(الصفحة 141)
كانت بدن كثيرة و اريد اشعارها المشتملة على قوله (عليه السلام) فانه اذا اشعرها و قلّدهاوجب عليه الاحرام و هو بمنزلة التلبية(1).
و الظاهر من الوجوب هو الثبوت الذي هو معناه لغة و دلالتها على ان الاحرام غير الاشعار و ان الاشعار موجب لتحقق الاحرام واضحة و كذا التلبية التي يكون الاشعار بمنزلتها.
و اصرح من الجميع المشتمل على التعرض للنية و التلبية معا و مدخليتهما في الاحرام صحيحة معاوية بن وهب قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للاحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلّى فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) و قد ترى اناسا يحرمون فلاتفعل حتى تنتهي الى البيداء حيث الميل فتحرمون كما انتم في محاملكم تقول لبيك اللهم لبيّك لبيّك لا شريك لك لبيّك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبّيك بمتعة بعمرة الى الحج(2). و دلالتها على مدخلية التلبية المشتملة على التلفظ بالنيّة المستحب في باب الحج كما تقدم واضحة لكن اشتمالها على النهي عن الاحرام في المسجد و لزوم التأخير الى البيداء يمنع عن الاستدلال بها الاّ ان يقال بالتفكيك بين الامرينو جواز الاستناد اليها بالاضافة الى الامر الثاني الذي هو المقصود في المقام و ان لم يجز الاستناد بالنسبة الى الوجه الاوّل او يقال بانّ المراد هو تأخير الاجهار بالتلبية الى البيداء حيث الميل لا تأخير الاحرام و لكن على هذا التوجيه لا تدل الرواية على المقام و مثل هذه الرواية من دون اشكال ما رواه ابن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب قال قال ابن سنان سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن الاهلال بالحج و عقدته قال هو التلبية اذا لبيّ و هو متوجه فقد
- 1 ـ وسائل ابواب اقسام الحج الباب الثاني عشر ح ـ 91.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام اورد صدره في الباب الرابع و الثلثين ح ـ 3 و ذيله فى الباب الاربعين ح ـ 1.
(الصفحة 142)
وجب عليه ما يجب على المحرم(1). ثم انه في مقابل الروايات المتقدمة بعض ما يكون ظاهره الخلاف كمرسلة النضر بن سويد عن بعض اصحابه قال كتبت الى ابي ابراهيم (عليه السلام) رجل دخل مسجد الشجرة فصلّى و احرم و خرج من المسجد فبداله قبل ان يلبّي ان ينقض ذلك بمواقعة النساء اله ذلك؟ فكتب: نعم او لا باس به(2). و لكنها مضافا الى ضعف سندها بالارسال يحمل بقرينة الروايات المتقدمة على ان المراد من قوله: احرم هو التهيّوء للاحرام و الاستعداد له بالورود في المسجد و لبس الثوبين.
و مثلها ما رواه الصدوق باسناده عن حفص بن البخترى عن ابي عبد الله (عليه السلام) فيمن عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على اهله قبل ان يلبّي قال ليس عليه شىء
(3). بل في بعض الروايات الحكم بثبوت الكفارة مع التصريح بالتهيأ للاحرام و عدم وقوعه و هي رواية احمد بن محمّد قال سمعت ابي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيّأ للاحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهل بالاحرام قال:
عليه دم(4). فتدل على ان المراد بعقد الاحرام في الرّواية السابقة هو التهيؤ و لبس الثياب كما لا يخفى مع انّ فرض الوقوع على الاهل بعد تحقق الاحرام حقيقة بعد الخروج من المسجد لا يكاد يتّفق بخلاف الوقوع في الفصل بين التهيّؤ و الاهلال ثم انّ سيد المستمسك (قدس سره) بعد نقل الاقوال التي تقدم نقلها في اوّل البحث ذكر ماحاصله: «ان اخذ النية في مفهوم الاحرام غير معقول لانه فعل اختيارى يقع عن
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 15.
- 2 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 12.
- 3 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 13.
- 4 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 14.
(الصفحة 143)
نية تارة و لا عنها اخرى و لذلك اعتبروا في صحّتها النية و من المعلوم ان النية لا تكون موضوعا للنية فالاقوال الثلاثة الاوّل على ظاهرها غير معقولة و لعلّها مبنية على المسامحة و امّا التوطين فان كان راجعا الى النية فهو كغيره غير معقول و ان كان راجعا الى البناء النفساني على ترك المحرمات و الالتزام بذلك فهو معقول لانه فعل اختياري يمكن ان يكون موضوعا للنية كغيره من الافعال الاختيارية النفسانية بل قد تحقق في محلّه ان العقود و الايقاعات النفسانية كلّها التزامات نفسانية و هذه الالتزامات اختيارية للموقع ثم استشكل في ان الاحرام هل هو نفس الالتزام او انه الحاصل من التزام ترك المحرمات و استظهر الثاني و ان الالتزام سبب لانشاء الاحرام و حصوله نظير ساير المفاهيم الايقاعية التي يكون ايقاعها بالالتزام لا انه نفس الاحرام كما قد يظهر من الشهيد».
و يرد عليه مضافا ـ الى ان جعل الاحرام مما يتعلق به النية تارة و عدمها اخرى امرا مسلّما مفروغا عنه بحيث يلزم التصرف و الحمل على المسامحة في الكلمات الظاهرة في مدخلية النية في ماهية الإحرام كلاّ او بعضا لعدم امكان تعلق النية بالنيّة لم ينهض عليه دليل و ليس ظهور الحكم باعتبار النية في الصحّة باقوى من ظهور تلك الكلمات في مدخليتها في الماهيّة الاّ ان يقال بان الحكم باعتبار المذكور مفتي به للجميع و تلك الاقوال قائلها معدود فتدبّر و الى ان العقودو الايقاعات النفسانية تكون النية المعتبرة في صحّتها هى الرّضا و طيب النفس غير الموجود في البيع ـ مثلا ـ الصادر عن اكراه و بدون نية اصل المعاملة من العقد او الايقاع لا مجال لدعوى تحقق الالتزام النفساني ـ ان عمدة ما يرد عليه هو التهافت بين صدر كلامه و ذيله فان مدلول الصدر ان الاحرام يمكن ان يقع عن نية تارةو لا عنها اخرى و مفاد الذيل ان الاحرام عبارة عن الالتزام النفساني على ترك المحرمات او الامر الحاصل من الالتزام المذكور مع ان الالتزام النفساني و البناء
(الصفحة 144)
و التعهد كذلك كيف يمكن ان يتحقق بدون النية و كيف يجتمع هذا العنوان مع فقد النيّة و لعلّه من الوضوح بمكان مع انه يرد على اصل جعل الاحرام هو الالتزام او الامر الحاصل منه ما عرفت في اوّل البحث في الجواب عن الشيخ الاعظم ـ قدس سره ـ و ربّما يستدل له ببعض الروايات المشتملة على التعبير في مقام النيّة بانّه احرم لك شعرى و بشرى و لحمى و دمى و عظامى و مخى و عصبى من النساء و الثياب و الطيب(1). بالحمل على كون المراد به هو انشاء الالتزام بذلك و يرد عليه انه قد وقع التصريح قبله بقوله اللهم اني اريد التمتع بالعمرة الى الحجو التعبير الاول زائد على اصل الاحرام كما لا يخفى.
ثمّ انّه قد وقع التصريح في المتن و في حاشية العروة بانّه لو كان الدخيل في الاحرام هى نيّة الاحرام يكون ذلك امرا غير معقول قال (قدس سره) في الحاشية: «بل الاحرام من الامور الاعتبارية الوضعية يتحقق و يعتبر بعد قصد احد النسكين اومع التلبية، و تروكه من احكامه المترتبة عليه بعد التلبية و ليست التروك عينه و لا جزئه و كذا التلبية و لبس الثوبين، و نسبة التلبية اليه كتكبيرة الاحرام الى الصلوة على احتمال و يترتب على ذلك امور لا يسع المقام بيانها و تفصيلها و بهذا يكون من الامور القصدية لا انّ قصد الاحرام محقق عنوانه فانه غير معقول و على ما ذكرنا تدل النصوص و عليه ظاهر فتوى المحققين فراجع».
و يمكن الايراد عليه بان المستفاد من الادلة المتقدمة و ان كان مدخلية نية مجموع العمل من الحج او العمرة فيما يتحقق به الاحرام و يتحصل به في عالم الاعتبار الشرعي الاّ انه لو فرض كون الدخيل هي نيّة الاحرام بعنوانه دون نية الحج او العمرة فاىّ محذور يلزم من ذلك فان جعل موضوع الاعتبار و محقّقه هى
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب 16 ح ـ 1.
(الصفحة 145)
نيّة عنوان الاحرام بضميمة التلبية لا يكون فيه محذور و استحالة كما ان الموضوع لاعتبار الزوجية ـ مثلا ـ هو نيّة الزوجية بضميمة الفاظ الايجاب و القبول و كما في مثل عنوان التعظيم الذي يتحقق بقصده بضميمة العمل الخارجى مثل القيام و نحوه نعم لو كان الاحرام عبارة عن نفس النية كما عرفت في الاقوال الثلاثة يمتنع تعلق النية بها و امّا لو كان الاحرام عبارة عن الامر الاعتباري الوضعي الذي يتحقق بالنية و التلبية فلا فرق بين ان يكون ما هو بمنزلة السبب المؤثرلتحقق ذلك الامر الاعتباري هو نية مجموع العمل و بين ان يكون هو نيّة الاحرام بعنوانه فلم يظهر وجه لعدم المعقولية.
ثمّ انّ من الاقوال و الاحتمالات في باب الاحرام هو القول بانه عبارة عن نفس التروك و سيأتي البحث فيه في المسئلة الاولى انشاء الله تعالى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان المستفاد من الروايات ان الاحرام امر اعتبارى يتحقق و يعتبر بعد قصد الحج او العمرة و الاتيان بالتلبية و ليس لغير هذين الامرين مدخلية في تحققه بوجه.
و يمكن ان يقال بعدم مدخلية التلبية ايضا فيما يتحقق به الاحرام غاية الامر ان التلبية لها دخل في لزومه و عدم جواز نقضه و قبلها يجوز نقضه و ان كان قد تحقق بعد النية بمجردها فانّ التعبير بالايجاب في صحيحة معاوية بن عمارالمتقدمة يمكن ان يقال بظهوره في الالزام بعد التحقق و كذا التعبير بالوجوب في بعض الروايات المتقدمة ايضا كما في مثل قوله (عليه السلام) البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع فانّ الوجوب الحاصل للبيع بعد الافتراق ليس الاّ لزوم البيع و عدم جواز نقضه و الاّ فاصل البيع قد تحقق قبل الافتراق فالوجوب بالمعني اللغوي الراجع الى اصل الثبوت و التحقق حاصل قبل التفرق ايضا و عليه فيمكن ان يقال بانّ التعبير بالوجوب في الروايات في مثل هذه الموارد ظاهر في الاستقرار