(الصفحة 302)
امرا آخرا و هو جواز التظليل في حال الاختيار مع ضمّ الكفّارة و عدمه.
و قد ظهر من جميع ما ذكرنا انه لا مجال لاستفادة ثبوت الكفارة في التظليل الاختياري الذي يكون محرّما من الروايات و الادلة اللفظية الواردة في الباب اللّهم ان يكون مستنده الاجماع كما لا تبعد دعويه فتدبّر.
الجهة الثانية:
في ثبوت الكفارة في التظليل الجائز الصادر عن اضطرار و نقول انّ العنوان المأخوذ موضوعا لعدم الحرمة في كثير من الكلمات هو الاضطرار كما في المتن لكن المحكى عن الشيخين و ابن ادريس اعتبار الضرر العظيم و من البعيد ان يكون مرادهم ثبوت خصوصية زائدة في المقام بحيث لم يكن مجرد الحرج و الضرر العرفي كافيا كما في سائر المقامات.
هذا و امّا الروايات الواردة في هذا الباب فظاهر كثير منها انّ المعيار في الجوازمطلق الاذية الشامل لما يحتمّل مثله نوعا كرواية على بن محمّد قال كتبت اليه:
المحرم هل يظلل على نفسه اذا اذته الشمس او المطر او كان مريضا ام لا؟ فان ظللّ هل يجب عليه الفداء ام لا؟ فكتب يظلّل على نفسه و يهريق دما ان شاء الله(1). و رواية محمد بن اسماعيل قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام) عن الظلّ للمحرم من اذى مطر او شمس فقال ارى ان يفديه بشاة و يذبحها بمنى(2). و رواية سعد بن سعد الاشعرى عن ابي الحسن الرّضا (عليه السلام)قال سئلته
- 1 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 3.
(الصفحة 303)
عن المحرم يظلّل على نفسه فقال: امن علة؟.
فقلت: يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم فقال هى علّة يظلّل و يفدي(1). و رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرّضا (عليه السلام)قال و سئله رجل عن الظلال للمحرم من اذي مطر او شمس و انا اسمع فامره ان يفدي شاةو يذبحها بمنى(2). قال في الوسائل بعد نقلها عن الكليني: و رواه الشيخ باسناده عن احمد بن محمد، و رواه الصدوق باسناده عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن ابي الحسن (عليه السلام) مثله الاّ انه قال: في اذى من مطر او شمس او قال من علّة و زاد:
و قال: نحن اذا اردنا ذلك ظلّلنا و فدينا. و ذيل الرواية على نقل الصدوق ربما يشعربكون الجواز اوسع من الاذي ايضا.
لكن في مقابلها ما يدلّ على تضييق دائرة الجواز مثل رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال سئلت ابا الحسن (عليه السلام) عن الرجل المحرم كان اذا اصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال هو اعلم بنفسه اذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها(3). و رواية اسحاق بن عمّار عن ابي الحسن (عليه السلام) قال سئلته عن المحرم يظلّل عليه و هو محرم قال: لا الاّ مريض او من به علة و الذي لا يطيق حرّ الشمس(4). و مضمرة محمد بن منصور عنه (عليه السلام) قال سئلته عن الظلاّل للمحرم فقال:
- 1 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 4.
- 2 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 6.
- 3 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع و السّتون ح ـ 6.
- 4 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع و السّتون ح ـ 7.
(الصفحة 304)
لا يظلّل الاّ من علّة او مرض(1). و رواية اسماعيل بن عبد الخالق قال سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال لا الاّ ان يكون شيخا كبيرا او قال ذا علّة(2). و اصرح من الكلّ رواية زرارة قال سئلته عن المحرم ايتغطىّ؟ قال امّا من الحرّ و البرد فلا(3). و السؤال فيها في نفسه و ان كان يحتمل فيه ان يكون عن تغطية الرأس التي هي محرم آخر على الرجال غير الاستظلال كما عرفت الاّ ان الجواب بلحاظ قوله (عليه السلام) من الحرّ يدل على كون المراد الاستظلال فتدبّر و مقتضي قاعدة حمل المطلق على المقيّد حمل الطائفة الاولى على الاذية التي لا تتحمل عادة و تكون مشقة و حرجا.
ثم ان كثيرا من الروايات المتقدمة كما تدل على الجواز في مورد الاضطراركذلك تدل على ثبوت الكفارة و قد مرّ انه لا منافاة بين الجواز بحسب الحكم الثانوي و بين ثبوت الكفارة بوجه.
الجهة الثالثة:
في جنس الكفارة و قد ظهر لك بملاحظة الروايات المتقدمة انّها بين ما يدلّ على لزوم الكفارة بعنوانها و ما يدل على لزوم اراقة الدّم و ما يدل على لزوم الفدية بشاة و ما يكون ظاهره لزوم التصدق بمدّ لكلّ يوم و حيث ان الاخيرة رواية واحدة رواها على بن ابي حمزة البطائني عن ابي بصير و عليّ المذكور كذاب معروف فلا مجال للاستناد بها بل اللازم طرحها و عليه فمقتضي قاعدة حمل المطلق على
- 1 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع و السّتون ح ـ 8.
- 2 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع و السّتون ح ـ 9.
- 3 ـ وسائل ابواب تروك الاحرام الباب الرابع و السّتون ح ـ 14.
(الصفحة 305)
المقيّد الاخذ بما يدل على تعيّن الشاة و الحكم بلزوم اراقة دمها.
نعم قد عرفت في صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى (عليهما السلام) انه بعد ما سوّغ له الامام (عليه السلام) التظليل و حكم عليه بوجوب الكفارة انّ الراوي عن علىّ قال: فرأيت عليّا اذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفارة الظلّ(1). و قد حمله جملة من الاصحاب على الاستحباب لكنه ربما يقال: انه لا وجه له لانه بعد ما كان ظاهرالروايات تعين الشاة لا يكون غيرها مجزيا و لو كان ابلا و فعل على بن جعفر لا يكون حجة و لعلّه اجتهاد منه غير متبع عندنا.
و يبعد هذا القول انّ مثل على بن جعفر مع شدّة اتصاله بالامام (عليه السلام) و كثرة رواياته عنه الحاكية عن احاطته بالاحكام و المسائل لا يكاد يخفى عليه مثل ذلك خصوصا مع التفاوت الفاحش بين قيمتي البدنة و البقرة و عليه فالظاهر هو الحمل على الاستحباب ثم ان الظاهر ان قوله (قدس سره) في المتن، على الاحوط راجع الى اصل كفارة الاستظلال لا خصوص ما اذا كان عن عذر لما عرفت من عدم دلالة شىء من الروايات على ثبوت الكفارة للتظليل المحرّم غير الجائز و الوجه في الاحتياط دون الفتوى امّا وجود الروايّة الدالة على التصدق و امّا اطلاقات الكفارة و الدّم التي يبعد تقييدها مع كثرتها فتدبّر.
الجهة الرّابعة:
في تكرّر الكفارة بتكرر الاستظلال و عدمه و محل الكلام انّما هو التكرر بالتكرر في احرام واحد ضرورة انّه اذا كان في احرامين و لو كانا لعمرة التمتع و حجّه المرتبطين اللذين يعدّان عملا واحدا كما مرّ مرارا لا خفاء في التعدّد لتعدّد
- 1 ـ وسائل ابواب بقيّة كفارات الاحرام الباب السادس ح ـ 2.
(الصفحة 306)
الاحرام و لا مجال معه لاحتمال التداخل اصلا و لو كان سبب الاستظلال شيئاواحدا كالمرض ـ مثلا ـ كالافطار في يومين من شهر رمضان.
و الظاهر انّ المستفاد من الروايات و الفتاوى التداخل و عدم التكرّر لوضوح تكرر الاستظلال في مثل الشيخ الكبير و المريض سيّما اذا كان الاحرام من مسجد الشجرة الذي هو ابعد المواقيت و يكون الفصل بينه و بين مكة ما يتجاوز عن سبعين فرسخا و في هذا المسير يتحقق الخروج و الدخول في المحل كثيرا جدّا فاذا التزمنا بثبوت الكفارة لكل مرّة يلزم ثبوت مثل ثلاثين شاة في احرام واحد و هذا مما يطمئن الانسان بعدمه خصوصا مع عدم التعرض للزوم التكرير في شىء من الرّوايات المتقدمة مع وضوح الحاجة الى البيان على تقديره بل بعضها ظاهر في عدم التكرر مثل ما يدل على انه يفدي بشاة و يذبحها بمنى الظاهر في شاة واحدة مع كون مورده تكرر الاستظلال كما لا يخفى.
هذا مضافا الى صحيحة على بن راشد الظاهرة في عدم اللزوم في احرام واحدو في اللزوم في احرامين و قد عرفت انه مقتضي القاعدة و هى ما رواه قال قلت له (عليه السلام) جعلت فداك انه يشتدّ عليّ كشف الظلال في الاحرام لانّى محرور يشتدّعلىّ حرّ الشمس فقال: ظلّل وارق دما فقلت له دما او دمين؟ قال: للعمرة قلت انّا نحرم بالعمرة و ندخل مكّة فنحلّ و نحرم بالحجّ قال: فارق دمين(1). و قد نوقش في سندها بان الراوي عن علي بن راشد هو محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني و قد ضعّفه الشيخ (قدس سره) مضافا الى انّ الرواية تكون مضمرة.
و لكن يدفع المناقشة مضافا الى ما عرفت من عدم كون مفاد الرواية مخالفاللقاعدة بل لولاها لكانت القاعدة تقتضي ذلك انه قد وثق النجاشي و غيره
- 1 ـ وسائل ابواب بقية كفارات الاحرام الباب السابع ح ـ 1.