(الصفحة 143)
نية تارة و لا عنها اخرى و لذلك اعتبروا في صحّتها النية و من المعلوم ان النية لا تكون موضوعا للنية فالاقوال الثلاثة الاوّل على ظاهرها غير معقولة و لعلّها مبنية على المسامحة و امّا التوطين فان كان راجعا الى النية فهو كغيره غير معقول و ان كان راجعا الى البناء النفساني على ترك المحرمات و الالتزام بذلك فهو معقول لانه فعل اختياري يمكن ان يكون موضوعا للنية كغيره من الافعال الاختيارية النفسانية بل قد تحقق في محلّه ان العقود و الايقاعات النفسانية كلّها التزامات نفسانية و هذه الالتزامات اختيارية للموقع ثم استشكل في ان الاحرام هل هو نفس الالتزام او انه الحاصل من التزام ترك المحرمات و استظهر الثاني و ان الالتزام سبب لانشاء الاحرام و حصوله نظير ساير المفاهيم الايقاعية التي يكون ايقاعها بالالتزام لا انه نفس الاحرام كما قد يظهر من الشهيد».
و يرد عليه مضافا ـ الى ان جعل الاحرام مما يتعلق به النية تارة و عدمها اخرى امرا مسلّما مفروغا عنه بحيث يلزم التصرف و الحمل على المسامحة في الكلمات الظاهرة في مدخلية النية في ماهية الإحرام كلاّ او بعضا لعدم امكان تعلق النية بالنيّة لم ينهض عليه دليل و ليس ظهور الحكم باعتبار النية في الصحّة باقوى من ظهور تلك الكلمات في مدخليتها في الماهيّة الاّ ان يقال بان الحكم باعتبار المذكور مفتي به للجميع و تلك الاقوال قائلها معدود فتدبّر و الى ان العقودو الايقاعات النفسانية تكون النية المعتبرة في صحّتها هى الرّضا و طيب النفس غير الموجود في البيع ـ مثلا ـ الصادر عن اكراه و بدون نية اصل المعاملة من العقد او الايقاع لا مجال لدعوى تحقق الالتزام النفساني ـ ان عمدة ما يرد عليه هو التهافت بين صدر كلامه و ذيله فان مدلول الصدر ان الاحرام يمكن ان يقع عن نية تارةو لا عنها اخرى و مفاد الذيل ان الاحرام عبارة عن الالتزام النفساني على ترك المحرمات او الامر الحاصل من الالتزام المذكور مع ان الالتزام النفساني و البناء
(الصفحة 144)
و التعهد كذلك كيف يمكن ان يتحقق بدون النية و كيف يجتمع هذا العنوان مع فقد النيّة و لعلّه من الوضوح بمكان مع انه يرد على اصل جعل الاحرام هو الالتزام او الامر الحاصل منه ما عرفت في اوّل البحث في الجواب عن الشيخ الاعظم ـ قدس سره ـ و ربّما يستدل له ببعض الروايات المشتملة على التعبير في مقام النيّة بانّه احرم لك شعرى و بشرى و لحمى و دمى و عظامى و مخى و عصبى من النساء و الثياب و الطيب(1). بالحمل على كون المراد به هو انشاء الالتزام بذلك و يرد عليه انه قد وقع التصريح قبله بقوله اللهم اني اريد التمتع بالعمرة الى الحجو التعبير الاول زائد على اصل الاحرام كما لا يخفى.
ثمّ انّه قد وقع التصريح في المتن و في حاشية العروة بانّه لو كان الدخيل في الاحرام هى نيّة الاحرام يكون ذلك امرا غير معقول قال (قدس سره) في الحاشية: «بل الاحرام من الامور الاعتبارية الوضعية يتحقق و يعتبر بعد قصد احد النسكين اومع التلبية، و تروكه من احكامه المترتبة عليه بعد التلبية و ليست التروك عينه و لا جزئه و كذا التلبية و لبس الثوبين، و نسبة التلبية اليه كتكبيرة الاحرام الى الصلوة على احتمال و يترتب على ذلك امور لا يسع المقام بيانها و تفصيلها و بهذا يكون من الامور القصدية لا انّ قصد الاحرام محقق عنوانه فانه غير معقول و على ما ذكرنا تدل النصوص و عليه ظاهر فتوى المحققين فراجع».
و يمكن الايراد عليه بان المستفاد من الادلة المتقدمة و ان كان مدخلية نية مجموع العمل من الحج او العمرة فيما يتحقق به الاحرام و يتحصل به في عالم الاعتبار الشرعي الاّ انه لو فرض كون الدخيل هي نيّة الاحرام بعنوانه دون نية الحج او العمرة فاىّ محذور يلزم من ذلك فان جعل موضوع الاعتبار و محقّقه هى
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب 16 ح ـ 1.
(الصفحة 145)
نيّة عنوان الاحرام بضميمة التلبية لا يكون فيه محذور و استحالة كما ان الموضوع لاعتبار الزوجية ـ مثلا ـ هو نيّة الزوجية بضميمة الفاظ الايجاب و القبول و كما في مثل عنوان التعظيم الذي يتحقق بقصده بضميمة العمل الخارجى مثل القيام و نحوه نعم لو كان الاحرام عبارة عن نفس النية كما عرفت في الاقوال الثلاثة يمتنع تعلق النية بها و امّا لو كان الاحرام عبارة عن الامر الاعتباري الوضعي الذي يتحقق بالنية و التلبية فلا فرق بين ان يكون ما هو بمنزلة السبب المؤثرلتحقق ذلك الامر الاعتباري هو نية مجموع العمل و بين ان يكون هو نيّة الاحرام بعنوانه فلم يظهر وجه لعدم المعقولية.
ثمّ انّ من الاقوال و الاحتمالات في باب الاحرام هو القول بانه عبارة عن نفس التروك و سيأتي البحث فيه في المسئلة الاولى انشاء الله تعالى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا ان المستفاد من الروايات ان الاحرام امر اعتبارى يتحقق و يعتبر بعد قصد الحج او العمرة و الاتيان بالتلبية و ليس لغير هذين الامرين مدخلية في تحققه بوجه.
و يمكن ان يقال بعدم مدخلية التلبية ايضا فيما يتحقق به الاحرام غاية الامر ان التلبية لها دخل في لزومه و عدم جواز نقضه و قبلها يجوز نقضه و ان كان قد تحقق بعد النية بمجردها فانّ التعبير بالايجاب في صحيحة معاوية بن عمارالمتقدمة يمكن ان يقال بظهوره في الالزام بعد التحقق و كذا التعبير بالوجوب في بعض الروايات المتقدمة ايضا كما في مثل قوله (عليه السلام) البيعان بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع فانّ الوجوب الحاصل للبيع بعد الافتراق ليس الاّ لزوم البيع و عدم جواز نقضه و الاّ فاصل البيع قد تحقق قبل الافتراق فالوجوب بالمعني اللغوي الراجع الى اصل الثبوت و التحقق حاصل قبل التفرق ايضا و عليه فيمكن ان يقال بانّ التعبير بالوجوب في الروايات في مثل هذه الموارد ظاهر في الاستقرار
(الصفحة 146)مسألة 1 ـ يعتبر في النّية القربة و الخلوص كما في سائر العبادات فمع فقدهما او فقداحدهما يبطل احرامه. و يجب ان تكون مقارنة للشروع فيه فلا يكفي حصولها في الاثناء فلو تركها وجب تجديدها1.
و عدم امكان الحلّ و النقض و يؤيده التعبير بعقد الاحرام قبل التلبية و بالنقض كذلك في بعض الروايات السّابقة و يشعر بهذا الاحتمال عبارة الحاشية و ان كان ظاهر المتن خلافه.
ثمّ انه مع فقد النيّة و عدمها لا يتحقق الاحرام بوجه من دون فرق بين العالمو بين الجاهل و الناسي غاية الامر ان ترك الاحرام عمدا موجب لبطلان الحج او العمرة بخلاف تركه نسيانا او جهلا حيث انه يصح النسك على التفصيل المتقدم في احكام المواقيت.
1 ـ امّا اعتبار القربة و الخلوص من مثل الرياء فلاجل كون الحج و العمرة بجميع افعالهما من العبادات كما هو المتفق عليه بين الاصحاب حيث يجعلونه في عداد الصلوة و الصيام من العبادات و المرتكز عند المتشرعة ايضا كذلك فانهم يرونه مثلهما فلا بد من رعاية الامرين فيه كما فيهما و مع فقدهما او فقد احدهما يبطل الاحرام.
و امّا اعتبار كون اصل النية الواجبة في الاحرام مقارنة للشروع فيه فالاصل في هذا الامر و التعرض له ما حكى عن الشيخ (قدس سره)في المبسوط حيث قال:
«الافضل ان تكون مقارنة للاحرام فان فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلّل».
و اورد عليه العلامة في المختلف بقوله المحكّى: «الاولى ابطال ما لم يقع بنيّته لفوات الشرط... ».
و لكن جماعة من اعاظم الفقهاء بعد العلامة تصدّوا لتوجيهه:
منهم الشهيد في محكّى الدروس حيث قال: «لعلّه اراد نيّة التمتع في احرامه لا مطلق نية الاحرام و يكون هذا التجديد بناء على جواز نيّة الاحرام المطلق كما
(الصفحة 147)
هو مذهب الشيخ (قدس سره) او على جواز العدول الى التمتع من احرام الحج او العمرة المفردة» و هو يشتمل على توجهين:
احدهما: انّ المراد بالنيّة الفائتة التي لا تجب ان تكون مقارنة بل الافضل ان تكون كذلك هي نيّة عنوان التمتع و امّا نيّة الاحرام فاللازم ان تكون متحققة حال الاحرام مقارنة للشروع فيه و هذا انما يكون على مبني الشيخ القائل بعدم لزوم تعيين النوع من الحج عند الاحرام بل يمكن التعيين قبل التحلل و لو بزمان مّا.
ثانيهما: انّ المراد انه و ان عين نوعا خاصّا غير التمتع عند الاحرام لكنه يجوز له العدول الى التمتع ما لم يقع التحلّل هذا و لكن الظاهر ان كلام الشيخ (قدس سره) لا يساعد شيئا من التوجيهين و لا شاهد فيه عليه بوجه كما لا يخفى.
و منهم صاحب كشف اللثام حيث قال في محكيّه: «و قد يكون النظر الى ماامضيناه من ان التروك لا تفتقر الى النيّة و لمّا اجمع على اشتراط الاحرام بها كالصوم قلنا بها في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة اذ لا دليل على ازيد من ذلك، و لو لم يكن في الصوم نحو قوله (صلى الله عليه وآله): لا صيام لمن لم يبيت الصيام قلنا فيه بمثل ذلك و انما كان الافضل المقارنة لان النية شرط في ترتب الثواب على الترك».
اقول: تصوير صورة المسئلة و هي المقارنة و فواتها و تجديد النيّة لا يكاد يتحقق الاّ على هذا المبني و هو الالتزام بكون الاحرام عبارة عن مجرّد التروك الخارجية من دون مدخليّة للنيّة في اصل تحقّقه فانه ـ ح ـ يمكن ان تكون النية مقارنة للشروع و يمكن ان تكون متأخرة عنه كما انه يمكن الخلو عن النيّة رأسا.
و امّا على غير هذا المبني فلا يكاد يتصور الاحرام و الشروع فيه بدون نيّة سواءقلنا بما اخترناه تبعا للماتن (قدس سره) من ان الاحرام امر اعتبارى وضعي يتحقق و يعتبر بعد نيّه الحجّ او العمرة او مع التلبية ايضا او قلنا بانه عبارة عن توطين النفس و الالتزام بترك المحرمات المعهودة الثابتة على المحرم كما عرفت انه مختار