في العمرة و الوقوف بعرفة في الحجّ و الوجه فيه جريان قاعدة التجاوز الجارية في جميع الموارد من العبادات و المعاملات نعم استثني الوضوء منها لدليل خاص
(الصفحة 222)مسألة 15 ـ اذا اتى بما يوجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية حتى تجب عليه او قبلها، لم تجب عليه من غير فرق بين مجهولى التاريخ او كون تاريخ احدهما مجهولا1.
و المناط في جريانها مجرّد التجاوز عن محلّ الشىء الذي شك في الاتيان به فيه و الموضع الذي لا بدّ من وقوعه فيه و امّا الدخول في الغير فلا يلزم في مثل المقام مما لا يكون التجاوز عن المحل ملازما للدخول في الغير لانّ المفروض وجود الفصل الذي ربما يكون طويلا بين التلبية الدخيلة في اصل الاحرام او لزومه و وجوبه و بين الغير الذي يقع بعدها من الطواف او الوقوف نعم في مثل الصلوة لا يتحقق التجاوز عن المحلّ الاّ بالدخول في الغير الذي هو اعم من الجزء اللاحق او مقدمته ضرورة انه ما لم يركع يكون محل القرائة باقيا و لم يتحقق التجاوز عنه بخلاف المقام الذي لا يكون التجاوز متوقفا على الدخول في الغير فان من دخل مكة و شك في الاتيان بالتلبية في الميقات بالمعني المذكور يكون شكه شكّا بعد تجاوز محلّ التلبية سواء شرع في الطواف ام لم يشرع فيه بعد نعم بعد الشروع اذا شك في التلبية يكون جريان القاعدة اوضح.
ثم انّ ظاهر كلام السيّد (قدس سره) في العروة البناء على عدم الاتيان بالتلبية من دون فرق بين الصّورتين و عليه فلازمه العود الى الميقات من مكة للاتيان بالتلبية التي شك في الاتيان بها و من المعلوم انه مضافا الى انه لا وجه له بعيد جدّا و يمكن ان يقال بان مورد كلامه خصوص الصورة الاولى بقرينة قوله بعد عنوان الشك في التلبية: حتى يجب عليه ترك المحرمات اولا. فان الظاهر ان مورده صورة جواز تأخير التلبية فلا يشمل ما اذا تجاوز محلّها خصوصا بعد الدخول في الغير كمالا يخفى.
1 ـ الاولى في التعبير عن عنوان المسئلة ان يقال: اذا علم بالاتيان بالتلبيةو بما يوجب الكفارة على تقدير تأخره عنها و شك في المتقدم منهما و المتأخر و قد اختار في المتن عدم وجوب الكفارة في جميع صورها الثلاثة صورة جهل تاريخ كليهما