(الصفحة 399)
و صحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سئلته عن رجل باشر امرأته و هما محرمان ما عليهما؟ فقال ان كانت المرأة اعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدى جميعا و يفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك و حتى يرجعاالى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا، و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شيء(1).
و ليس في شيء من الروايات الحكم بلزوم التفريق في خصوص الحج الثاني سوى صحيحة معاوية التي عرفت حالها نعم في روايتان ثبوت التفريق في كلا الحجين و هما صحيحة زرارة و رواية علي بن ابي حمزة المتقدمتان و عليه فاللازم الحكم على طبقهما و الفتوى باللزوم في كليهما نعم يمكن ان يقال بالفرق بينهما في غاية الافتراق و سيأتي البحث عنها انشاء الله تعالى.
الجهة الرابعة: هل الحكم بلزوم التفريق ينحصر بما اذا كانت المرئة محرمة مطاوعة او يشمل ما اذا كانت مكرهة على الوقاع؟ ظاهر الشرايع هو الاوّل حيث قال: «و لو كانت امرأته محرمة مطاوعة لزمها مثل ذلك ـ يعنى الكفارة و الحج من قابل ـ و عليهما ان يفترقا اذا بلغا ذلك المكان حتى يقضيا المناسك اذا حجّا على تلك الطريق» فانّها كما تدل على ان لزوم الافتراق انّما هو في الحج الثاني كذلك تدلّ على انّ مورده صورة المطاوعة فلا يجب في غير هذه الصّورة.
هذا و لكن مقتضى اطلاق بعض الروايات الشمول لصورة الاستكراه ايضامثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة عن ابي عبد الله (عليه السلام) في المحرم يقع على اهله فقال: يفرق بينهما و لا يجتمعان في خباء الا ان يكون معهما غيرهما حتى يبلغ الهدى
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الرابع ح ـ 1.
(الصفحة 400)
محلّه(1). نعم قد عرفت اتحاد الصحيحتين الآخرتين له و لازمه الترديد و عدم ثبوت ما هو الصادر منه (عليه السلام) مشخّصا فلا مجال للاستدلال بشيء منهما على المقام و كذا المرفوعتان المتقدمتان اللتان عرفت وحدتهما ايضا تدلان بالاطلاق على ما ذكر.
و دعوى انصراف الاطلاق الى صورة المطاوعة ممنوعة خصوصا بعد كون المنشأ للانصراف هي غلبة الاستعمال لا مجرد غلبة الوجود كما قرّر في محلّه.
و اظهر من ذلك صحيحة عبيد الله بن على الحلبي المتقدمة آنفا فانه بعد التفصيل بين صورتي الاعانة بشهوة مع شهوة الرجل و الاستكراه و الحكم بثبوت بدنتين عليهما في الاولى و عدم ثبوت شيء عليها في الثانية، ذكر عقيبه: و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا(2). فانّها تدل بالدلالة الظاهرة القوية على كون الحكم بلزوم التفريق مترتبا على كلتا الصورتين خصوصا بعد نفي ثبوت شيء عليها.
و عليه فيظهر ان المراد من قوله (عليه السلام) في صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة كذلك: و ان كانت المرأة لم تعن بشهوة و استكرهها صاحبها فليس عليها شيء(3) هو نفي ثبوت الهدى لا هو مع لزوم التفريق كما هو ظاهر.
هذا و لكن ذكر في الجواهر انه قد يدلّ مفهوم مضمر زرارة ـ المتقدم في صدرالبحث ـ على عدم الافتراق بينهما اذا لم يكونا عالمين سواء كانا جاهلين كما في صدر الرواية او احدهما عالما و الآخر جاهلا و المكره بحكم الجاهل و يؤيده انه على تقدير كون متعلق الحكم هو الافتراق الذي هو فعل الزوجين لا التفريق الذي ظاهره كونه فعلا للثالث يبعد كون المكره ـ بالفتح ـ متوجّها اليه حكم لزومي
- 1 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 5.
- 2 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 14.
- 3 ـ وسائل ابواب كفارات الاستمتاع الباب الثالث ح ـ 1.
(الصفحة 401)
خصوصا بعد عدم ثبوت الكفارة عليه و عدم لزوم الحجّ من قابل.
و لكنه مع ذلك كلّه لا مجال لرفع اليد عن الروايات الدالة بالاطلاق على جريان الحكم في صورة الاكراه او كالصريحة في ذلك على ما عرفت.
الجهة الخامسة: في معنى الافتراق فنقول مقتضى النصوص و كثيرة من الفتاوى عدم كون المراد بالافتراق هنا معناه الحقيقى الذي قد اريد في مثل: البيعان بالخيار حتى يفترقا فاذا افترقا وجب البيع بل المراد معناه الكنائي الذي مرجعه الى ان لا يخلوا الاّ و معهما ثالث و قد وقع التصريح به في صحيحتي معاوية بن عمّار و مرفوعتي ابان المتقدّمان و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع ان يكون المراد بالثالث هو المميّز المانع حضوره عرفا عن تحقق المواقعة فلا يشمل غير المميز و لا المميز غير المانع حضوره كذلك كالزوجة.
الجهة السادسة: في غاية الافتراق بعد وضوح كون مبدئه مكان المواقعة و المحلّ الذي احدثا فيه فنقول قد انقدح لك من ملاحظة الروايات المتقدمة وجود الاختلاف بينها من جهة الغاية ففي بعضها جعلها بلوغ الهدى محله الذي معناه حصول التحلل له بالذبح في منى في الجملة و في بعضها جعلها قضاء المناسك الذي قد عبّر عنه بالانتهاء الى مكة و حصول الاحلال لهما و في بعضها قد جعلت الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المحلّ الذي كان فيه ما كان و في بعضها نفر الناس و الرجوع الى المحل المذكور و المحكّي عن الحدائق و الرياض: «انّ الذي يقتضيه النظر في الجمع بين هذه الاخبار حمل تعدّد هذه الغايات على تفاوت مراتب الفضل و الاستحباب فاعلاه الرجوع الى موضع الخطيئة و ان احلاّ و قضيا المناسك قبله ثم قضاء المناسك ثم بلوغ الهدي محلّه كما في الصحيحين و هو كناية عن الاحلال بذبح الهدي كما وقع التصريح به في بعض الاخبار المتقدمة و لكن الاحتياط يقتضى المصير الى المرتبة العليا ثم الوسطى سيّما في الحجّة الاولى لكثرة
(الصفحة 402)
اخبارها و اشتهارها».
و اورد عليهما صاحب الجواهر (قدس سره) بان الذي يقتضيه النظر في النصوص بعدتقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر ان لم يكن اجماع كون الغاية العليا في الاداء و القضاء هي محل الخطيئة نعم يمكن تحصيل الاجماع على وجوب الافتراق في حجة القضاء الى قضاء المناسك لا ازيد.
و مراده ان ما دل على كون الغاية بلوغ الهدى محلّه يكون مفهومه عبارة عن انّه اذا بلغ الهدى محله لا يجب الافتراق و مقتضي اطلاق المفهوم انه لا فرق بين صورة قضاء المناسك باجمعها و بين صورة عدمه و يقيد هذا الاطلاق بمنطوق ما دلّ على ان الغاية قضاء المناسك كما انّ اطلاق مفهومه يقيد بمنطوق ما دلّ على ان الغاية هو الرجوع الى محلّ المواقعة و الوصول اليه و مختاره (قدس سره) هو كون الغاية هي محلّ الخطيئة و احتمل وجود الاجماع على وجوب الافتراق الى قضاء المناسك في حجة القضاء و ثبوت الاستحباب بعده الى محلّ الحدث اذا رجعا الى ذلك الطريقو ذكر في ذيل كلامه: «اللّهم الا ان يدعى ان المفهوم من النصوص اتّحاد الغاية فيهما و الفرض الاجماع على عدم وجوب الزائد على قضاء المناسك في القضاء فيكون الاداء مثله مؤيّدا ذلك بانه لا احرام بعد قضاء المناسك فليس الاّ التعبدالمحض فالاولى حمله على الندب فيهما».
هذا و قد اورد بعض الاعلام (قدس سره) على الاوّلين بانّ ظاهر الاوامر المذكورة في الرّوايات هو الوجوب فرفع اليد عنه و حمله على الاستحباب بلا موجب.
و على صاحب الجواهر (قدس سره) بان الظاهر من الروايات ان كل واحد من الامور المذكورة عنوان مستقل فحمل احدها على الآخر بلا وجه بل يقتضى الغاء العنوان الاخر بالمرّة فان مقتضى حمل بلوغ الهدى على محلّ الخطيئة عدم الاعتدادببلوغ الهدى اصلا و ان العبرة بمحلّ الخطيئة.
(الصفحة 403)
ثم قال في تحقيق المسألة ما ملخّصه: «ان الروايات الواردة في هذا المجال على طوائف ثلاث:
الطائفة الاولى: ما جعل الغاية قضاء المناسك و الرجوع الى المكان الذي فيه الجماع مثل صحيحة زرارة و غيرها و مقتضى اطلاقها الشمول للمكان الذي هو قبل ارض منى و بعده يعني الحاج لمّا يتوجه من مكّة الى عرفات يذهب اليها من طريق منى لاستحبابه شرعا و عليه فالجماع قد يقع قبل الوصول الى منى و قد يقع بعده كما انه يشمل ما اذا وقع الجماع بعد الميقات اذا كان الحج افرادا احرم له من الميقات.
و الطائفة الثانية: ما جعل الغاية بلوغ الهدى محلّه مثل صحيحتي معاوية بن عمارو مقتضى اطلاقها الشمول لجميع الموارد الّتي يشملها الطائفة الاولى فبينهما التعارض بالكلية.
و الطائفة الثالثة: ما تدل على ان الجماع اذا كان قبل الوصول الى منى فغاية الافتراق يوم النفر و هو اليوم الثاني عشر كما في صحيحة الحلبي: و يفرق بينهما حتى ينفر الناس و يرجعا الى المكان الذي اصابا فيه ما اصابا، فان ظاهرها ان مكان الجماع قبل الوصول الى منى.
و عليه فهذه الصحيحة تخصص الطائفة الثانية فيكون موردها غير صورة وقوع الجماع قبل الوصول الى منى فالجماع اذا وقع قبل الوصول الى منى فغاية الافتراق يوم النفر و الرجوع الى محلّ الخطيئة و اذا وقع بعد الوصول الى منى فغايته بلوغ الهدى محلّه اي يوم النحر و بعد ذلك تكون نسبة الطائفة الثانية بعد التخصيص بالاضافة الى الطائفة الاولى العموم و الخصوص مطلقا لانقلاب النسبة ـ بناء عليه ـ فيصير الحاصل من المجموع انّ الجماع اذا وقع قبل الوصول الى منى كما اذا وقع في مكة او في طريقه ما بين مكّة و منى فغاية الافتراق يوم النفر المذكور و اذا وقع بعد تجاوزه