(الصفحة 114)
دخول الحرم و دخل نعم يتحقق التجري و يترتب عليه حكمه. و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لوجوب القضاء مع عدم الاستطاعة في هذه السنة.
ثمّ انّ هنا رواية يمكن ان يستفاد منها البطلان في المقام الاوّل و هي ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر عن اخيه (عليه السلام) قال سئلته عن رجل ترك الاحرام حتى انتهى الى الحرم فاحرم قبل ان يدخله قال ان كان فعل ذلك جاهلا فليبن مكانه ليقضى (فليبين مكانه و ليقض) فان ذلك يجزيه ان شاء الله و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه اهل بلده فانه افضل.(1) فانّ مفهوم الجملة الاولى عدم الاجزاء مع عدم الجهل فان الحكم في المنطوق هو الاجزاء و قوله: فليبن... و ان كان معنى مفرداته غير معلوم و لا فرق بين النسختين في ذلك كما انه ربما احتمل ان يكون فليلبي مكان فليبن و لكنه على جميع التقادير يدل على ان الاحرام قبل دخول الحرم مع تحقق الترك في الميقات يكون صحيحا و مجزيا في صورة الجهل و مفهومه العدم مع عدمه.
ثم انّ التعرض لحكم صورة الجهل بنحو المنطوق مع كون السؤال عن مطلق الترك يؤيد ما ذكرناه في صحيحة الحلبي من وجه و ينفيه من وجه آخر امّا الجهة النافية فلاجل دلالته على عدم اختصاص الترك المغيى بغير صورة العلم و امّا الجهة المؤيّدة فكون صورة الجهل هو القدر المتيقن من هذا التعبير فتدبّر.
هذا و لكن حيث ان الرواية ضعيفة سندا بعبد الله بن الحسن حفيد على بن
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الرابع عشر ح ـ 10.
(الصفحة 115)مسألة 5 ـ لو كان مريضا و لم يتمكن من نزع اللّباس و لبس الثوبين يجزيه النيّةو التلبية فاذا زال العذر نزعه و لبسهما و لا يجب عليه العود الى الميقات1.
جعفر و دلالة لاشتمال ذيلها على عدم لزوم الرجوع الى الميقات مع التمكن منه غايته انه افضل مع ان الظاهر اللزوم في مورد الجاهل و الناسى ايضا كما سيأتي فلا مجال للاعتماد عليها بوجه.
1 ـ المفروض في هذه المسئلة ما اذا كان المريض قادرا على انشاءاصل الاحرام في الميقات بالنية و التّلبية و لكنه لم يتمكن من نزع اللباس و لبس ثوبى الاحرام و عليه فالظاهر ان المراد من قوله في المتن: يجزيه التلبية و الاحرام هو لزوم الاتيان بهما لا مجرد الاكتفاء كما ان الظاهر هو وجوب لبسهما بعد زوال العذر و انتفاء المرض و عدم لزوم العود الى الميقات و الاصل في هذه المسئلة ما حكى عن الشيخ (قدس سره) في النّهاية حيث قال: من عرض له مانع من الاحرام جاز له ان يؤخره عن الميقات فاذا زال المانع احرم من الموضع الذي انتهى اليه.
و عن ابن ادريس ان مقصوده تأخير كيفية الاحرام الظاهرة من نزع الثيابو كشف الرأس و الارتداء و التوشيح و الائتزار فامّا النيّة و التلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك اذ لا مانع له يمنع ذلك و لا ضرورة و لا تقيّة، و ان اراد و قصدشيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الاحرام متعمدا من موضعه فيؤدّى الى ابطال حجّه بلا خلاف. و تبعه على ذلك العلاّمة في كثير من كتبه.
اقول البحث في المسئلة تارة يقع فيما هو مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الروايات الخاصّة و اخرى مع ملاحظتها فنقول: امّا من الجهة الاولى: فالظاهر ان مقتضى القاعدة هو ما افاده في المتن من لزوم الاتيان بالنية و التلبية اللتين يتركب منهما الاحرام و يتقوم بهما كما سيأتى البحث فيه عن قريب انشاء الله تعالى و امّا لبس الثوبين فهو من واجبات الاحرام و غير دخيل في حقيقته فاذا لم يتمكن منه
(الصفحة 116)
لاجل المرض يرتفع وجوبه و مع زواله يجب اللبسّ اذا قلنا بلزوم لبسهما بقاء ايضاكالحدوث و عليه فلا مجال للزوم العود الى الميقات بعد تحقق الاحرام منه صحيحا كما هو ظاهر.
و امّا من الجهة الثانية: فمن الروايات:
مرسلة ابي شعيب المحاملى عن بعض اصحابنا عن احدهما (عليه السلام) قال: اذاخاف الرجل على نفسه اخرّ احرامه الى الحرم(1). و ظاهرها تأخير نفس الاحرام و مجموعه عند خوف الرجل على نفسه الشامل للخوف الناشى عن المرض و الناشى عن التقية كما لا يخفى و لكنّها باعتبار الارسال لا تكون معتبرة بوجه.
و منها: صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة في بعض المسائل السابقة المشتملة على كتابته (عليه السلام) في الجواب: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقّت المواقيت لاهلها و من اتى عليها من غير اهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوزالميقات الاّ من علّة(2). و هذه ظاهرة في الترخيص في ترك اصل الاحرام لمن كانت به علةو مرض و لا مجال لاحتمال كون الترخيص مربوطا بعدم لبس ثوبي الاحرام بعد ان كانت الرواية مسوقة سؤالا و جوابا لبيان اصل الاحرام و انشائه و احداثه فظهورها في جواز الترك بسبب مجرد العلة و المرض لا ينبغي ان ينكر و دعوى ان المراد بالعلة هي العلة المانعة عن انشاء الاحرام و ايجاد اصله يدفعها وضوح خلافها و ظهور فسادها خصوصا مع ملاحظة كون العلة الكذائية قليلة التحقق و العروض.
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السادس عشر ح ـ 3.
- 2 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب الخامس عشر ح ـ 1.
(الصفحة 117)
و ما عن الرياض من طرح الرواية لعدم تصريحها بخلاف القاعدة التي عرفت مقتضاها مدفوع بانه لا يتوقف الحكم بخلافها على وجود ما يكون صريحا فيه بعد حجيّة الظهور و اصالته كما هو ظاهر ثم ان الحكم بجواز التجاوز عن الميقات مع وجود العلّة و ان كان حكما تكليفيا في مقابل الحرمة الذاتية كما عرفت البحث فيه مفصّلا لكن لازمه نفى اشتراط الاحرام من الميقات في صحته ايضا فلا يتوهّم ان كلامنا في الحكم الوضعى و الرواية ناظرة الى الحكم التكليفي فتدبّر جيّدا.
و منها: الروايتان المتقدمتان في مسئلة تأخير الاحرام الى الجحفة و التجاوز عن مسجد الشجرة بدون احرام في مورد الصادق (عليه السلام) المشتملتان على التعليل بان التأخير كان مستندا الى انه (عليه السلام) كان عليلا و انه رخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) التأخير بالنسبة اليه(1). و من المعلوم ان علّته (عليه السلام) لم تكن مانعة عن انشاء اصل الاحرام و النية و التلبية بل كانت مانعة عن لبس ثوبى الاحرام و كشف الرأس و امثالهما فلو كانت النيّة و التلبية اللتان هما اساس الاحرام لازمتين في هذه الصورة من مسجد الشجرة لكان اللازم على الامام (عليه السلام) التعليل بذلك و انه قد كان احرم من مسجد الشجرة غاية الامر انه لم يشتمل احرامه على الكيفية الظاهرة المذكورة في كلام ابن ادريس لا التعليل بترك الاحرام و انه كان مرخصّا فيه.
و دعوى ان مورد الروايتين ما اذا كان في الطريق ميقاتان فلا يشمل ما اذاكان هناك ميقات واحد ليس امامه ميقات آخر مدفوعة بان الظاهر انه لا مدخلية لهذه الخصوصية في هذا الحكم و يدل عليه اشتراكهما مع الرواية المتقدمة في
- 1 ـ وسائل ابواب المواقيت الباب السادس ح ـ 5 ـ 6.
(الصفحة 118)
مسألة 6 ـ لو كان له عذر عن انشاء اصل الاحرام في الميقات لمرض او اغماء و نحوذلك فتجاوز عنه ثم زال وجب عليه العود الى الميقات مع التمكن منه و الاّ احرم من مكانه، و الاحوط العود الى نحو الميقات بمقدار الامكان و ان كان الاقوى عدم وجوبه نعم لو كان في الحرم خرج الى خارجه مع الامكان و مع عدمه يحرم من مكانه و الاولى الاحوط الرجوع الى نحو خارج الحرم بمقدار الامكان.
و كذا الحال لو كان تركه لنسيان او جهل بالحكم او الموضوع، و كذا الحال لو كان غيرقاصد للنسك و لا لدخول مكة فجاوز الميقات ثم بدا له ذلك فانه يرجع الى الميقات بالتفصيل المتقدم. التعبير بعنوان «العلة» و استثنائها مع شمول الرواية المتقدمة لجميع المواقيت.
و كيف كان لا تنبغى المناقشة في ان مقتضي الروايات الواردة في المسئلة عدم لزوم انشاء الاحرام بالنية و التلبية ايضا للمريض غير المتمكن من نزع اللباس و لبس الثوبين كما ان ظاهرها عدم لزوم العود الى الميقات و لو مع التمكن منه فانّه و ان لم يقع فيها تعرض لموقع الاحرام اذا زالت العلة و ارتفعت لكن المنساق منها هو الاحرام بمجرد زوال العلّة من دون لزوم العود الى الميقات و من دون جواز التأخير عن وقت الزوال و يؤيده ما ورد في الناسىو الجاهل من الاحرام حال ارتفاع العنوانين و ان كان يفترق المقام عنهما في لزوم العود الى الميقات فيهما مع الامكان و عدمه هنا.
و دعوى انه لا ملائمة بين المرض و بين ترك النية و التلبية بعد انه لا مؤنة فيهما و لا عسرو لا حرج بالاضافة اليهما مدفوعة بانّه ليس البحث و النظر مقصورا عليهما بل لا بد من ملاحظة ما يترتب على الاحرام من لزوم الاجتناب عن محرماته الكثيرة التي تزيد على عشرين و رعاية ذلك موجبة للمشقة و العسر بالاضافة الى المريض و عليه فالاعتبار ايضا يساعد ما تفيده الروايات فلا محيص عن الاخذ بمقتضى الروايات و ان كانت المسئلة غير منقحة في كثير من الكتب الفقهيّة.