(الصفحة 222)مسألة 15 ـ اذا اتى بما يوجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية حتى تجب عليه او قبلها، لم تجب عليه من غير فرق بين مجهولى التاريخ او كون تاريخ احدهما مجهولا1.
و المناط في جريانها مجرّد التجاوز عن محلّ الشىء الذي شك في الاتيان به فيه و الموضع الذي لا بدّ من وقوعه فيه و امّا الدخول في الغير فلا يلزم في مثل المقام مما لا يكون التجاوز عن المحل ملازما للدخول في الغير لانّ المفروض وجود الفصل الذي ربما يكون طويلا بين التلبية الدخيلة في اصل الاحرام او لزومه و وجوبه و بين الغير الذي يقع بعدها من الطواف او الوقوف نعم في مثل الصلوة لا يتحقق التجاوز عن المحلّ الاّ بالدخول في الغير الذي هو اعم من الجزء اللاحق او مقدمته ضرورة انه ما لم يركع يكون محل القرائة باقيا و لم يتحقق التجاوز عنه بخلاف المقام الذي لا يكون التجاوز متوقفا على الدخول في الغير فان من دخل مكة و شك في الاتيان بالتلبية في الميقات بالمعني المذكور يكون شكه شكّا بعد تجاوز محلّ التلبية سواء شرع في الطواف ام لم يشرع فيه بعد نعم بعد الشروع اذا شك في التلبية يكون جريان القاعدة اوضح.
ثم انّ ظاهر كلام السيّد (قدس سره) في العروة البناء على عدم الاتيان بالتلبية من دون فرق بين الصّورتين و عليه فلازمه العود الى الميقات من مكة للاتيان بالتلبية التي شك في الاتيان بها و من المعلوم انه مضافا الى انه لا وجه له بعيد جدّا و يمكن ان يقال بان مورد كلامه خصوص الصورة الاولى بقرينة قوله بعد عنوان الشك في التلبية: حتى يجب عليه ترك المحرمات اولا. فان الظاهر ان مورده صورة جواز تأخير التلبية فلا يشمل ما اذا تجاوز محلّها خصوصا بعد الدخول في الغير كمالا يخفى.
1 ـ الاولى في التعبير عن عنوان المسئلة ان يقال: اذا علم بالاتيان بالتلبيةو بما يوجب الكفارة على تقدير تأخره عنها و شك في المتقدم منهما و المتأخر و قد اختار في المتن عدم وجوب الكفارة في جميع صورها الثلاثة صورة جهل تاريخ كليهما
(الصفحة 223)
و صورتا جهل تاريخ احدهما.
امّا الصورة الاولى فالوجه في عدم وجوب الكفارة فيها هو جريان البرائة بعدعدم جريان الاستصحاب في شىء منهما لاجل التعارض بين الاستصحابين او لاجل عدم كونهما مجرى الاستصحاب على الاختلاف الواقع في هذا المجال فتصل النوبة الى اصالة البرائة المقتضية لعدم الوجوب.
و لكن ربما يقال كما قاله بعض الاعلام (قدس سره) ان تعارض الاصلين انّما هو فيمااذا ترتب الاثر على كل منهما فانه ـ ح ـ يكون جريانهما معا غير ممكن و جريان احدهما دون الاخر ترجيح بلا مرجح و امّا اذا كان الاثر مترتبا على احدهما دون الاخر فلا مانع من جريان الاصل فيه و الرجوع اليه من دون فرق بين الصوّر الثلاثة و المقام من هذا القبيل لان ارتكاب الافعال المنهيّة قبل التلبية لا اثر له و انما الاثر يترتب عليه بعد التلبية فلو شك في انه هل ارتكب محرّما بعد التلبية ليترتب عليه الكفارة او لم يرتكب شيئا لم تجب عليه الكفارة لاصالة عدم الارتكاب بعد التلبية و لا تعارض باصالة عدم الارتكاب قبل التلبية لعدم ترتب الاثر على ذلك فاحد الاصلين لا اثر له فلا يجرى و الاصل الاخر الذي يترتب عليه الاثر يجرى سواء كان المورد مجهول التاريخ او معلومه و لا مجال للرجوع الى البرائة بعد امكان جريان الاصل الموضوعى.
و يرد عليه اوّلا: منع عدم ترتب الاثر على الارتكاب قبل التلبية فان عدموجوب الكفارة الذي يدل عليه الروايات اثر و لا يلزم في الاثر ان يكون حكما لزوميا و الاّ لا يبقي مجال لجريان الاستصحاب فيما اذا كان المستصحب عدم الوجوب او الحرمة و قد ورد في بعض الروايات المتقدمة السؤال عن مواقعة الاهل بعد النية و قبل التلبية و الجواب بانه ليس عليه شيء و مرجعه الى الحكم بعدم وجوب الكفارة عليه فلا مجال لدعوى اختصاص الاثر بالموجب للكفارة الواقع بعد التلبية.
(الصفحة 224)
و ثانيا: و هو العمدة ان استصحاب عدم الارتكاب بعد التلبية غير جار لعدم ثبوت الحالة السابقة المتيقنة لانه نظير استصحاب عدم قرشية المرئة الذي حققنا في محلّه عدم جريانه لاختلاف القضية المتيقنة و القضية المشكوكة فان القضية المتيقنة هى السالبة المحصلة الصادقة مع انتفاء الموضوع و القضية المشكوكة هى السالبة بانتفاء المحمول مع فرض وجود الموضوع و هذا الاختلاف يمنع عن الاتّحاد المعتبر في جريان الاستصحاب و المقام من هذا القبيل لان المتيقن هو عدم الارتكاب المتحقق مع عدم التلبية ضرورة ان العدم مع وجودها لا يكون متيقنا في زمان اصلا فلا مجال لجريان هذا الاستصحاب.
و ثالثا: ان الاصلين اللذين وقع البحث في مسئلة توارد الحالتين و تعاقب الحادثين عن جريانهما و تعارضهما او عدم جريانهما اصلا هو استصحاب عدم تحقق احد الحادثين الى زمان حدوث الاخر بمعنى الحكم باستدامة عدمه الى زمان وجود الاخر بحيث لو لم نقل بعدم حجية الاصول المثبتة و ترتب الآثار الشرعيّة المترتبة عليه بواسطة عقلية و هي التأخر لكان يترتب عليه تلك الآثار و عليه ففي المقام لا بد و ان يقال على هذا التقدير بثبوت الكفارة على استصحاب عدم الارتكاب لان مقتضي تأخّر الارتكاب عن التلبية الثابت بالاصل بناء على القول بالاصل المثبت هو ثبوت الكفارة لترتبه على التأخر الثابت بالاستصحاب.
و بالجملة فالاصل الذي هو محل البحث في تلك المسئلة هو استصحاب العدم الى زمان الحادث الآخر لا استصحاب العدم بعد حدوث ذلك الحادث.
و قد ظهر مما ذكرنا انه ليس في المقام اصل موضوعى حاكم على اصالة البرائةو ان كان موافقا لها بل اللازم الرجوع اليها و الحكم بعدم وجوب الكفارة لاجلها لا للاصل الموضوعى فتدبّر.
(الصفحة 225)الثالث: من الواجبات لبس الثوبين بعد التجرد عمّا يحرم على المحرم لبسه يتزّرباحدهما و يرتدى بالاخر، و الاقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقق الاحرام بل واجبا تعبديّا، و الظاهر عدم اعتبار كيفية خاصّة في لبسهما فيجوز الا تزار باحدهما كيف شاء و الارتداء بالاخر او التوشح به او غير ذلك من الهيئات لكن الاحوط لبسهما على الطريق المألوف، و كذا الاحوط عدم عقد الثوبين و لو بعضهما ببعض، و عدم غزرهما بابرة و نحوهالكن الاقوى جواز ذلك كله ما لم يخرج عن كونهما رداء و ازارا، نعم لا يترك الاحتياط بعدم عقد الازار على عنقه، و يكفى فيهما المسمّى و ان كان الاولى بل الاحوط كون الازار مما يستر السرة و الرّكبة، و الرداء مما يستر المنكبين1.
في هذا الواجب الذي هو ثالث واجبات الاحرام جهات من الكلام:
الجهة الاولى:
في اصل وجوب لبس الثوبين في مقابل الاستحباب و عدم الوجوب و الظاهر استقرار الفتاوى على الوجوب قال في محكّى المنتهى انه لا نعلم خلافا بل عن التحرير الاجماع عليه نعم يظهر من كاشف اللثام الترديد فيه حيث قال فيماحكى عنه: «و امّا لبس الثوبين فان كان على وجوبه اجماع كان هو الدليل و الاّ فالاخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له مع ان الاصل العدم».
و مستند الوجوب امران:
احدهما: جريان السيرة العملية من زمن النبي و الائمة ـ عليه و عليهم الصلوة و السلام ـ و من المسلمين كافة اعم من الشيعة و غيرهم على لبس الثوبين عند الاحرام و في حاله.
و دعوى ان العمل لا يدل على الوجوب لانه اعم منه و من الاستحباب فلا مجال للاستناد اليه في الوجوب.
مدفوعة بوضوح كون العمل الكذائى و التقيد من الجميع مع تشتت مسالكهم
(الصفحة 226)
و اختلاف مراجعهم خصوصا مع ملاحظة عدم تقيّد كثير منهم بالاتيان بالمستحبات حتى مستحبات الاحرام المتعددة و المتكثرة مع شدة التحريص بها و الترغيب عليها دليلا على الوجوب و لا يقاس ذلك بمجرد صدور عمل من النبي و الائمة (صلى الله عليه وآله) الذي هو اعم من الاستحباب و بعبارة اخرى الدليل على الوجوب هو اختلاف نظر المتشرعة بالنسبة الى اللبس و الى مثل الغسل حال الاحرام فينظرون الى الاوّل بعين الوجوب دون الثاني و عليه لا مجال للاستشكال في الاستدلال على الوجوب بمثل هذه السّيرة.
ثانيهما: الروايات المتعددة الظاهرة في الوجوب:
منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: سئلت ابا عبد الله (عليه السلام) عن التهيّؤ للاحرام فقال: اطل بالمدينة فانه طهور و تجهّز بكلّ ما تريد، و ان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء و تلبس ثوبيك انشاء الله(1).
و قد حقق في محلّه دلالة الجملة الخبرية الواردة في مقام بيان الحكم على الوجوب و قيام الدليل على عدم وجوب افاضة الماء عليه سواء كانت بمعني الاغتسال او تنظيف البدن لا دلالة فيه على عدم كون اللبس واجبا ايضا و ان كان معطوفا عليها فاذا قال رأيت اسدا و رأيت ذئبا و قامت القرينة على ان المراد بالاسد هو الرجل الشجاع لا يكون فيه دلالة على انّ المراد بالذئب ايضا هو معناه المجازي و هو الانسان المشابه له في السبعية ـ مثلا ـ و بالجملة صرف الكلام عن ظاهره يحتاج الى القرينة الصارفة ففي مورد وجودها يصرف و مع عدمها لا مساغ له و لا مجال لدعوى كون وحدة السياق قرينة
- 1 ـ وسائل ابواب الاحرام الباب السابع ح ـ 3.