(الصفحة 293)
النهار للمحرم في الليل فمختار المتن ان الجواز لا يخلو عن قوة و قد صرّح بعض الاعلام (قدس سره) بعدم جوازه و انه لا فرق في الحرمة بين الليل و النهار و اللازم ملاحظة الادلة و الروايات المتقدمة الواردة في الباب بل و بعض الروايات الاخر ايضا فنقول:
قد عرفت ان الروايات الواردة في المقام خمس طوائف.
فطائفة تدل على ان متعلق التحريم هو عنوان الاستتار عن الشمس و ما يشابهه كان يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس و من الواضح اختصاص هذه الطائفة بالنّهار و لا مجال لها بالاضافة الى اللّيل.
و طائفة تدل على الامر بالاضحاء الذي معناه هو البروز و الظهور للشمس فان الضحى من شؤون الشمس قال الله تعالى و الشّمس و ضحيحها و يظهر من بعض الروايات المتقدمة ايضا المشتملة على قوله (عليه السلام) ما من حاج يضحي ملبيّا حتى تغيب الشمس.... حيث انّ ظاهره انتهاء الاضحاء بغيبوبة الشمس و غروبهاو عليه فهذه الطائفة ايضا لا تشمل الليل نعم هنا رواية ربما يتوهّم دلالتها على عدم كون المراد بالاضحاء ما ذكرنا و سيأتي التعرض لها و البحث عنها.
و طائفة ثالثة تدل على عدم جواز ركوب الرجل المحرم في القبة و الكنيسةو مقتضي اطلاقها انه لا فرق في الحكم المذكور بين الليل و النهار و قد اعتمد على هذا الاطلاق بعض الاعلام (قدس سره) و ايّده بتعارف حركة السيّر و القوافل في الليالي لا سيّما في البلاد الحارّة كاراضي الحجاز و نحوها.
و لكن الظاهر انّ وضع القبة و الكنيسة المشتملتين على السقف و الستر من فوق انّما هو بلحاظ السير في النهار و التحفظ من حرارة الشمس و الاّ فالسير في الليل في البلاد الحارّة يقتضي الخلو من السقف للاستفادة من الهواء الخارج فان البلاد الحارّة اذا اريد فيها الفرار من شدة الحرارة في الليل في الازمنة السابقة
(الصفحة 294)
لا محيص عن الوقوع في فضاء لا يكون له سقف و دعوى تعارف حركة السيرو القوافل في الليل ممنوعة في نفسها لما عرفت من دلالة روايات كثيرة على عدم جواز الاستتار عن الشمس و على الامر بالاضحاء و مقتضاها شيوع الحركة في النهار و كيف كان فمقتضي ما ذكرنا انه لا مجال للاعتماد على هذا الاطلاق اصلا.
و طائفتان منها تدلان على حرمة التظليل او الاستظلال و قد قيل ان الكلمتين مأخوذتان من الظلّة و هي شىء يستتر به من دون فرق بين ما اذا كان ما يستتر منه شمسا او حرّا او بردا او مطرا او ريحا او مثلها و لا يختصّ بالشمس بل ربما يقال ان الشمس مستظلة اى في السحاب مستترة و يدل على ذلك مضافا الى اللغة جملة من الروايات التي عبّر فيها بالاستظلال من غير الشمس مثل ما رواه في الاحتجاج عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري انه كتب الى صاحب الزمان (عج) و سئله عن المحرم يستظل من المطر بنطع او غيره حذرا على ثيابه و ما في محمله ان يبتلّ فهل يجوز ذلك؟ الجواب اذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم(1). و رواية عثمان بن عيسى الكلابي قال قلت لابي الحسن الاوّل (عليه السلام) ان علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم فقال ان كان كما زعم فليظلّل، و امّا انت فاضح لمن احرمت له(2). و غير ذلك من الروايات الواردة في كفارة التظليل المشتملة بعضها على استعمال هذه الكلمة في غير الشمس نعم استثني القائل موردا من الحكم بالحرمة بعد جعله فرضا نادرا جدّا
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب السابع و الستون ح ـ 7.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع و الستون ح ـ 13.
(الصفحة 295)
و هو ما اذا كان رفع المظلة فوق رأسه لا يؤثر شيئا ابدا و لا يمنع عنه شيئاو كان وجوده كعدمه نظرا الى عدم صدق الاستظلال و الاستتار على ذلك لان الممنوع ليس مجرّد وجود المظلة على رأسه بل هو التحفظ من الشمس و الريح العاصف و المطر و البرد و اشباهها فلا منع فى غير هذه الصورة لكنه فرض نادر هذا و لكن في رواية عثمان اشكال و هو ان ظاهرها كون الاضحاء مقابلا للتظليل عن البرد مع انّك عرفت ان معناها هو البروز للشمس فهل مفادها عدم كون معناها ذلك بل مطلق البروز و عدم التستر و لو كان ذلك في الليل فينا في ما تقدم منا في معناها او انّ امر الرّاوي بالاضحاء في الذيل قرينة على كون مورد السؤال هو البرد الشديد المتحقق في النّهار و التعبير بالتظليل بلحاظ ملازمته مع التحفظ عن البرد فالاضحاء باقية على معناها و هو البروز للشمس و هذا هو الظاهر.
هذا و لكن التحقيق بالاضافة الى هاتين الطائفتين يتوقف على بيان امور:
الامر الاوّل: ان المستفاد من اللغة انّ مادّتهما و هي الظلّ لا يتحقق الاّ في النهارفقد صرّح الراغب في مفرداته بانّ الظلّ ضدّ الضحّ و قد عرفت اختصاص الاضحاء و كل ما هو من هذه المادة بالنّهار لانه من شؤون الشمس و خصوصياتهاو في كتاب مقاييس اللغة لابن فارس الذي هو من المنابع الاصلية في باب اللغة ان ذكر انه يدل على ستر شىء لشىء و ان الظلّ ظل الانسان و غيره و يكون بالغداة و العشىّ و الفىء لا يكون الا بالعشىّ لكنه قال: و الليل ظلّ الى ان قالو من الباب قولهم: ظلّ يفعل كذا و ذلك اذا فعله نهارا و انّما قلنا انه من الباب لان ذلك شىء يخصّ به النهار و ذلك ان الشىء يكون له ظلّ نهارا و لا يقال ظلّ يفعل كذا ليلا لان الليل نفسه ظلّ.
و من الواضح انه لا يعقل التظليل في الظلّ و عليه فالمستفاد من اللغة
(الصفحة 296)
اختصاص هذه المادة بالنهار و عدم شمولها للليل حتى بالاضافة الى القمر في الليالي المقمرة التي تتبع الظلّ العرفي.
الأمر الثاني: انّ مسئلة التظليل في الليل من المسائل التي كانت مبتلى بها من قديم الايام و من زمان صدور الروايات الى يومنا هذا من دون فرق بين ان يكون المركب هو مثل المحمل او مثل السّيارة المتداولة في هذه الايام او الطيارة و عليه لوكانت حرمة التظليل شاملة للليل و لم تكن مختصة بالنهار لكان اللازم الاشارة بل التصريح بالتعميم في الرّوايات مع انه لم يرد في شىء منها لا سؤالا و لا جوابا و لا ابتداء بل و لم تقع الاشارة اليه في كلمات الفقهاء من المتقدمين و المتوسطين و دعوى ان عنوان التظليل و شبهه شامل للتظليل في الليل مدفوعة مضافا الى ماعرفت في الامر الاوّل من دلالة اللغة على الاختصاص بالنّهار بانه على تقدير الشمول و العموم لم يكن بمثابة من الوضوح بحيث لا تكون حاجة حتى الى الاشارة اليه بل يظهر من كلمات بعض الفقهاء الاختصاص قال الشهيد في محكى الدروس: «فرع: هل التحريم في الظلّ لفوات الضحى او لمكان السّتر فيه نظر لقوله (عليه السلام): اضح لمن احرمت له و الفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا للشمس و فيمن تظلّل به و ليس فيه» و في كشف اللثام يعني يجوز الاوّل على الثاني دون الاوّل و الثاني بالعكس. ثم قال فيهما و في الخلاف لا خلاف ان للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسّه فوق رأسه و عن نسخة «ما لم يكن» و قضيته اعتبار المعني الثاني.
و انت خبير بان مورد كلا الاحتمالين و الثمرة الحاصلة في البين انّما هو النّهارمن دون اشارة الى الليل اصلا.
الامر الثالث: انّك عرفت ان الروايات الواردة في المقام على خمس طوائفو الظاهر ان المتأمل فيها يحصل له الاطمينان بانّ الحكم من هذه الجهة ليس الاّ
(الصفحة 297)
حكما واحدا متعلقا بعنوان واحد و يؤيده بل يدل عليه عدم التعرض في شىء من كلمات الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم اجمعين ـ الاّ لعنوان واحد فيما يرتبط بالتظليل و لا اشارة فيه فضلا عن الصراحة بثبوت حكمين و تعلّقهما بعنوانين او احكام ثلاثة ـ مثلا ـ متعلقة بعناوين ثلاثة كذلك و عليه فاحتمال كون لزوم تحمل المطر و عدم الممانعة عن اصابته الاّ عند الضرورة كما حكى عن بعض المتأخرين زائدا على حرمة التظليل لا وجه له اصلا كما ان ما افاده بعض الاعاظم من المعاصرين على ما في تقريرات بحثه من ان المحرم حال الاحرام عنوانان بالاستقلال احدهما الاستتار من الشمس بايجاد ما يظل به و الالتجاء به او التسبب و التعمد في الاستظلال و ان لم يكن ايجاد المظلة بيده و ثانيهما التظليل بالقبة و الهودج و الكنيسة و ما يضاهيها في النهار و الليل في اليوم الذي فيه غيم او لم يكنو قد يفترق كل من العنوانين عن الاخر كما قد يجتمع ليس على ما ينبغي بعد ما عرفت من كون التأمل في الروايات و ملاحظة الفتاوى يقتضيان بعدم ثبوت غير حكم واحد في هذا المقام.
الامر الرّابع: ان عنوان التظليل الذي يكون متعلقا للحرمة يراد به التظليل الفعلي الحالي و هو ايجاد المانع عن وقوعه في معرض الشمس ببروزه لها و اطلاق المظلة على مثل الخيمة ليس بلحاظ كونها كذلك حتى في الليل و الغيم بل بلحاظ كونه موجبا لتحقق الظل فى مقابل الشمس فلا يصدق على الوقوع تحتها عنوان التظليل الاّ في مورد وجود الشمس.
الامر الخامس: انّه و ان كان مفاد جملة من الروايات عدم جواز الاستظلال من المطر و ثبوت الكفارة فيه كرواية الحميري المتقدمة التي نقلها في الاحتجاج و المكاتبة المضمرة لعلى بن محمد قال: كتبت اليه المحرم هل يظلل على نفسه اذااذته الشمس او المطر او كان مريضا ام لا؟ فان ظلّل هل يجب عليه الفداء ام