(الصفحة 231)
منها: صحيحة معاوية بن عمار و غير واحد عن ابي عبد الله (عليه السلام) في رجل احرم و عليه فميصه فقال ينزعه و لا يشقّه و ان كان لبسه بعد ما احرم شقّه و اخرجه مما يلى رجليه(1). فان الظاهر ان النقطة المهمة للسائل هو وجود القميصو لبسه حال الاحرام لا عدم كونه لابسا للثوبين مع انه يمكن ان يقال بان اطلاق السؤال يشمل ما لو كان لابسا لهما و لم يقع في الجواب استفصال فالرواية مرتبطة بهذا الامر و دالة على عدم قدح لبس القميص في صحة الاحرام و انعقاده و ما في كلام كاشف اللثام المتقدم من احتمال كون عدم وجوب الشقّ و جواز النزع من الراس لاجل عدم انعقاد الاحرام لعله يكون خلاف صريح الرّواية و الا كان اللازم الحكم بوجوب تجديد النية و التلبية كما هو واضح.
و الظاهر ايضا اطلاق السؤال في الرواية و عدم اختصاصه بخصوص الجاهلو دعوى انه من البعيد الاحرام مع القميص من العالم المريد للامتثال و الاتيان بامر عبادى مدفوعة بان ما لا يجتمع مع العلم هو فساد العمل و بطلانه فانّه لا معني للاتيان بالعمل الفاسد في حال ارادة الامتثال مع العلم بالفساد و امّا العلم بالحرمة فاجتماعه مع الارادة المذكورة بمكان من الامكان و لذا يتحقق احيانا بعض محرّمات الاحرام من المحرم حتى الموجب للكفارة و عليه فلا مجال لتخصيص مورد السؤال بالجاهل ثم انه يمكن ان يكون الوجه في التفصيل في الرواية بين اللبس قبل الاحرام و اللبس بعده هو استلزام الثاني لستر الرأس المحرّم مرتين تارة حال اللبس و اخرى حال النزع و لذا حكم عليه بالشق و الاخراج مما يلى رجليه و امّا الاوّل فحيث كان لبسه قبل الاحرام لا يتحقق ستر الرأس الاّ مرّة واحدة.
و منها: صحيحة عبد الصمد بن بشير قال جاء رجل يلبّى حتى دخل المسجد و هو
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 2.
(الصفحة 232)
يلبي و عليه قميصه فوثب اليه ناس من اصحاب ابي حنيفة فقالوا شق قميصكو اخرجه من رجليك فان عليك بدنة و عليك الحج من قابل و حجّك فاسد فطلع ابو عبد الله (عليه السلام) على باب المسجد فكبّر و استقبل القبلة فدنا الرجل من ابي عبد الله (عليه السلام) هو ينتف شعره و يضرب وجهه فقال له ابو عبد الله (عليه السلام) اسكن يا عبد الله فلما كلّمه و كان الرجل اعجميّا فقال ابو عبد الله (عليه السلام) ما تقول قال كنت رجلا اعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث احجّ لم اسئل احدا عن شىء و افتوني هؤلاء ان اشق قميصي و انزعه من قبل رجلى و ان حجّى فاسد و انّ علىّ بدنة فقال له: متى لبست قميصك ابعد ما لبّيت ام قبل؟ قال قبل ان البّى قال فاخرجه من رأسك فانه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحجّ من قابل، اىّ رجل ركب امرا بجهالة فلا شىء عليه، طف بالبيت سبعا و صلّ ركعتين عند مقام ابراهيم (عليه السلام) واسع بين الصفا و المروة، و قصّر من شعرك فاذا كان يوم التروية فاغتسل و اهلّ بالحجّ و اصنع كما يصنع الناس(1). و قد جمع صاحب الحدائق بين هذه الصحيحة و الصحيحة السابقة التي كانت مطلقة من حيث العلم و الجهل بحملها على صورة الجهل و الحكم بانّ صحة الاحرام في المخيط تختص بهذه الصورة و امّا العالم الذي تعمّد الاحرام في المخيط فاحرامه باطل من رأس.
و اورد عليه بعض الاعلام (قدس سره) بان المقام ليس من موارد حمل المطلق على المقيّد لان الصحيحة الاخيرة لا تدل على صحة عمله لكونه جاهلا و انّما هي في مقام بيان انه ليس عليه الكفارة في مقابل فتوى اناس من اصحاب ابي حنيفة.
- 1 ـ اورد عمدتها في الوسائل فى الباب الخامس و الاربعين من ابواب تروك الاحرام ح ـ 3 و سائر قطعاتهامتفرقة في الابواب الاخر.
(الصفحة 233)
و انت خبير بانّ التعليل في الرواية بقوله (عليه السلام): اىّ رجل... كما انه تعليل لعدم وجوب البدنة كذلك يكون تعليلا لعدم ثبوت الحج عليه من قابل الذي هو اثر صحة العمل و عدم فساده فانّ افساد الحج يوجب الحج من قابل و امّا الحج الصحيح فيترتب عليه عدم الوجوب ثانيا و ارتباط التقليل بهذه الجهة لعلّه يكون اقوى من ارتباطه بعدم وجوب الكفارة لذكره بعده و اتصاله بالتعليل مع ان اصحاب ابي حنيفة قد صرّحوا عليه بفساد حجّه ايضا فلا مجال لدعوى اختصاص العلة بخصوص الكفارة.
لكن الجواب عن صاحب الحدائق ان ظاهر العلّة انّ الجاهل لا شىء عليه من الكفارة و فساد الحجّ و مفهومه عدم ثبوت ذلك بالاضافة الى العالم و لكن لا بمعنى ثبوت كلا الامرين معا بل بالمعنى الاعم منه و من ثبوت احدهما و عليه فلا مانع من الحكم بثبوت صحة الاحرام في المخيط و لو مع العلم عملا بمقتضي اطلاق الصحيحة الاولى و الحكم بثبوت الكفارة عليه عملا بمقتضي دليل ثبوتها بالنسبة الى العالم و عليه فالجمع بين الصحيحتين لا يقتضي تخصيص الحكم بالصحة بخصوص الجاهل بل يعمّ العالم ايضا.
و منها: رواية خالد بن محمّد الاصمّ قال دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم فدخل في الطواف و عليه قميص و كساء فاقبل الناس عليه يشقّون قميصه و كان صلبا فرأه ابو عبد الله (عليه السلام) و هم يعالجون قميصه يشقونه فقال له كيف صنعت؟ فقال احرمت هكذا في قميصي و كسائي فقال انزعه من رأسك ليس ينزع هذا من رجليه انّما جهل فاتاه غير ذلك فسئله فقال: ما تقول في رجل احرم في قميصه قال: ينزع من رأسه(1)
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 4.
(الصفحة 234)
و الرواية ضعيفة بخالد حيث انه لم يوثق بل و لم يمدح بوجه و استكشاف كون الرجل الداخل في المسجد محرما مع انه كان عليه قميص و كساء امّا من طريق كونه لابسا ثوبى الاحرام ايضا و امّا من طريق كونه ملبيّا كما في الرواية السابقة بل لا يبعد ان تكون القصة المذكورة في هذه الرواية عين تلك القصة دون قصة اخرى.
و لا يجري احتمال التقييد في هذه الرواية بالاضافة الى الصحيحة الاولى لعدم التعرض فيها لصحة الاحرام و عدمها بل موضع الاختلاف هو نزع القميص من الرأس او من الرجلين و كلاهما لا يتحققان الاّ مع صحة الاحرام كما عرفت لكنه ذكر في «المستمسك» ظاهر ما في خبر خالد بن محمد الاصم من التعليل بقوله (عليه السلام): ايّ رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه الاختصاص بحال الجهل فلا يشمل حال العلم بالموضوع و الحكم و ـ ح ـ يتعين تخصيص صحيح معاوية به، فيحمل على حال الجهل لا غير و يرجع الى القاعدة في البناء على البطلان في حال العلم...
و انت خبير بان هذا التعليل قد وقع في الصحيحة المتقدمة دون هذه الرواية فان كان مراده كون تلك الرواية مقيّدة كما عرفت من الحدائق فقد مرّ الجواب عنه و ان كان مراده كون هذه الرواية كذلك فقد مرّ انه لم يقع التعرض فيهاللصحة و البطلان بل الاختلاف انّما هو في النزع من الرأس او من الرجلين و كلاهما مفروضان مع صحة الاحرام و امّا ما افاده من ان مقتضي القاعدة البناء على البطلان في حال العلم فسيأتي البحث فيه عند التعرض لكلام السيد (قدس سره) في العروة انشاء الله تعالى.
و منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال ان لبست ثوبا في احرامك لا يصلح لك لبسه فلبّ و اعد غسلك، و ان لبست قميصا فشقّه و اخرجه من تحت قدميك(1)
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الخامس و الاربعون ح ـ 5.
(الصفحة 235)
و المراد بلبس الثوب في الجملة الاولى بقرينة المقابلة و التعرض للبس القميص في الجملة الثانية هو لبس المخيط غير القميص من العباء و القباء و الازار و غيرها المشترك في كونه محيطا و في عدم افتقار نزعه عادة الى ستر الرأس بخلاف القميص الذي يتوقف لبسه و نزعه الى الستر و لو لحظة خصوصا في القميص المتداول بين الاعراب حتى اليوم الذي كان طوله الى الرجلين نوعا و هل المراد هو لبس الثوب الكذائى او القميص في حال انعقاد الاحرام و شروعه بحيث كانت النية و التلبية في اللباس المذكور او ان المراد هو اللبس بعد الاحرام؟ الظاهر هوالثاني لانه فرق بين قوله لبس القميص ـ مثلا ـ في احرامه و بين قوله احرم في القميص او احرم و عليه قميصه كما في صحيحة معاوية بن عمار الاولى.
و يؤيده بل يدل عليه ان الحكم بوجوب الشقّ و الاخراج من الرّجل قد ورد في الروايات المتقدمة بالاضافة الى الفرض الثاني و من الواضح اتحاد المراد من الجملتين من هذه الجهة و عليه فالرواية لا ترتبط بالمقام الذي هو الفرض الاوّل.
ان قلت: ان قوله (عليه السلام): فلبّ ظاهر في وجوب التلبية و مرجعه الى بطلان الاحرام و لزوم تجديده و عليه فاذا كان لبس المخيط بعد الاحرام موجبا لبطلانه و فساده فايجابه للبطلان و عدم الانعقاد من رأس فيما لو احرم في المخيط انّما يكون كذلك لو لم يكن اولى.
قلت: ـ مضافا الى ان الظاهر انه لم يقل احد بكون لبس المخيط بعد الاحرام موجبا لفساده و لزوم تجديده و الى ان قوله: و اعد غسلك قرينة على عدم وجوب التلبية فتدبّر ـ ان مقتضي ذلك التفصيل في الصحة و البطلان بين القميص و غيره من الالبسة المخيطة ضرورة ان الحكم بوجوب الشق في القميص لا يجتمع مع بطلان الاحرام و عليه فاللازم ان يقال بعدم كون المراد من التلبية هو الاحرام خصوصا مع التعبير بعنوان الاحرام قبلها فلا مناص من ان يكون المراد