(الصفحة 127)
و بالجملة ملاحظة الروايات و الجمع بينها من هذه الجهة يمكن باحد وجوه ثلاثة:
الوجه الاوّل: ما افاده بعض الاعلام (قدس سره) من تخصيص الصحيحة بموردهاو التفصيل بين الحائض الجاهلة و بين غيرها من الناسى و الجاهل بالحكم بوجوب الرجوع و العود الى جانب الميقات بالمقدار الممكن في الاول دون الثاني.
الوجه الثاني: جعل الصحيحة بعد الغاء الخصوصية عن موردها مقيدة للاطلاقات الدالة على انه ان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج الظاهرة في الاكتفاء بمجرد الخروج و ان كان قادرا على العود الى جانب الميقات و حملها على خصوص غير القادر و لعلّ هذا هو المراد من الوجه الذي قال في المسالك: في وجوب العود الى ما امكن من الطريق وجه، و ان استدل له بقاعدة الميسور ايضا لكنها ممنوعة جدّا لانه لم ينهض دليل على لزوم كون من مرّ على الميقات محرما في جميع المسافة من جهة المكان و الزمان بل الدليل انما دلّ على لزوم الاحرام من الميقات و توقف الخروج من الاحرام على الحج او العمرة و من المعلوم ارتفاع اللزوم بسبب الجهل او النسيان فلا مجال للتمسك بهذه القاعدة في المقام.
الوجه الثالث: جعل المطلقات بعد ظهورها في الاطلاق ظهورا قويّا بحيث يكون تقييدها بعيدا جدّا قرينة على التصرف في الصحيحة و حمل الامر بالرجوع بالمقدار الممكن على الاستحباب كما عرفت انه مستند المتن ظاهرا و هذا الوجه اظهر الوجوه الثلاثة. ثمّ ان ظاهر ما ورد من الروايات في الجاهل و ان كان هو الجاهل بالحكم الاّ ان الظاهر كما في المتن عدم الاختصاص به بل الشمول للجاهل بالموضوع ايضا لعدم الفرق و الظاهر كما قيل كون الحكم اجماعيّاايضا.
(الصفحة 128)
الفرع الثالث:
ما لو جاوز الميقات من دون احرام لاجل عدم كونه قاصدا للنسك من حج او عمرة و عدم كونه قاصدا لدخول مكة و لا لدخول الحرم فبدا له ان يحج او يعتمر او يدخل احدهما فان تمكن من العود الى الميقات و الرجوع اليه و الاحرام منه فلا اشكال في لزوم الاحرام منه بمعنى اشتراطه في صحة عمله و توقفها على الاحرام من الميقات.
و ان لم يتمكن من الاحرام من الميقات ففي المتن جريان حكم الناسيو الجاهل بالنسبة اليه من الاحرام من خارج الحرم عند القدرة و الاستطاعة و من داخل الحرم عند عدم الاستطاعة و عدم القدرة على ان يخرج الى خارجه.
و ما استدلّ له او يمكن الاستدلال به وجوه اربعة:
احدها: الاجماع و يرد عليه مضافا الى انّ صاحب الجواهر ـ قد ـ نفى وجدان الخلاف في مساواة حكمه مع الناسي و لم ينقل الاجماع، انه على تقديره لا يكون الاجماع المنقول بحجة و على تقدير كونه محصّلا لا يكون مجديا بعد احتمال كون مستنده بعض الوجوه الآتية.
ثانيها: الاولوية القطعية و قد تمسك بها صاحب الجواهر و بعض شرّاح العروة نظرا الى ان المكلف بالحج اذا سقط عنه وجوب الاحرام من الميقات و جاز له الاحرام من غيره فثبوت هذا الحكم لمن لم يكن مأمورا بالحج من الاوّل واقعالعدم المقتضي بطريق اولى.
و يرد عليه انه كما ان الحكم في الناسي و الجاهل مطلق شامل للنسك الواجب و المستحب لاطلاق الروايات الواردة في حكمهما كذلك ما هو المفروض في المقام تارة كان يجب عليه الحج في هذا العام و لكنه لم يكن قاصدا للاتيان به
(الصفحة 129)
فيه و لم يكن مروره على الميقات بقصد الاتيان به لكنه بعد التجاوز عنه بداله ذلك و قصد الاتيان بالواجب و اخرى لا يكون واجبا عليه لكنه بعد التجاوز بداله ان يحج استحبابا كما انه يمكن تصوير صورة ثالثة و هى تحقق الاستطاعة له بعد التجاوز عن الميقات فاراد ان يحج لاجلها ففي الصورة الاولى لا مجال لدعوى الاولوية الظنية فضلا عن القطعية لانّ معذورية الناسي و الجاهل العازمين على الاحرام على تقدير عدم النسيان و الجهل لا يستلزم معذورية العاصي المفروض و مروره على الميقات من دون احرام و ان لم يكن محرّما بالحرمة التكليفية لعدم كونه قاصدا للحج و لا لدخول مكة او الحرم الاّ ان الكلام ليس في هذا الحكم بل في الحكم الوضعي الذي مرجعه الى مدخلية الاحرام من الميقات في صحة حجّه و عمرته و قد قام الدليل الخاص في الجاهل و الناسي و لم يدل دليل عليه في المقام بل مقتضي الادلة العامّة الواردة في المواقيت عدم الصّحة و عدم الاكتفاء بالاحرام من غيرها كما انه في الصورة الثانية التى بداله ان يحج ـ مثلا ـ استحبابا لا مجال لدعوى الاولويّة لان التسهيل الوارد بالاضافة اليهما بمقتضي الروايات الخاصة المتقدمة لا يستلزم التسهيل بالاضافة الى غيرهما كما لا يخفى.
و امّا الصورة الثالثة فيمكن ان يقال فيها بعدم تحقق الاستطاعة بعد عدم امكان الاحرام من الميقات و فرض مدخليته في صحة الحج و عدم دلالة ما ورد في الناسي و الجاهل على حكم غيرهما و منع ثبوت الاولوية بعد عدم التكليف فتدبّر.
ثالثها: صدر صحيحة الحلبي المتقدمة المشتملة على السؤال عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم و يظهر الاستدلال به من صاحب الجواهر نظرا الى ان اطلاق الترك يشمل ما هو المفروض في المقام و هو من لم يكن مريدا للنسك و لا لدخول مكة او الحرم.
و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من اتحاد هذه الرواية مع صحيحته الاخرى
(الصفحة 130)
المشتملة على السؤال عن خصوص الناسي و عليه فلم يعلم كون المذكور في السؤال هو عنوان الترك المطلق او خصوص الترك الناشي عن النسيان انه على تقدير كون مورد السؤال هو الترك لا يشمل المقام و ان قلنا بشموله للترك عن عمد على خلاف ما استظهرنا منه كما مرّ و ذلك لان الظاهر من السؤال و الجواب هو كون المفروض ما لو ترك الوظيفة الثابتة عليه المقررة له و في المقام لا تكون وظيفته حين العبور الاحرام فالرواية لا تشمله بوجه و ان قلنا بشمولها للعامد.
رابعها: ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة و هو قوله (عليه السلام): فان خشى ان يفوته الحج فليحرم من مكانه و قد استدل به بعض الاعلام (قدس سره)في شرح العروة نظرا الى انه يستفاد منه جواز الاحرام من غير الميقات في كل مورد يخشى ان يفوت الحج منه قال: «و المفروض ان هذا الشخص قد وجب عليه الحج بالفعل و لا يجوز له التسويف و فرضنا انه لا يتمكن من الذهاب الى الميقات لضيق الوقت و غيره من الاعذار فيحرم من غير الميقات الى ان قال مورد السؤال و ان كان لا يشمل المقام لكن تعليله بخشية فوت الحج شامل له فان المستفاد من التعليل ان المدار في جوازالاحرام من غير الميقات بخوف فوت الحج الواجب عنه».
و يرد عليه مضافا الى ما عرفت من عدم كون الكلام في خصوص الحج الواجب بل في الاعم منه و من الحج المستحب و الرواية مطلقة سؤالا و جوابا ان حمل الفقرة المذكورة على التعليل لا شاهد له بوجه فان المفروض فيها فوت الحج عن الناسي او مطلق التارك غير الشامل للمقام على ما اعترف به (قدس سره) فان تجويز الاحرام من غير الميقات بالاضافة اليه لئلاّ يفوت منه الحج لا دلالة له على التجويز في غير مورده و ليس هذا بمنزلة التعليل الموجب لسراية الحكم بالاضافة الى غير مورده كما لا يخفى.
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا انه لم يقم دليل على اتحاد حكم هذا الفرض
(الصفحة 131)
مع الناسي و الجاهل فاللازم بمقتضي القاعدة عدم صحة حجّه عند عدم التمكن من العود الى الميقات و الاحرام منه.
الفرع الرّابع:
ما لو نسى الاحرام الى آخر الاعمال و المناسك فتارة يكون ذلك في العمرة و اخرى يكون في الحج، و العمرة في الصورة الاولي قد تكون عمرة مفردة و اخرى تكون عمرة التمتّع و قد وقع عنوان هذا الفرع في المتن بخصوص الناسي و لكن الظاهر بقرينة ما سبق من التشريك بين الناسي و الجاهل في الحكم ثبوت التشريك هنا ايضا و ان الحكم لا يكون مختصّا بالناسي و كيف كان فالمشهور شهرة عظيمة كما في الجواهر بل في محكى الدروس نسبته الى الاصحاب عداالحلّى صحة عمله و عدم وجوب القضاء اى تأدية ما كان يريد الاحرام له من حج او عمرة ان كان واجبا و المحكى عن الحلّى صاحب السرائر وجوب القضاء في الصورة المذكورة قال فيها بعد ما نسب صحة الحج الى ما روي في اخبارنا:
«و الذي تقتضيه اصول المذهب انه لا تجزى و تجب عليه الاعادة لقوله (صلى الله عليه وآله) انما الاعمال بالنيّات و هذا عمل ب لانية فلا يرجع عن الادلّة باخبار الاحاد و لم يوردها و لم يقل به احد من اصحابنا سوى شيخنا ابي جعفر (قدس سره) فالرجوع الى الادلة اولى من تقليد الرجال».
اقول: ما ورد من النصوص في هذا الفرع لا يتجاوز عن اثنين:
احدهما: ما رواه الكليني عن على بن ابراهيم عن ابيه عن ابن ابي عمير عن جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن احدهما (عليهما السلام)في رجل نسي ان يحرم او جهل و قد شهد المناسك كلّها و طاف و سعى، قال تجزيه نيّته اذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه و ان لم يهلّ، و قال في مريض اغمى عليه حتّى اتى
|