(الصفحة 397)
وقوع التعرض له في الروايات بالكلية فاللازم الالتزام بلزوم التفريق حتى يكون طريقا الى استفادة لزوم الاتمام فافهم و اغتنم.
الجهة الثانية: في العنوان الذي هو متعلق اللزوم فان التعبير الواقع في كثير من الروايات المتقدمة هو عنوان التفريق و في رواية علي بن ابي حمزة عنوان الافتراق و الظاهر ان متعلّق اللزوم هو العنوان الثاني الذي لازمه كون التكليف متوجّها الى نفس الزوجين دون الاوّل الذي لازمه كون التكليف متوجها الى الثالث لانّه ـ مضافا الى ان الجماع قلّ ما يتفق ان يطّلع عليه غير الزوجين خصوصا في حال الاحرام الذي يكون فيه محرّما بل من اعظم محرمات الاحرام و عليه فتوجيه التكليف الى الغير لا يترتب عليه اثر غالبا ـ تكون مناسبة الحكم و الموضوع مقتضية لتوجه التكليف الى الزوجين المرتكبين للمحرّم و عليه فالظاهر كون متعلق اللزوم هو الافتراق كما وقع التعبير به في مثل الشرايع نعم لو اطلع عليه الغير و لم يفترقا يجب عليه ذلك من باب الامر بالمعروف فتدبّر.
الجهة الثالثة: هل الواجب هو الافتراق في خصوص الحج الاوّل او في خصوص الحج الثاني كما هو ظاهر الشرايع بل صريحها او في كليهما؟ فنقول مقتضى روايتى معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين على التفريق هو كون التفريق في الحج الاوّل و مقتضى صحيحته الثالثة كون التفريق في الحج الثاني و هي ما رواه عن ابي عبدالله (عليه السلام) قال سئلته عن رجل وقع على امرأته و هو محرم قال ان كان جاهلا فليس عليه شيء، و ان لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة و عليه الحج من قابل فاذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرّق محملا هما فلم يجتمعا في خباء واحد الاان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى محلّه(1)
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 12
(الصفحة 398)
و لكن حيث ان الظاهر اتحاد هذه الرواية مع الروايتين كما ان الظاهراتحادهما ايضا فالرواية التي رواها معاوية في هذه المسئلة واحدة و عليه يتردد الامر بين كون التفريق المأمور به هو التفريق في الاول او التفريق في الثاني فلا يصح للاستدلال بها على خصوص واحد منهما.
نعم مقتضى جملة من الروايات كون التفريق في الاوّل من دون تعرض للتفريق في الثاني كمرفوعة ابان بن عثمان الى ابي جعفر و ابي عبد الله (عليهما السلام) قالا: المحرم اذا وقع على اهله يفرق بينهما يعني بذلك لا يخلوان و ان يكون معهما ثالث(1). و قد نقلها في الوسائل في موضعين و جعلها روايتين مع وضوح عدم تعدّد في البين.
و كصحيحة عبيد الله بن عليّ الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت ارأيت من ابتلى بالجماع ما عليه؟ قال عليه بدنة و ان كانت المرأة اعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما بدنتان ينحرانهما، و ان كان استكرهها و ليس بهوى منها فليس عليها شىء و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا قلت: أرأيت ان اخذا في غير ذلك الطريق الى ارض اخرى يجتمعان؟ قال نعم الحديث(2). و رواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) في حديث قال قلت له:
أرأيت من ابتلى بالرفث و الرفث هو الجماع ما عليه؟ قال يسوق الهدى و يفرق بينه و بين اهله حتى يقضيا المناسك و حتى يعودا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا فقلت أرأيت ان ارادا ان يرجعا في غير ذلك الطريق قال فليجتمعا اذا قضيا المناسك(3)
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 6.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 14.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 15.
(الصفحة 399)
و صحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سئلته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة اعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعاالى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شيء(1).
و ليس في شيء من الروايات الحكم بلزوم التفريق في خصوص الحج الثاني سوى صحيحة معاوية التي عرفت حالها نعم في روايتان ثبوت التفريق في كلا الحجين و هما صحيحة زرارة و رواية علي بن ابي حمزة المتقدمتان و عليه فاللازم الحكم على طبقهما و الفتوى باللزوم في كليهما نعم يمكن ان يقال بالفرق بينهما في غاية الافتراق و سيأتي البحث عنها انشاء الله تعالى.
الجهة الرابعة: هل الحكم بلزوم التفريق ينحصر بما اذا كانت المرئة محرمة مطاوعة او يشمل ما اذا كانت مكرهة على الوقاع؟ ظاهر الشرايع هو الاوّل حيث قال: «و لو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك ـ يعنى الكفارة و الحج من قابل ـ و عليهما ان يفترقا اذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك اذا حجّا على تلك الطريق» فانّها كما تدل على ان لزوم الافتراق انّما هو في الحج الثاني كذلك تدلّ على انّ مورده صورة المطاوعة فلا يجب في غير هذه الصّورة.
هذا و لكن مقتضى اطلاق بعض الروايات الشمول لصورة الاستكراه ايضامثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن ابي عبد الله (عليه السلام) في المحرم يقع على اهله فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح ـ 1.
(الصفحة 400)
محلّه(1). نعم قد عرفت اتحاد الصحيحتين الآخرتين له و لازمه الترديد و عدم ثبوت ما هو الصادر منه (عليه السلام) مشخّصا فلا مجال للاستدلال بشيء منهما على المقام و كذا المرفوعتان المتقدمتان اللتان عرفت وحدتهما ايضا تدلان بالاطلاق على ما ذكر.
و دعوى انصراف الاطلاق الى صورة المطاوعة ممنوعة خصوصا بعد كون المنشأ للانصراف هي غلبة الاستعمال لا مجرد غلبة الوجود كما قرّر في محلّه.
و اظهر من ذلك صحيحة عبيد الله بن على الحلبي المتقدمة آنفا فانه بعد التفصيل بين صورتي الاعانة بشهوة مع شهوة الرجل و الاستكراه و الحكم بثبوت بدنتين عليهما في الاولى و عدم ثبوت شيء عليها في الثانية، ذكر عقيبه: و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا(2). فانّها تدل بالدلالة الظاهرة القوية على كون الحكم بلزوم التفريق مترتبا على كلتا الصورتين خصوصا بعد نفي ثبوت شيء عليها.
و عليه فيظهر ان المراد من قوله (عليه السلام) في صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة كذلك: و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شيء(3) هو نفي ثبوت الهدى لا هو مع لزوم التفريق كما هو ظاهر.
هذا و لكن ذكر في الجواهر انه قد يدلّ مفهوم مضمر زرارة ـ المتقدم في صدرالبحث ـ على عدم الافتراق بينهما اذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية او احدهما عالما و الآخر جاهلا و المكره بحكم الجاهل و يؤيده انه على تقدير كون متعلق الحكم هو الافتراق الذي هو فعل الزوجين لا التفريق الذي ظاهره كونه فعلا للثالث يبعد كون المكره ـ بالفتح ـ متوجّها اليه حكم لزومي
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 5.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 14.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 1.
(الصفحة 401)
خصوصا بعد عدم ثبوت الكفارة عليه و عدم لزوم الحجّ من قابل.
و لكنه مع ذلك كلّه لا مجال لرفع اليد عن الروايات الدالة بالاطلاق على جريان الحكم في صورة الاكراه او كالصريحة في ذلك على ما عرفت.
الجهة الخامسة: في معنى الافتراق فنقول مقتضى النصوص و كثيرة من الفتاوى عدم كون المراد بالافتراق هنا معناه الحقيقى الذي قد اريد في مثل: البيعان بالخيار حتى يفترقا فاذا افترقا وجب البيع بل المراد معناه الكنائي الذي مرجعه الى ان لا يخلوا الاّ و معهما ثالث و قد وقع التصريح به في صحيحتي معاوية بن عمّار و مرفوعتي ابان المتقدّمان و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع ان يكون المراد بالثالث هو المميّز المانع حضوره عرفا عن تحقق المواقعة فلا يشمل غير المميز و لا المميز غير المانع حضوره كذلك كالزوجة.
الجهة السادسة: في غاية الافتراق بعد وضوح كون مبدئه مكان المواقعة و المحلّ الذي احدثا فيه فنقول قد انقدح لك من ملاحظة الروايات المتقدمة وجود الاختلاف بينها من جهة الغاية ففي بعضها جعلها بلوغ الهدى محله الذي معناه حصول التحلل له بالذبح في منى في الجملة و في بعضها جعلها قضاء المناسك الذي قد عبّر عنه بالانتهاء الى مكة و حصول الاحلال لهما و في بعضها قد جعلت الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المحلّ الذي كان فيه ما كان و في بعضها نفر الناس و الرجوع الى المحل المذكور و المحكّي عن الحدائق و الرياض: «انّ الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الاخبار حمل تعدّد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب فاعلاه الرجوع الى موضع الخطيئة و ان احلاّ و قضيا المناسك قبله ثم قضاء المناسك ثم بلوغ الهدي محلّه كما في الصحيحين و هو كناية عن الاحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الاخبار المتقدمة و لكن الاحتياط يقتضى المصير الى المرتبة العليا ثم الوسطى سيّما في الحجّة الاولى لكثرة