(الصفحة 348)
و الحرم لان هذا الحيوان المشكوك المردّد بين الاهلي و الوحشي يجوز ذبحه للمحلّ في الحرم للبرائة فيجوز ذبحه للمحرم في الحلّ و الحرم للكلية المذكورة.
و يرد عليه ـ مضافا الى ان ظاهر الصحيحة كون المراد من الجواز للمحلّ في الحرم هو الجواز بعنوان الحكم الواقعي لا الاعم منه و من الحكم الظاهري كيف و لازمه الجواز للمحرم و لو مع عدم الشبهة له و ثبوت الشبهة للمحل و لا مجال للالتزام به فهل يحتمل الحكم بالجواز للمحرم مع العلم بعدم كونه اهليّا لاجل شك المحلو الحكم بالجواز عليه.
انّه لا حاجة الى ما افاده على فرض صحته لما عرفت من كون المرجع بعد عدم جواز الرجوع الى شىء من الدليلين هو الاصل العملي و هو يقتضي الحلّية.
الجهة التاسعة:
في انه هل العبرة في حرمة صيد البرّ على المحرم هي الحالة الاصليّة فلو تبدلّ الامتناع و التوحش المأخوذ في مفهوم الصيد الى الاهلية و عدم الامتناع كما في الظبي الذي صار اهليّا بالتربية و التمرين لا ينقلب الحكم الى الحلية و كذا في جواز قتل الحيوان الاهلي للمحرم تكون العبرة بالحالة الاصليّة فلو صار متوحّشا لا ينقلب الى الحكم بالحرمة او ان العبرة بالحالة الفعلية من الوحشية و الاهلية؟ المعروف و المشهور بقاء حكم الاصل و عدم التبدل لعدم خروج مثل الظبي بالاهلية عن عنوان الصيد بل المأخوذ في مفهومه الممتنع بالاصالة و كذا لا يصدق عنوانه على الابل ـ مثلا ـ الذي صار وحشيّا بالعرض مع ان مقتضى اطلاق الادلة الدالة على جواز ذبح الحيوانات الاهلية الجواز و لو مع عروض التوحش لها فهل يحتمل عدم جواز نحر الابل الوحشي الذي اخذه و استولى عليه في منى بعنوان الهدى فالظاهرانه لا يتحقق التبدل و انقلاب الحكم بوجه.
(الصفحة 349)الثاني: النساء وطوءا و تقبيلا و لمسا و نظرا بشهوة بل كل لذّة تمتع منها1.
ثم انه بقى في الصيد بعض احكام اخر كما انه لم يقع التعرض في المتن لكفارات الصيد و قد عرفت في اوّل البحث انه عقد صاحب الوسائل فصلا خاصّا لكفارات الصيد و اورد فيه ما يتجاوز عن خمسين بابا و لعلّنا نتعرض لما بقي من احكام الصيد و لكفاراته في المحلّ المناسب له لو ساعدنا التوفيق انشاء الله تعالى.
1 ـ في حرمة النساء في حال الاحرام جهات من الكلام:
الجهة الاولى:
في الجماع و لا شبهة في حرمته في الاحرام بل هو امر مقطوع به بين الاصحاب و الاجماع بقسميه عليه و الاصل في حرمته كالصيد هو الكتاب قال الله تعالى:
(الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج)(1). و الكلام في الآية يقع في مقامات:
المقام الاوّل: في معنى الرفث و المراد منه هو الجماع و يدل عليه مضافا الى انه معناه لغة و يؤيده قول صاحب مجمع البحرين فانه بعد ان نسب الى القيل ان معناه هو الفحش من القول عند الجماع قال: و الاصحّ انه الجماع و الى ان الظاهركونه هو المراد من قوله تعالى:
(احلّ لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم)(2). تفسير آية الحج بذلك في بعض الروايات الصّحيحة مثل صحيحة معاوية بن عمّار قال:
قال ابو عبد الله (عليه السلام) اذا احرمت فعليك بتقوى الله و ذكر الله و قلة الكلام الاّ بخير فان تمام الحج و العمرة ان يحفظ المرء لسانه الاّ من خير كما قال الله ـ عزّ و جلّ ـ
- 1 ـ سورة البقرة آية 197.
- 2 ـ سورة البقرة 178.
(الصفحة 350)
فان الله يقول: فمن فرض فيهن الحجّ فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج فالرفث الجماع و الفسوق الكذب و السّباب و الجدال قول الرّجل لا و الله و بلى و الله(1). و صحيحة عليّ بن جعفر قال سئلت اخي موسى (عليه السلام) عن الرفثو الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال الرفث جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: لا و الله و بلى و الله قال فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و ان لم يجد فشاة و كفارة الفسوق يتصدق به اذا فعله و هو محرم(2). قال في الجواهر بعد نقل الرواية: «و لعلّه سقط من الخبر شىء كما احتمله في الوافيو عن قرب الاسناد للحميري: و كفارة الجدال و الفسوق شىء يتصدق به فيمكن كون الساقط هنا «شىء» و عن المنتقي انه تصحيف «يستغفر ربّه» و هو كما ترى».
و بالجملة لا شبهة في ان المراد بالرفث في آية الحج هو الجماع.
المقام الثاني: ان التعبير في الآية و ان كان بصورة الجملة الخبرية و بلسان «لا» النافية للجنس كقوله لا رجل في الدّار و لكن الظاهر انّ المراد به هو النهي و كون الآية في مقام بيان الحكم و قد تقرر في محلّه ان دلالة الجملة الخبرية الواقعة في مقام افادة البعث او الزجر اقوى من دلالة صيغتي الامر و النهي و عليه فالآية تدل على النهي عن الرفث في الحج و عدم جوازه فيه و قد استظهر بعض مشايخ اساتيدنا من حديث نفي الضرر ذلك و ان المراد منه مجرد جعل حكم تحريمي اوّلي متعلق بالضرر و الضّرار و استشهد بهذه الآية التي لا محيص عن حملها على كون المراد منهاذلك و كيف كان لا شبهة ايضا في هذا المقام في ان المراد هو النهي و جعل الحكم
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثاني و الثلاثون ح ـ 1.
- 2 ـ اورد صدرها فى الوسائل في ابواب تروك الاحرام الباب الثاني و الثلاثون ح ـ 4 و ذيلها فى ابواب كفارات الاستمتاع باب 3 ح ـ 4.
(الصفحة 351)
خلافا لما ذكره القرطبي في تفسيره الكبير حيث قال: «قال ابن العربي المراد بقوله فلا رفث نفيه مشروعا لا موجودا فانا نجد الرفث فيه و نشاهده و خبر الله سبحانه لا يجوز ان يقع بخلاف مخبره و انما يرجع النفي الى وجوده مشروعا لا الى وجوده محسوسا الى ان قال: و هذه الدقيقة هي التي فاتت العلماء فقالوا ان الخبر يكون بمعنى النهي و ما وجد ذلك قطّ و لا يصح ان يوجد فانهما مختلفان حقيقة و متضادان وصفا».
و يرد عليه ـ مضافا الى ان لازمه عدم صحة وقوع الجملة الفعلية الخبرية ايضافي مقام الانشاء و افادة الحكم مع انه قد تقرّر في الاصول صحته و استعملت كذلك كثيرا في الروايات الواردة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ مثل يعيد و يغتسل و يتوضّأ و اشباهها و الى ان اختلاف الحقيقة و تضاد الخبر و الانشاء وصفا لا يمنع عن استعمال احدهما مكان الاخر مجازا او كناية فانّ ماهية الاسد ـ مثلا ـ مختلفة مع ماهية الرجل الشجاع و بينهما التضاد بحسب الوصف مع ان استعمال الاوّل في الثاني استعارة صحيح مشتمل على اللطافة و الظرافة الخاصة ـ انّ نفي الفسوق مع عدم مشروعية في غير الحج ايضا ينفى حمل النفي على نفي المشروعية فلا محيص عن حمل الآية على ما ذكرنا و هذه دقيقة فاتت من صاحب التفسير و ان نسب فوتها الى العلماء.
المقام الثالث: انّ المدّعى في باب محرّمات الاحرام هي المحرمات التي يجب الاجتناب عنها على كل محرم سواء كان محرما باحرام الحج او باحرام العمرة و سواء كانت العمرة عمرة التمتّع او عمرة مفردة و ان كان بين المحرمات اختلاف من جهة ثبوت الكفارة و عدمه كما ان بينها فرقا من جهة افساد الحج او العمرة كما في الجماع في بعض صوره و عدم الافساد بوجه، مع ان الآية بلحاظ التعبير بالحج فيها مكررا و كون الحج مذكورا في الكتاب في مقابل العمرة كقوله تعالى:
(الصفحة 352)
(و اتمّوا الحج و العمرة لله) و قوله تعالى:
(فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما) و غيرهما من الموارد و بلحاظ صدرها و هو قوله تعالى الحج اشهر معلومات مع ان الاشهر الخاصة مرتبطة بالحج لعدم اختصاص العمرة بشهر خاص و عليه فالآية لا تشمل العمرة المفردة و ان كان يمكن دعوى شمولها لعمرة التمتع لارتباطهابالحج و عدم صحة وقوعها في غير اشهر الحج الاّ انّها لا تشمل العمرة المفردة غير المختصة بشهر خاص.
هذا و لكن يمكن استفادة العموم و ان الحكم مرتبط بالاحرام ايّ احرام كان مضافا الى انه ايضا مقطوع به بين الاصحاب من جملة من الروايات الواردة في الباب مثل:
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن ابي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يقع على اهله بعد ما يعقد الاحرام و لم يلبّ قال: ليس عليه شىء(1). و مرسلة جميل بن درّاج عن بعض اصحابنا عن احدهما (عليهما السلام) في رجل صلّى الظهر في مسجد الشجرة و عقد الاحرام ثم مسّ طيبا او صاد صيدا او واقع اهله قال ليس عليه شىء ما لم يلبّ(2). و صحيحة معاوية بن عمّار قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقع على اهله فيما دون الفرج قال: عليه بدنة و ان كانت المرئة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه. الحديث(3). و ثبوت الكفارة في الافعال التي لا يكون مضطرااليها لضرورة كمرض و نحوه يستفاد منه الحرمة و يدل عليها بالملازمة كما اشرنا اليه مرارا كما ان الجواب قرينة على كون مورد السؤال هو حال الاحرام فتدبر.
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الحادى عشر ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الحادى عشر ح ـ 2.
- 3 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الثانى عشر ح ـ 1.