(الصفحة 440)
عبد الله (عليه السلام) قوله: سمعته يقول ليس ينبغي للمحرم ان يتزوّج و لا يزوّج محلا(1). فان قوله ليس ينبغي بعد وضوح عدم كون المراد منه هي الكراهة دون الحرمة لا ينطبق الاّ على الحرمة التكليفية و لا يجري فيه احتمال البطلان بوجه كما لا يخفى.
ثمّ انّه و ان وقع التعبير في كلمات الفقهاء ـ رض ـ بايقاع العقد لنفسه الاّ انه ليس المراد ان يكون اجراء العقد و انشائه بلسان المحرم بل المراد هو تزوج المحرم و صيرورته زوجا في حال الاحرام و ان شئت قلت ان ايقاع العقد كذلك اعم من ان يكون مباشرة او تسبيبا و عليه فكما انّه لو تحقق التوكيل في اجراء الصيغة فقط او في تحصيل الزوجة له ثم انشاء العقد في حال الاحرام و تحقق من الوكيل ذلك في هذا الحال يكون المحرم قد ارتكب محرّما لاجل تحقق التزوج كذلك لو تحقق التوكيل كذلك قبل الاحرام و تحقق متعلق الوكالة في حال الاحرام يتحقق متعلق الحرمة التكليفية الاحرامية لصدق عنوان التزوج حاله نعم لو تحقق التوكيل في حال الاحرام و لم يكن متعلّق الوكالة مقيدا بحال الاحرام بل كان مقيّدا بما بعد الاحرام او مطلقا و لكن تحقق التزويج من الوكيل بعد الاحرام لا يوجب ذلك تحقق المحرّم الاحرامي لفرض كون الاتصاف متحققا بعده و لم ينهض دليل على كون مجرد التوكيل محرّما على المحرم لعدم تحقق عنوان التزوج بمجرده و عدم تحقق ايقاع العقد لنفسه الذي قد وقع التعبير به في كلمات الفقهاء على ما عرفت.
نعم لو كانت الوكالة مقيدة بحال الاحرام او مطلقة و لكن وقع العمل من الوكيل في حال الاحرام لا مجال لتوهّم عدم الحرمة بوجه كما هو ظاهر و امّا ايقاع العقد لغيره الذي وقع التعبير عنه بالتزويج اي تزويج الغير فلا شبهة في تحققه اذا
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع عشر ح ـ 6.
(الصفحة 441)
صار المحرم وكيلا عن الغير و لو في مجرد ايقاع الصيغة و ذلك لانّ تعبير الوكيل كذلك بقوله: زوجت و انكحت شاهد على صدق عنوان التزويج و الانكاح على الوكيل و لا يتوقف صدقه على كون الزوج متصديا لاجراء الصيغة بالمباشرة و عليه فلا اشكال في صدقه على الوكيل و لو كذلك.
نعم هنا شبهة و هي انه لو فرض انّ المحرم اذن في حال الاحرام في ان تتزوج ابنته مع رجل و تحقق النّكاح بينهما من دون ان يكون المحرم مباشرا لاجراء العقد و ايقاع الصيغة و قلنا بمدخليّة اذن الاب في نكاح البنت فلا اشكال في انّه لا يتحقق العنوان المأخوذ في الفتاوى و هو ايقاع العقد لغيره لان المفروض عدم تحقق العقد منه و امّا العنوان المأخوذ في الروايات مثل الصحيحة المتقدمة و هو تزويج الغير فالظاهر تحققه لانّ صدق عنوان التزويج على الاب خصوصا مع مدخلية اذنه في نكاح بنته لا مجال لانكاره مع انّ الظاهر عدم التزامهم بذلك و عدم حكمهم بان مجرّد الاذن محرّم على المحرم و لاجله يتحقق الاشكال من جهة ان العنوان المأخوذ في الكلمات لم يقم عليه دليل و لو فرض ثبوت الاجماع فالظاهر كونه مستندا الى الروايات الواردة في المسئلة التي ادّعى صاحب الجواهر (قدس سره) تواترهاو العنوان المأخوذ في النص الظاهر تحقّقه فانّه اذا كان الوكيل في مجرد اجراء الصيغة يصح له اسناد التزويج الى نفسه فالاب المذكور يصدق عليه ذلك بطريق اولى و لذا عدّ في الرواية المعروفة المشتملة على انّ الآباء ثلاثة عنوان الاب الذي زوجّك من جملتهم فانّ مصداق الاب الكذائي يكون المورد المفروض من افراده قطعا و الاّ فلا يبقي له مورد اصلا و اطلاق الاب عليه و ان كان على نحو التسامح و التجوّز الاّ انّ وصف كونه مزوّجا انّما هو على نحو الحقيقة كالتوليد و التعليم و عليه فالظاهر صدق عنوان المزوّج على الاب في المورد المفروض و مقتضاه عدم جواز الاذن له فيه و ان كان ظاهر الفتاوى لا يساعده بوجه.
(الصفحة 442)
و اظهر من ذلك ما لو تحقق التزويج من المحرم بعنوان الولاية كما اذا زوّج ابنته الصّغيرة بان وكّل محلا في تزويجها مع رعاية الغبطة فانه يصدق عليه عنوان المزوّج مع انه لم يتحقق منه ايقاع العقد لغيره و لعلّه لذا استقرب في محكي القواعد جواز توكيل الجدّ المحرم محلاّ في تزويج المولّي عليه و الظاهر وقوعه في حال احرام الجدّ.
لكنّه اورد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) مضافا الى انه لا خصوصية للجدّ في ذلك بل الجواز على تقديره يعمّ الاب ايضا بانّ الوكيل نائب الموكّل و لا نيابة فيما ليس له فعله من التزويج المنهي عنه في النصوص الذي يشمل التوكيل و لذا قطعوابحرمة توكيل المحرم على التزويج لنفسه و بطلان العقد.
هذا و الجواب الظاهر عن القواعد ما عرفت من صدق عنوان «المزوّج» على الولّى حقيقة و امّا ما افاده صاحب الجواهر من انّه لا نيابة فيما ليس له ـ اى للموكّل ـ فعله فيرد عليه انّه قد لا يجوز للموكّل العمل مع انه يجوز للوكيل ايقاعهو تصحّ الوكالة فيه كما اذا استأجرت الحائض التي لا يجوز لها كنس المسجد غيرها الذي يجوز له ذلك فانه لا اشكال في جواز الاستيجار و الاستنابة في مثله فالعمدة ما ذكرنا في الجواب.
هذا و الظاهر انه لو زوّج المحرم للغير فضوليّا من الجانبين او من الجانب الواحدفالحكم هي الحرمة لتطابق العنوانين المأخوذين في النص و الفتوى عليه امّا عنوان ايقاع العقد لغيره فواضح و امّا عنوان التزويج فالظاهر ايضا صدقه و لذا يقول الفضولي في الصيغة «زوّجت» كما يقول في البيع «بعت» و لاجله وقع النهي عن بيع ما ليس عنده سواء كان المراد به هو الفساد مطلقا بحيث لا تؤثر فيه الاجازة اللاّحقة كما يقول به القائل ببطلان الفضولي بالمرّة او كان المراد به هو الفسادبمعنى عدم ترتب الاثر المقصود عليه اى عدم وقوع التمليك و التملك بمجرد تمامية العقد بحيث لا ينافي التأثير مع الاجازة اللاّحقة كما استظهره منه الشيخ الاعظم
(الصفحة 443)
الانصاري ـ قدس سرّه ـ و لو اريد بالنّهي المذكور مجرد الحكم التكليفي على خلاف ما هو ظاهر النواهي المتعلقة بالمعاملات من كونها ارشادا الى الفساد لكان دالا على ما ذكرنا ايضا من صدق عنوان البايع على البايع الفضولي كما لا يخفى و عليه فصدق عنوان تزويج الغير على المحرم العاقد فضوليّا لا مجال للمناقشة فيه فيكون محرّما بالحرمة الاحراميّة.
هذا و لو انعكس الامر بان عقد الفضولى للمحرم فاراد المحرم ان يجيزه في حال الاحرام فان قلنا بان الاجازة ناقلة اي جزء للسّبب الموثر و لا يتم السبب بدونها و لا يتحقق التأثير الاّ بعد وجودها و من زمنها فلا اشكال في حرمتها لصدق عنوان «التزوج» عليها لانه يصير متزوجا بسببها في حال الاحرام و لا فرق بين ان يتزوج بنفسه او يجيز عقد الفضولي بناء على ذلك.
و ان قلنا بان الاجازة كاشفة فان وقع العقد و الاجازة كلاهما في حال الاحرام فلا شبهة في حرمة الاجازة لانّها على جميع الاقوال و المباني قد تحقق تزوج المحرم في حال الاحرام و هو منهي عنه في الرواية من دون فرق بين الالتزام بما عليه المشهور من الكشف الحقيقي و التزام كون الاجازة شرطا متأخرا و ان اعترض عليهم جمال المحققين في حاشيته على الرّوضة بان الشرط لا يتأخر و بين الالتزام بكون الشرط تعقب العقد بالاجازة لا نفس الاجازة و لازمه جواز التصرف قبل الاجازة لو علم تحققها فيما بعد و بين الالتزام بالكشف الحكمى و هو اجراء احكام الكشف بقدر الامكان مع عدم تحقق الملك في باب البيع في الواقع الاّ بعد الاجازة كما اختاره شريف العلماء (قدس سره) في بعض تحقيقاته، و ذلك لما عرفت من تحقق التزوّج في حال الاحرام على جميع الاقوال كما هو واضح.
و لو وقع العقد من الفضولي في حال الاحرام و صدرت الاجازة بعد الاحلالو الخروج من الاحرام فلا اشكال في جوازها تكليفا و وضعا لو قلنا بان الاجازة
(الصفحة 444)
ناقلة بالمعنى الذي اشرنا اليه لتحقق التزوج بالاضافة الى الزوج بعدها و المفروض كونه خارجا عن الاحرام حال الاجازة و الظاهر ان الامر يكون كذلك بناء على الكشف الحكمى.
و امّا بناء على الكشف الحقيقي باحد المعنيين فالظاهر انه لا مجال لاحتمال كون الاجازة محرّمة التكليفية الاحرامية التي هي محلّ البحث فعلا لكون المفروض صدورها بعد الخروج من الاحرام و مجرد تأثيرها في حصول التزويجو التزوج من حين العقد الصادر من الفضولي لا يوجب اتصاف الاجازة بالحرمة بعد كون زمن وقوعها حال عدم الاحرام نعم يمكن البحث فيه من جهة الحكم الوضعي و هو البطلان لوقوع التزوج في حال الاحرام و هو موضوع للحكم بعدم الصحة كما سيأتي انشاء الله تعالى و الانصاف وقوع الخلط في الكلمات بين الحكمين مع انه لا ملازمة بينهما و بالجملة لا وجه لدعوى ثبوت الحرمة التكليفية بعد كون الامر المستند الى الزوج هي الاجازة الصادرة منه في غير حال الاحرام.
هذا و لو انعكس الامر بان وقع العقد من الفضولي قبل الاحرام و صدرت الاجازة في حال الاحرام فان قلنا بكون الاجازة ناقلة فالظاهر حرمتها لتحقق التزوج بسببها فيصدق العنوان المنهي عنه في الرّواية و كذا على تقدير القول بالكشف الحكمي.
و امّا على تقدير القول بالكشف الحقيقي باحد المعنيين فيمكن ان يقال بعدم الحرمة لان ظرف حصول التزوج انّما هو حال العقد و هو لا يكون محرما حينه و مجرد تأثير الاجازة في ذلك بنحو الشرط المتأخر او بنحو التعقب لا دليل على حرمته لعدم نهوض دليل على حرمة كل ما له تعلق بالنكاح و التزوّج و الاّ لكان اللازم الحكم بحرمة التوكيل في التزويج حال الاحرام اذا كان متعلق الوكالة صدور العمل من الوكيل بعد الاحرام مع انه من الواضح عدم الحرمة.